الكويت… سباق المحنة والفرص
بقلم نديم قطيش
«أساس ميديا»
أنهى الكويتيون الاستماع إلى خطاب أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وإعلانه تعليق الموادّ الدستورية المتعلّقة بالبرلمان، وذهب من ذهب منهم إلى مسرح الأرينا لمتابعة أولى ليالي ثلاثيّة المطرب السعودي عبد المجيد عبدالله. ومن بقي منهم في بيته وديوانيّته تابع النقل المباشر لحدث فنّي ليس غريباً عن شغف الكويتيين “بالوناسة”!
المعنى البسيط، أنّ الخطاب التاريخي للأمير مشعل، بمضمونه السياسي المباشر وبتوقيته بعد شهر من الانتخابات البرلمانية، خاطب مباشرة مخاوف الناس وطمأنهم، ولقي رضى الحريصين على البلد، الذين يسوؤهم أن تتخلّف الكويت عمّا يمكن ويجب أن تكونه.
فمن كان يتصوّر أن نقرأ يوماً أنّ الكويت، صاحبة أحد أكبر الصناديق السيادية في المنطقة والعالم بمجموع تريليون دولار تقريباً، تعاني من أزمة سيولة وسداد رواتب كما حصل عام 2020؟
ومن يقبل أنّ الكويت صاحبة الريادة الاجتماعية والثقافية تاريخيّاً بين دول الخليج، عاجزة اليوم عن استقطاب الحدود الدنيا من الاستثمارات الأجنبية أو ولوج بوّابة التنويع الاقتصادي كما هو حاصل في المنطقة؟
استغلال الديمقراطية لتدمير البلاد
استعمل الأمير كلاماً حادّاً وغير مسبوق. صحيح أنّ البرلمان عُلّق مرّتين في تاريخ الكويت، عامَي 1976 و1986، بيد أنّها المرّة الأولى التي يُشار فيها إلى “استغلال الديمقراطية لتدمير البلاد”. هذا ليس كلاماً بسيطاً يصدر عن أمير عانت بلاده من الغزو العراقي، وخرج من تجربة الغزو بإدارة وإرادة غير مسبوقتين.
أسباب كثيرة تقف خلف القرار، وإن كان أبرزها التجرّؤ غير المسبوق على دور الأمير وصلاحيّاته في ما خصّ تشكيل الحكومة من جهة، وتعيين وليّ للعهد من جهة أخرى. لم يختبئ الأمير خلف الكلام المنمّق بل طرح المشكلة بفجاجتها أمام الرأي العامّ الكويتي، وهو ما يرتّب عليه أعباءً وتحدّيات بدا واضحاً أنّه يريد الخوض فيها.
اختيار الأمير تعليق الموادّ الدستورية المتعلّقة بالبرلمان لفترة 4 سنوات، ليس عبثيّاً. فهي فترة ولاية البرلمان بموجب الدستور، الذي يفترض أن يراقب حكومة واحدة، إن أمكن، تعمل وفق برنامج إصلاحي وتنموي، ولا تكون المناكفات السياسية، في خلالها، هي الحاكم للحياة الوطنية الكويتية. ففي ما عدا الفترة بين 2016 – 2020، لم يرَ الكويتيون منذ الغزو حكومة عمّرت، واستطاعت أن تكون رافعة لاحتياجات الكويت السياسية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية.
فوق ذلك، شكّلت الديمقراطية الكويتية، بوّابة خطيرة للإسلام السياسي السنّي والشيعي، ومنصّة للتثوير والتحريض من داخل الخليج على دول عربية وخليجية، في واحدة من أكثر اللحظات توتّراً في المنطقة بسبب حرب غزة وتداعياتها الاستراتيجية الأوسع.
في تشرين الأول الفائت مثلاً، تحوّلت تظاهرة ساحة الإدارة بالقرب من مبنى البرلمان الكويتي للتضامن مع غزة، بمشاركة وزير التجارة والصناعة الكويتي ونواب حاليين وسابقين، إلى حملة تسويق لحماس والقسّام وتحريض على دول عربية وخليجية.
الانطلاق بالكويت نحو ما تستطيعه وتستحقّه
اختار الأمير مشعل الخيار الأصعب. أخذ بصدره وعلى عاتقه أن يقوم مقام الحكومة والبرلمان والانطلاق بالكويت نحو ما تستطيعه وتستحقّه. وإن كان من حسن حظّه أنّ الكويتيين سئموا الديمقراطية المعطوبة والعصبيّات السياسية والعقائدية التي لا علاقة لها بالوطنية السليمة، فإنّ من سوء حظّه أنّ المطلوب كثير وكبير والوقت المتاح محدود.
لن ينتظر الراكبون موجة الديمقراطية كثيراً قبل أن يُعيدوا ترميم صفوفهم وتنظيم هجماتهم وتدبيج حملاتهم، لا سيما ركّاب درجة “الإسلام السياسي”. الردّ على ذلك ينبغى أن يكون أوّلاً بإشعار الناس بأنّ الخدمات ستتحسّن بما يليق بهم وبما يعهدونه في دول الجوار الخليجي. والأهمّ أن تُطلق صفّارة الاستثمار في الكويت، التي تعجّ بالفرص الهائلة، من حاجات البنية التحتية، وصولاً إلى قطاع الخدمات بكلّ فروعه.
ولأجل ذلك ينبغي لخطوة التعليق، مقرونة بالحديث عن الفساد، وأولوية حماية البلاد، أن تكون مقدّمة لتغيير اتّجاه الكويت برمّته.
أخطر ما يمكن أن تواجهه الكويت هو تحويل خطوة شجاعة إلى سبب لضرب الاستقرار السياسي في الكويت، وتزويد المعارضة الداخلية بقضايا إضافية للتشويش والتعبئة، وإغفال أهمّية تسويق الخطوة خارجياً لتفادي الانتقادات الدولية. كما لا بدّ من ربط قرار التعليق بكلّ ما يلزم من خطوات تضمن استقرار الحكم ووضوح مستقبله على قاعدة توسعة رقعة حلفاء الأمير داخل الأسرة وبين مكوّنات الشعب الكويتي بكتلتَيه الكبيرتين، أي البدو والتجّار.
خطاب الأمير تبنّى استراتيجية متعدّدة الأوجه، تعِد بتعزيز الشفافية والانخراط في ورشة إصلاح سياسي واقتصادي لا بدّ أن تكون محصّنة بحوار مفتوح مع كلّ أصحاب المصلحة، لتبديد ردود الفعل العكسية، وتعطيل المصطادين بأزمات البلد.
حسناً فعل الأمير مشعل بإيضاحه أنّ التعليق، مقرون بخارطة طريق نحو استعادة الديمقراطية، بعد إجراء إصلاحات دستورية وسياسية تُنهي الأسباب الجذرية للجمود السياسي الذي يستنزف الكويت.
الخطاب المهمّ والتاريخي صار وراءنا وبسرعة، وهذا دليل على حجم التحدّيات التي تواجهها البلاد. العيون الآن مفتوحة على ما يمكن انتزاعه من نجاحات سريعة، تُطمئن الداخل والخارج، أنّ الكويت وُضعت على السكّة الصحيحة.
نديم قطيش