الترحيل … هو الحل أم المؤامرة …؟

60

بقلم د. باسم عساف

كل الحروب والأحداث التي جرت بالتاريخ، قد أثمرت الويلات بالحجر والبشر، والكثير منها أدى إلى التخريب والتدمير والتشريد، والعديد منها أدى إلى تغيير في التسلط والتحكم، والتبديل الديموغرافي، بتغليب فئةٍ على أخرى، أو شعبٍ على آخر، بفعل هزيمةٍ كبرى أدت إلى هيمنة المنتصرين، وفرض ما يبتغون من إثارة هذه الحرب.

وهذا ما تمَّ لشعوبٍ عديدةٍ في أحداث التاريخ، التي نشهد منها حالياً في المنطقة العربية، والمستمرة منذ أكثر من مائة عام، ومن خلال الإحتلال الإنكليزي والفرنسي لها، ومع إستقدام اليهود لإحلالهم في أرض فلسطين، وتشريد شعبها الأصلي، نحو مناطق أخرى داخلها وخارجها.

كما تم أيضاً في السنوات الأخيرة  عبر قيام إيران بترحيل الملايين من شعبي العراق وسوريا، لمناطق أخرى بالداخل أو الخارج، وإستقدام أتباعها للإحلال مكانهم بفعل الهيمنة والتسلط لأهداف توسعية وبسط الحكم العقائدي المتبع.

وفق القوانين الدولية وخاصة القانون الإنساني الدولي، فإن صفة اللاجئين لمن شرِّد خارج حدود الدولة المنكوبة بالأحداث، وصفة النازحين لمَن شرِّد الى مناطق أخرى داخلها، وهذا ما تم للفلسطينيين عقب أحداث وحرب /١٩٤٨ في بلدهم وتم إخراج الكثير منهم إلى لبنان، حيث كان إستقبالهم كلاجئين، وتم إنشاء منظمات دولية للمساهمة في غوث اللاجئين كالأنروا مثلاً، مع إعداد المخيمات لهم بالقرب من المدن اللبنانية، للتعاطف معهم ولمساعدتهم تمهيداً للعودة إلى أوطانهم وأراضيهم، تحت شعار ثورة حتى النصر، ولازالت هذه المخيمات جاثمة على أرض لبنان دون تحقيق النصر ودون العودة الموعودة.

التاريخ يتجدد مع اللاجئين العراقيين والسوريين إلى لبنان، خاصة الذين قدِموا إليه في أعقاب حروبٍ مدَمِّرةٍ، وساحقةٍ للحجر والبشر، وأحداثٍ داميةٍ أخرجتهم من ديارهم، ليستقرَّ العديدُ منهم في لبنان، الذي إستقبلهم من باب الأخوَّة العربية والجيرَة الإنسانية، ولكن من دون تنظيمِ وضعِهم وإنشاء مخيماتٍ خاصةٍ لهم وحصرهم بها، كما تم للفلسطينيين، مما أدى ذلك إلى إنتشارهم بالمدن والقرى اللبنانية، على مساحة الوطن، وبتأييد معظم اللبنانيين وفئآتهم المختلفة، حيث دام ذلك لأكثرِ من خمس سنوات منذ بدء الأحداث في سوريا، ومع إبداء كل مساعدة لهم، أكانت شعبيةً أم رسميةً أم دوليَّةً، حيث هبَّت منظماتٌ دوليَّةٌ عبر الأمم المتحدة، لتسجيل الأسماء، من أجل شمولهم بالمساعدات الصحيّة والإجتماعيّة والإسكانيّة، إضافةً للمساعدات التربويّة، وتخصّيص المدارس والتعليم لهم.كما العديد من النقديمات المالية والتسهيلات في العمل والإقامةوالتشغيل.إلخ.

كلُّ هذه التقديمات من المنظمات الدوليّة، وإغداق المساهمات من الدول الأوروبية، كانت لغايةٍ في نفسِ يعقوب، محذّرة من التوجه إلى بلدانهم مباشرةً، لئلا يقعوا بالمحظور، الذي أرادوه للبنان، رغم عِلمهم بما يقع به من أزمات، ومن نكباتٍ داخليةٍ وخارجيّةٍ، تسببت هذه الدول بها، عبر أتباعهِم وأنصارهِم وأزلامِهم، من قادةِ وكتلِ المنظومة السّياسيَّة، الذين باتُوا يستأسِدون على الشعب اللبناني: بفرض الضرائِب وزيادة الأسعار  والتسبُّب بالأزمات المالية والإقتصادية، التي إنعكَست على البلد والمواطنين  بكافة الصُعد الحياتية والمعيشية، حيث شعر الجميع بالإجحاف والتمايُز بين اللبناني المحروم من أبسط مقومات العيش الكريم، يقابله الدلال وإغداق الأموال على اللاجئين، مما زاد في الطين بِلّة، وباتت الأمور في تصاعُدٍ بالبُغض والنُفور، وربما بطمع المستفيدين، من هنا أو هناك.

هذه الأوضاع المتداخِلة، والفلتان والفوضى، وعدم وضع الضوابط بتنظيم شؤون اللاجئين، على أسُس الإستضافة المؤقتَه، وليس على سبيل التغيير الديموغرافي، وتشريد شعبٍ على حساب شعبٍ آخر ، وهي التي باتت مقولة معظم اللبنانيين، وحجَّةً قويةً للدعوة إلى الترحيل، وإلعودَة الآمِنة، أو إلى الذهاب  لمناطق آمنة في بلادهم، وهذا من ضمن سيناريو الحرب الموجَّهة على العراق وسوريا، وتحريكِ مسألةِ فلسطين معها، إذ بات الحِمل ثقيلاً جداً على لبنان، الذي ينوءُ تحت الضرب والقصف والإعتداء الخارجي، وأيضاً التشرذم والتفتيت والتقويض، لكل مؤسساته الرسمية والشعبية في الداخل، مما أفاضت أزماته أعباءً على كاهل مواطِنيه، يستغلُّها أتباع المنظومة السياسية، التي كانت ومازالت هي السبب في الوصول إلى هذه النتائج المخزيّة.

إن اللجوء السوري إلى لبنان من بعد العام / ٢٠١٥ هو غير اللجوء الأول بعد سنة/ ٢٠١١/ الذي جاء مع بداية الأحداث وإشتداد المعارك هناك، فاللجوء الثاني جاء معظمُه إنعكاساً على الأزمة المالية والإقتصادية الحادَّة التي إجتاحت سوريا إثر نتائج الحرب العبثية، وإثر العقوبات الأمريكية، وإثر أحداث التغييرات الديموغرافية، يُضاف إليها الطمع بالتقديمات والمساعدات، عبر المنظمات الدولية للاجئين إلى لبنان، وإضافةً إلى الأسواق المفتوحة لهم للعمل الخاص، وبالورش والمؤسسات التي إعتمدت اليَد العاملة السورية، لأسبابٍ عديدةٍ يستفيد منها الكثير من اللبنانيين، والمستفيد الأكبر فيها، دول الإتحاد الأوروبي التي تدفع المال من بعيد، مهما كانت قيمته، ومهما كانت حصة لبنان منه، ورشوته من تحت الطاولة أو من فوقها، ولو على الصعيد الرسمي، لئلا تنتقل أزمة اللجوء إلى أراضيها فتواجه أزمات أكبر وأخطر..

إن إحصاءآت الأمم المتحدة للاجئين السوريين منذ بداية الأحداث وحتى سنة/ ٢٠١٥/ تفيد عن مليون ومائتي ألف لاجئ مدونين على جداولها، وقد إزداد العدد وتضاعف مع اللجوء الثاني الإقتصادي غير المدون، سيما وأن الحدود مفتوحة والتهريب شَغَّال على يد أكثر من عصابة من الجهتين، وعدم الحسم من السلطات اللبنانية، قد فتح كل الأبواب على مصراعيها وبات لبنان كلُّه مرتعاً لتواجدهم بكافة أراضيه، ويشكِّلون تنافساً سلبياً على اليَد العاملة اللبنانية، مما تسبَّب ذلك بإخراج الكثير منهم من أعمالهم، ليواجهوا البطالة والحرمان من أي عمل، وبالتالي بات السَّفر هو الخيار الوحيد للشباب اللبناني، وبات التغيير الديموغرافي يغير وجه لبنان، والتوجه للسير بخارطة الطريق، وبالنالي إلى مخطط التقسيم، الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط الجديد، وهو من إخراج الصهيونية العالمية، ومن إنتاج الولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها من الدول الغربية والعربية.

إن أميركا والإتحاد الأوروبي،  وحتى قبرص، التي دخلت على خط الحل للاجئين السوريين، واللبنانيين الراحلين عن هذا البلد، حيث أنها البلد الأقرب لرحلات الموت بزوارق التهريب التجاري، التي لا تملك أدنى المواصفات للرحلات البحرية، فتبقى الحدود القبرصية وشرطتها هي الأخطر على إغراقهم أو عدم إستقبالهم وإعادتهم وفق تعليمات الإتحاد الأوروبي، ليتبلى لبنان بهم وبكيفية ترحيلهم.

الموقف اللبناني غير المتوازن مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، منذ سنة /١٩٤٨، رغم أن الدولة قد نظمت شؤونهم بالأحوال الشخصية والإقامات والإجازات، وتم ذلك مع سلطتهم، ومن خلال إتفاق القاهرة وموافقة الجامعة  العربية والأونروا بالقرار الدولي، حتى لا يحدث أي إزعاج للكيان الصهيوني في حال إعتماد مبدأ العودة وثورة حتى النصر والتحرير.

وبناء على ذلك، نجد أن الأزمة تطول وتطول مع مسألة اللاجئين السوريين، وحيث أن الجانب اللبناني، يتعاطى معها بعينٍ واحدةٍ ويسير بها على رِجلٍ واحدةٍ، فلن يستطيع الوصول إلى حلٍّ لها، ما لم تعالج أسبابُها، ومعالجة الأصل من وقوعها، كما معالجة تسهيل التخلِّي عن أراضيهم ومساكنهم هناك، لأسباب قاهرة، مركزةْ على  التبديل الديموغرافي والسياسي والأمني والمذهبي، وهذا جميعُه يندرج ضمن المؤآمرة على المنطقة ككل ومنها سوريا.

وهذا يجري على لاجئي ما قبل /٢٠١٥، أما ما بعدها فيمكن لهم التنسيق على إعادتهم، بالتفاهم مع النظام السوري، حيث كل الأسباب السابقة غير موجودة لديهم، سوى الأمور المالية والإقتصادية، وهذه تعالَج بمساعداتٍ لهم داخل الأراضي السورية بمواصفات المنكوبين، وليس اللاجئين.

لذا فتكون الدعوة إلى الترحيل، لا تستوجب فتح جبهة معهم، ولا إستدراجهم إلى معارك وأحداثٍ فرديةٍ وجماعيةٍ قد تكون مفتعلة قصداً لزيادة النفور، وتحمل الكثير من الغايات السوداء التي تتناسق مع خارطة الطريق والفرز السكاني والتشتيت والتشريد،  المبني على الحِقد والبغضاء وليس على أساس جابر عثرات الكرام وإغاثة الملهوف.

خاصة أنّ المظلومين منهم، قد فقدوا كُلَّ ما يملِكون، ولم يعد لهم مساكن، تؤكِّد على صعوبة العودة للاجئي المرحلة الأولى الأمنية، التي سجَّلت عليهم، معارضتهم لعودة النظام إلى الحكم، وسيادة قوى الأمر الواقع عليه، فهل الترحيل هو الحلُّ لهم، أم هو حلُّ المؤآمَرةِ عليهم.

د. باسم عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.