مواجهة “غزّة”: بين “السي آي إيه” والمخابرات المصريّة! – 2

51

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

– ثانياً: تداخل الدور المصري مع مصير الفلسطينيين: أوّل قمّة لفلسطين في مصر عُقِدَت بدعوة من الملك فاروق في عام 1945. أكثر جيش حارب في فلسطين هو الجيش المصر. والدولة التي فاوضت على مستقبل تقرير مصير الفلسطينيين هي مصر في كامب ديفيد.

– ثالثاً: كان هناك دور إشراف إداري وعسكري لمصر على غزة.

– رابعاً: علاقة الامتداد الجغرافي بين غزة ورفح من ناحية، وحدود سيناء وعلاقات النسب والمصاهرة بين أهل غزة وقبائل سيناء من جهة أخرى.

– خامساً: الارتباط العضوي لإمدادات الغذاء والدواء ومستلزمات الإنتاج في غزة بالمنتجات المصرية.

– سادساً: يعتبر معبر رفح المعبر البرّي الوحيد الأكثر استخداماً من الفلسطينيين من أجل انتقال الأفراد والبضائع من وإلى مصر رئة الفلسطينيين في التنفّس والسفر والانتقال.

لا يخفى على أيّ مراقب أنّه لا يوجد ضابط في أجهزة الأمن الفلسطينية أو منظّماتها السرّية إلّا وتلقّى تدريبه الأمني الأساسيّ في مصر.

يذكر هايل عبد الحميد (أبو الهول) رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية المميّز أنّه تلقّى مبادئ النشاط الأمني الاستخباري على يد ضبّاط جهازَي الاستخبارات المصرية وأمن الدولة.

أصبح لأكبر ضباط الاستخبارات المصرية وأمن الدولة في مصر مصداقية خاصة في المعاملات اليومية أو في أثناء اشتداد الأزمات والصراعات مع إسرائيل.

القاهرة وأنفاق غزّة

يعرف كلّ قادة الأمن الفلسطيني أنّ القاهرة غضّت البصر عن ظاهرة الأنفاق المؤدّية إلى رفح الفلسطينية على الرغم من مخاطر ذلك على السلام مع إسرائيل.

من هنا وعلى مرّ التاريخ نشأت حالة الانبهار والثقة الكاملة لأجهزة الأمن الفلسطينية بأساتذتهم الجنرالات المصريين من أمثال اللواء محمد عبد السلام المحجوب واللواء جبريل واللواء نعماني واللواء السفير محمد البيومي واللواء مصطفى البحيري واللواء سامح نبيل واللواء شريف قاسم واللواء نادر الأعصر واللواء سامح سيف.

آخر هؤلاء الرجال من هذه النخبة التي تمسك بالملفّ الفلسطيني – الإسرائيلي من الجانب المصري هو اللواء أحمد عبد الخالق نائب رئيس جهاز الاستخبارات المصرية.

هذا الرجل ضابط مخبر في القوات المسلّحة المصرية، متخصّص بشكل عمليّ ونظري وأكاديمي في ملفّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. درس وتربّى على يد أساتذته في الجهاز وعرف منهم أهمّية هذا الملفّ ورسخت في قلبه وعقله أهمية فلسطين في مسألة الأمن القومي المصري.

اكتسب الرجل في تعاملاته علاقات ثقة شديدة مع قيادات أهل غزة الأمنيّة، وتحديداً مع رجال حركة حماس، وأصبحت لديه علاقة مميّزة مع قادة كتائب القسام.

اللواء عبد الخالق هو أحد الرجال الذين عملوا على إيقاف وتهدئة صراعات حماس الأربعة السابقة على 7 أكتوبر (تشرين الأول) وإدخال مساعدات وفكّ الحصار ومبادلة الرهائن بالمعتقلين، بل ساهم في خروج قيادات عديدة للقسّام، ومنهم وأهمّهم يحيى السنوار.

أصبح اللواء أحمد عبد الخالق مثل من سبقه من قياداته اللواء الموثوق لدى حماس عند نشوء أيّ أزمة أو اندلاع أيّ صراع مع إسرائيل.

مبادىء العلاقة مع حماس

هذه العلاقة يجب دائماً أن تقوم على مبدأ دقيق وحسّاس يعتمد على المبادئ التالية:

1- إنّ دور مصر في الوساطة لا يمكن أن ينجح إلا إن كان عادلاً ومتوازناً.

2- إنّ دور الضابط المصري الوسيط مع التزامه القومي تجاه أخيه الفلسطيني هو بالدرجة الأولى تجاه التزامه القومي لمصر.

3- إنّ التدخّل المصري يأتي بعد اندلاع صراعات عسكرية دموية يحاول فيها الطرف المصري ضبط الأمور ونزع التوتّر وإيقاف إطلاق النار وإدخال مساعدات إنسانية والتوصّل إلى تسوية سياسية للتهدئة.

يتمّ كلّ ذلك اعتماداً على رصيد الثقة والتفاهم بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مع الوسيط المصري.

يتمّ كلّ ذلك بالثقة والإقناع دون أن تكون هناك لدى الجانب المصري سلطة إجبار وأدوات لفرض تهدئة أو التسوية.

هذا الدور وهذه المكانة المميّزة كانا دائماً يزعجان الطرف الأميركي الذي كلّما تدخّل في صراع فلسطيني – إسرائيلي كانت لديه رؤية مسلّمة تماماً للمطالب والرؤية الإسرائيلية دون أيّ رجوع لظروف وملابسات ووقائع الأزمة.

في كلّ مرّة كان الجانب المصري يتدخّل ويحاول إفهام الجانب الأميركي بأنّ إنقاذ إسرائيل من نفسها ومن حماقة مؤسّساتها يستلزم لعب دور إيجابي كوسيط.

يبدو أنّ ضعف إدارة بايدن تجاه الائتلاف المتشدّد الحاكم يجعل المفاوض الأميركي يلقي دائماً باللوم على حماس أو على الوسطاء، لكن لا يلقي أبداً باللوم على الجانب الإسرائيلي. بل ينفي عنه على لسان الرئيس بايدن أيّ تهمة بالإبادة الجماعية أو أيّ مخالفة للقوانين الإنسانية الدولية.

أين يُخطىء الأميركيون

يؤكّد مصدر مصري مطّلع على هذا الملفّ أنّه يخطئ الأميركيون مئة مرّة إذا اعتقدوا:

1- أنّهم بتسريب اسم ضابط في الاستخبارات المصرية واتّهامه كذباً بالتلاعب في مشروع التسوية سيجعلون مصر تستبعده أو تتخلّى عن دورها.

2- أنّ القاهرة بحكم الجغرافية والتاريخ والدور وطبيعة العلاقة مع الملفّ هي وسيط أساسي لا يمكن استبعاده أو القفز على دورها أو إضعاف نفوذها في هذا الملفّ.

لا يخفى أنّ القاهرة وصلت إلى قناعة راسخة بأنّ نتنياهو يرسل وفده إلى المفاوضات في القاهرة أو الدوحة بصلاحيات محدودة ومقيّدة، وأنّه يشارك في المفاوضات بأسلوب شكليّ خالٍ من مضمون أو أيّ رغبة صادقة في التوصّل إلى أيّ اتفاق عملي قابل للتنفيذ.

وصلت القاهرة إلى قناعة بأنّ نتنياهو يتلاعب لإطالة أمد الصراع وليس لإنهائه.

وصلت القاهرة إلى أنّ مشروع تهجير أهل غزة إلى سيناء على حساب مصر هو مشروع إسرائيلي لا تراجع عنه.

وصلت القاهرة إلى قناعة بأنّ حماقة نتنياهو السياسية قد تصل إلى مرحلة الاستعداد للتضحية باتفاق السلام المصري الإسرائيلي.

أهمّ ما توصّلت إليه القاهرة أنّه كلّما فشلت واشنطن في إقناع نتنياهو بأيّ اتفاق من أيّ نوع تلقي باللوم والضغط على حماس تارة أو على الوسيط المصري أو القطري.

هذه المرّة الوسيط الأميركي ليس وسيطاً، بل شريك في الفعل.

هذه المرّة إسرائيل لا تريد الحلّ، وهذا يزيد الصراع.

تكرّر هذه المصادر القول: “يجب عدم أخذ إعلان التعبئة العامّة للقوات المسلّحة المصرية في سيناء على أنّه حرب على الورق، لكن يتعيّن على الجميع في تل أبيب وواشنطن أن يعلم أنّ مسألة الأمن القومي المصري هي مسألة مصرية شديدة الحساسية، كما يقولون، “دونها الموت”.

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.