السلطة في المفهوم التاريخي (1)
بقلم: الدكتور وليد عربيد
الشرق – تطرح اليوم على الساحة العربية مجموعة من الاسئلة عن مفهوم السلطة وتاريخها. بعدما طرحت حركة الاحتجاجات الشعبية قبل سنوات في عدد من الدول العربية مفهوما جديدا لقراءة تحمل في طياتها معانٍ جديدة في مفهوم السلطة وتداولها؟ هل تمنح هذه الأسئلة المطروحة اليوم الحكم وآلياته وعمله فرصة تاريخية بالمعنى الحقيقي للسلطة وتقديمها بمفهوم جديد امام المواطنين ليتم الحديث عنها، فيشكل حقا عادلا قائما على تساوي الفرص بين ابناء الشعب؟ فهل ننتقل من مفهوم السلطة الى مفهوم الدولة؟ وهل يتم في قراءة تاريخية للسلطة ايجاد حلول من اجل تأسيس جديد اكثر تطورا يبنى على احترام القّيم في مفهوم جديد لبناء دولة في رؤية مستقبلية ترتكز على الحداثة. ان السؤال الأكثر الحاحا قد يكون حول السلطة من حيث هي قيمة الى السؤال عن السلطة من حيث هي فعل تاريخي، اي فعل مشروط بالتاريخ وفعل في التاريخ كما يشير الى ذلك المفكر ناصيف نصار. والسلطة تمثل واحدة من اهم القضايا التي شغلت الناس والجماعات والنخب والقادة بإعتبارها احد مداخل الاصلاح والتغيير للانتقال الى نظام حكم ديموقراطي، فالناس يطلبون السلطة ويتصارعون من اجلها، وهم محكومون بظروف مختلفة، ليس فقط لتلبية حاجات ذات منفعة خاصة، بل ايضا لتقرير مصيرهم في التاريخ، حيث تتخذ الحاجات الذاتية مسارها الحقيقي. الوصول الى السلطة في التاريخ كان ولا يزال وسيلة معلنة للاصلاح والتغيير والعدل ومبررا للنزاعات والحروب والصراعات بين الدول والامم والأسر والجماعات. ولعّل الاتجاه من هذا المنطلق يقودنا نحو العمل السياسي الاصلاحي في المنطقة العربية الذي لم يأخذ في الاعتبار ان العالم العربي بعمقه التاريخي لم يعمل كثيرا بآليات تنظيم انتقال السلطة وتداولها على اساس سلمي وعادل يعطي الفرصة لجميع الناس بالتساوي في التنافس على السلطة واختيار الحاكم. تستلزم السلطة في معناها الفلسفي آمرا ومأمورا وآمرا له الحق في اصدار أمر الى المأمور، ومأمورا عليه واجب الطاعة للأمر وتنفيذ الأمر الموجه اليه. لكن للآمر والمأمور واجبات وقوانين، لذلك من البديهي ان نتطرق، بشكل واضح للمعنى الحقيقي للسلطة وبمعناها العام، اي الحق في الأمر. في سبيل ذلك، ولوضوح في ادراك معنى السلطة، ينبغي علينا التمييز بينها وبين السيطرة، فاذا تم استعمال السلطة بطريقة مغايرة لمعناها الحقيقي فانها بالتالي ستتجه الى ممارسات مختلفة مما يعرضها للأرتباك والتصدع والتلاشي، وقد تنتهي هذه السلطة الى الانهيار. وقد يكون المعنى الحقيقي للسلطة هو الارتباط بمسار تاريخي يدخل في دنيا الانسانية من الناحية الاجتماعية ومن الناحية السياسية ايضا. ويمكن بالتالي اعتبار نظرية مصادر السلطة بمثابة سلطة قائمة في دنيا الانسان ترجع الى الطبيعة، او الى التعاقد، او الى التفويض. ان السلطة التفويضية تدخلنا الى عالم السلطة من ابواب أخرى، حتى ندرك اهميته ونستوعب بذلك ظاهرة السلطة في الوجود الانساني. فعندما يتسلم الانسان سلطة معينة، يحتاج الى الشعور بأن الحق في الأمر الذي يتسلمه متوافق مع مقتضى العدل. فكل سلطة تواجه منذ لحظة قيامها، سؤال العدل، لأنها حق، والعدل وضع حقوقي، فلا بد للسلطة الى الإتجاه في تقييم دورها بالنسبة الى العدل ونسبة العدل اليها. لذا، فان تحليل مفهوم السلطة قد يكشف عن وجود العدل فوق السلطة ومعها. إنه فوقها بوضعه مبدأ وقيمة قانونية، ومعها بوضعه محتاجا لها وصنيعا من صنائعها. من البديهي ان إظهار هذه الحقيقة في كشف نوع من السلطة كي يؤدي بنا هذا التحليل إلى اكتشاف الترابط الخاص بينها وبين العدل. في المعنى الحقيقي للسلطة ايضا يجب الإصغاء الى صوت العقل ضمانة للعدل، لكن ارادة العدل لا تكفي وحدها لتجنب الاصغاء الى صوت العقل بل هي تحتاج في ذلك الى تحقيق جملة من الاهداف القانونية. ان الصورة الحقيقية لمعنى السلطة تبين للرأي العام اتجاه التعامل الصحيح مع السلطة كقيمة. هذه الصورة تمثل بنظرنا نوعين من طلب السلطة. الاولى على اساس الاستحقاق والثانية على اساس الاستيلاء، وتحويل الاستيلاء على الحكم الى سلطة فعلية خالية من الاغراءات والصفقات والضغوط والترهيب، التي يلجأ اليها الحكم لترسيخ حكمه توسيع قاعدة الدعم له، ربما يكون ضمانة لبناء العدل.
[يتبع]