7 أولويّات تغيّر وجه لبنان الاقتصاديّ (2)
بقلم عبادة اللدن
«اساس ميديا»
وجرى اتّصال بين وزيرَي الطاقة في البلدين قبل أسابيع قليلة من 7 أكتوبر 2023، وكان من المفترض أن تتبعه زيارة للوزير التركي لتل أبيب من أجل البحث في مشاريع مشتركة من ضمنها تطوير حقل “غزة مارين” قبالة شواطئ غزة.
لذلك تطوير حقول الغاز وربط لبنان بشبكة الغاز الإقليمية لا بدّ أن يكونا أولويّة في صناعة السياسات في المرحلة المقبلة.
3- الكهرباء: معالجة تنظيميّة
عانى قطاع الكهرباء لعقود طويلة بلا سبب مقنع. والمقاربة الفضلى لحلّ أزمته أن تخرج الدولة من إنتاج الكهرباء، وتتحوّل إلى جهة ناظمة. وأوّل ما يجب فعله إلى جانب تفعيل الهيئة الناظمة، تفكيك مؤسّسة كهرباء لبنان، وتوزيعها على ثلاث شركات: شركة تملك شبكة خطوط النقل، وشركة (أو أكثر) لمرافق الإنتاج، وشركة للتوزيع على غرار “كهرباء زحلة” و”كهرباء قاديشا”، مع فتح الباب أمام القطاع الخاصّ لإنشاء معامله، من دون أن تنفق الدولة قرشاً واحداً على ذلك.
إلى جانب ذلك، تؤسّس الدولة شركة لشراء الطاقة تتولّى شراء إنتاج كل من ينتج الكهرباء على الأراضي اللبنانية، وتضعه على الشبكة، فيتمّ خلال سنة واحدة إغلاق دكاكين الموتورات وشبكات التوزيع والجباية الخاصّة بها إلى غير رجعة، على أن يتمّ إنشاء إطار تنظيمي لمقاصّة كمّيات الكهرباء التي ينتجها المواطنون في بيوتهم عبر ألواح الطاقة الشمسية أو مراوح لطاقة الرياح.
على أنّ أولوية الدولة يجب أن تتركّز على الاستثمار في تطوير شبكة النقل وربطها بالدول المجاورة، لأنّ المشروع الحيوي المقبل سيكون ربط شبكات الكهرباء في الخليج بأوروبا، عبر مصر، وربّما عبر سوريا وتركيا لاحقاً، لتشتري أوروبا الكهرباء النظيفة التي سيتمّ إنتاجها من المشاريع الضخمة للطاقة المتجدّدة في شمال السعودية.
4- إعادة الإعمار
ثمّة اعتقاد لدى الناس أنّ المساعدات الخارجية ستعيد بناء ما تهدّم خلال العدوان الإسرائيلي بالكامل، ربّما استناداً إلى تجربة حرب 2006. وإذا كان رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام قد أكّد ذلك “وعداً والتزاماً”، فإنّ من الصعب جدّاً أن تغطّي المساعدات الخارجية تكاليف التعويضات بالكامل، خصوصاً في ظلّ تنافس استحقاقات إعادة الإعمار المتزامنة في المنطقة، من غزة إلى سوريا، وربّما السودان واليمن. ولذلك لا بدّ من مصارحة الناس بأنّ هناك ثمناً لا بدّ أن يتحمّله دافعو الضرائب.
إذا كانت إسرائيل، باقتصادها الذي يزيد حجمه على نصف تريليون دولار وما يتدفّق عليها من مساعدات أميركية، قد اضطرّت إلى إجراءات تقشّفية من ضمنها رفع الضريبة على القيمة المضافة من 17% إلى 18%، فإنّ الحكم في لبنان يحتاج إلى مصارحة الناس بأنّ البحبوحة ليست خلف الأبواب، ولا بدّ من التعامل بجدّية مع الاستحقاقات المقبلة، ومقاربتها بمبدأ أساسي هو العدالة في توزيع الأعباء.
5- إعادة الودائع
يرث العهد هذا الاستحقاق الهائل من فترة مظلمة، والمشترك بينه وبين إعادة الإعمار أنّ موارد الدولة قليلة والانتظارات كبيرة والمصارحة صعبة. فقد ثارت الثائرة على حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري حين تحدّث عن “تقبّل المودعين للخسارة”، وهو ما نفاه لاحقاً. لكن حتى الآن ليس هناك أيّ طرحٍ لإعادة الودائع سوى الشعارات.
لذلك سيكون على حكومة العهد الأولى أن تحسم الأمر: ما الذي سيتحمّله المودعون من خسائر؟ وما الثمن الذي ينبغي أن يتحمّله دافعو الضرائب، باعتبار أنّهم استفادوا من استخدام الدولة لأموال المودعين في إنفاقها الجاري وفي فسادها؟
حان وقت الحسم، فمن دون ذلك لا يمكن أن تتمّ إعادة هيكلة القطاع المصرفي ويعود الانتظام إلى ماليّة الدولة والنظام المالي.
6- استعادة الماليّة العامّة
هناك وهمٌ بأنّ المالية العامّة تحقّق فائضاً. والحقيقة أنّه فائضٌ أوّلي في ظرفٍ غير طبيعي، ولا يأخذ في الاعتبار التكاليف الإضافية في حال تطبيع تكاليف التمويل التي توقّفت الدولة عن سدادها منذ آذار 2020، ولا تكاليف تطبيع المصاريف الجارية، خصوصاً في بند الرواتب والأجور، علاوة على حاجات التوظيف الكبيرة التي تنتظر القطاع العامّ في السلكين العسكري والمدني، وفي وظائف الفئة الأولى. ولذلك لا يمكن الركون إلى وجود فائض في هذا الوضع غير الطبيعي.
لكي تستعيد الماليّة العامّة انتظامها لا بدّ من الشروع في التفاوض مع الدائنين من حاملي اليوروبوندز وحسم مسألة ديون الدولة تجاه مصرف لبنان، لتتمكّن الدولة من العودة إلى أسواق رأس المال.
7- استعادة الانتظام في القطاع الماليّ
حقّق مصرف لبنان في العامين الأخيرين منجزاً مشهوداً باستعادة استقرار سعر الصرف. إلّا أنّ الاستمرار في المعادلة القائمة حالياً غير ممكن، لأنّ الأداة النقدية الوحيدة المتاحة لمصرف لبنان حالياً هي التحكّم بالكتلة النقدية، وليس حتى بمعروض النقد بالمفهومين الواسع والضيّق. ولذلك يُتّهم البنك المركزي، بغير وجه حقّ، بمنع الدولة من إنفاق الأموال التي تجبيها من الضرائب والرسوم.
لا بدّ للانتظام أن يعود ليستعيد مصرف لبنان أبسط الأدوات الأخرى، مثل سعر الفائدة وسوق أذونات الخزينة، ليعود إلى إدارة السيولة في النظام المالي كأيّ بنك مركزي في بلد طبيعي. وهذا لن يتحقّق إلّا بإعادة الانتظام إلى المالية العامّة.
تلك العناوين السبعة لا تحلّ مكان أيّ أولوية أخرى ترتبط بالقطاعات التقليدية، من صناعة وزراعة وسياحة واتّصالات. إلّا أنّ التركيز عليها ينبع من كونها مرتبطة بمتغيّرات إقليمية ودولية أو استحقاقات داهمة. والأكيد أنّ مواجهتها تتطلّب الكثير من الشجاعة والحديث بلغة المصالح، بدلاً من لغة المحاور والاستقطابات التي جرّت لبنان إلى ما هو فيه.
عبادة اللدن
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.