وصف الأنروا بالإرهاب جريمة لا تغتفر

38

المحامي أسامة العرب

في 29 أيار الماضي، صدّق الكنيست بقراءة تمهيدية على مشروع قانون يلغي الحصانة والامتيازات الممنوحة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأنروا».

أما الاثنين في 22 تموز 2024، فقد أقرّت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الأولى، مشروع قانون يعتبر وكالة الأونروا منظمة إرهابية، مما يوجب وقف نشاطاتها في إسرائيل كليًا.

ويعد مشروع القانون، الخاص بتصنيف وكالة الأونروا «إرهابية»، واحدًا من بين ثلاثة مشاريع قوانين، بشأن المنظمة الدولية، وحظر عملها في إسرائيل، وقد صدّق الكنيست عليها كلها، في قراءة أولى.

ومشروع القرار الأول، ينص على منع الوكالة من العمل، في الأراضي الإسرائيلية وقد تم تمريره، بغالبية 58 صوتًا من أصل 120 بالكنيست، مقابل 9 أصوات، أما القرار الثاني، فيهدف إلى تجريد موظفي (الأونروا) من الحصانات والامتيازات القانونية، الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة في إسرائيل، وقد أُقرّ بغالبية 63 صوتًا مقابل معارضة 9 أصوات. في حين ينص القرار الثالث على تصنيف وكالة الأونروا بالمنظمة «الإرهابية»، ومطالبة الحكومة الإسرائيلية، بقطع العلاقات معها، فقد جرى تمريره بموافقة 50 صوتًا مقابل 10 معارضة أصوات، ولكن لكي يصبح القانون نافذا يتعيّن التصويت عليه بـ 3 قراءات، لهذا سيتعين إعادة مشاريع القوانين الثلاثة، إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، للتحضير للقراءتين الثانية والثالثة، اللازمتين لكي يصبح التشريع قانونًا، وفي حال تحولت إلى قوانين، فسيتم إنهاء أي علاقة بين دولة إسرائيل وهذه الوكالة الأممية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسيتم التعامل معها ومع موظفيها باعتبارها «منظمة إرهابية» وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي.

إن تصنيف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة، «منظمة إرهابية»، يشكّل حملة إسرائيلية لتفكيك «الأونروا» وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وستكون له عواقب وخيمة على حياة اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، وخاصة على سكان قطاع غزة، الذي شهد تدميرًا واسعًا من قبل إسرائيل، خلال الحرب الدائرة منذ ما يزيد على تسعة أشهر، والذي تؤكد عدة تقارير دولية، على أن سكانه يعيشون في مجاعة بالفعل.

وبالتزامن مع حربها على غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي، تشن إسرائيل هجومًا على المنظمة الدولية «الأنروا» وتزعم أن موظفيها ساهموا في هجمات عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها حركتي حماس والجهاد الإسلامي؛ ولكن بغض النظر عن مدى صحة مشاركة عدد من موظفي الأونروا بعملية طوفان الأقصى، فلا علاقة لهذه المنظمة الرائدة في الأمم المتحدة بتبعات عدد قليل من موظفيها، لاسيما أن تصنيف إسرائيل للأونروا بأنها «إرهابية» يمثل اعتداءً جديدًا على حقوق الشعب الفلسطيني كلّه؛ كذلك فإن قيام إسرائيل باستهداف المدنيين الذين لجأوا إلى مدارس الأونروا وقتل ما يقارب 200 موظف أممي منهم في 9 أشهر، بحجة أن الأونروا منظمة إرهابية هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية في القانون الدَّوْليّ.

علاوة على ذلك، فإن تصاعد وتيرة مجازر دولة الاحتلال في غزة، وإمعانها في ارتكاب مزيد من جرائم حرب الإبادة الجماعية وعمليات التطهير العرقي المستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر، هو ما يجسد الإرهاب الحقيقي بكل معانيه، لأنه يتحدى قرار محكمة العدل الدولية الأخير، الرامي إلى وجوب خروج إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

أضف إلى أن مساعي الكنيست الإسرائيلي اليوم، لتصنيف الأونروا منظمة إرهابية يشكّل مرحلة جديدة من الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف الهوية الفلسطينية وحقوق المواطن الفلسطيني، لاسيما حق عودة اللاجئ الفلسطيني إلى وطنه. إلى جانب أن قرار الكنيست الإسرائيلي، يشكّل أيضًا تحدٍّ خطير للقرارات والقوانين الدولية، خصوصًا أنه يأتي امتدادًا لمحاولات دولة الاحتلال، إرهاب منظمة الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها.

ونشدّد على أن الأونروا التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، تقدم خدمات حيوية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وهي رمز لحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم؛ ذلك أن الأونروا، تقدّم خدمات التعليم والرعاية الصحية والمساعدات، لملايين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والأردن ولبنان وسوريا. كما تعمل الوكالة، على تقديم الدعم والحماية، لحوالي 5.6 مليون لاجئ فلسطيني، مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم إيجاد حل لمعاناتهم، ويتم تمويلها بالكامل تقريبًا، من خلال التبرعات الطوعية، التي تقدمها الدول الأعضاء، في منظمة الأمم المتحدة.

وهناك أكثر من 5 ملايين و900 ألف لاجئ فلسطيني، يعتمدون على المساعدات من الوكالة، التي تأسست في الأصل لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وإيجاد فرص العمل لهم، ونجحت في تخفيف مصاب ملايين اللاجئين، على مدار 7 عقود ونصف، وبلغت أحدث ميزانية لها 1.74 مليار دولار.

وبناءً عليه، قد يؤدي وقف عمل الأونروا، إلى تفاقم مأساة الجوع في غزة، بصورة كبيرة، بفعل الحرب الإسرائيلية، إذ كشف برنامج الأغذية العالمي في 25 من حزيران الماضي، عن أن 96% من سكان غزة، يواجهون مستويات شديدة من الجوع، والانعدام الحاد للأمن الغذائي؛ ولولا وكالة الأونروا وتقديماتها الاجتماعية لهم لأصبح وضع أهل غزة مأساويًا وكارثيًا أكثر.

ولذلك، فإننا نؤكّد بأن إسرائيل تهدف لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، من خلال تشويهها لسمعة «الأونروا»؛ وأن مثل هكذا قانون يشكل تعديًا على  منظمة الأمم المتحدة التي اعترفت بدولة إسرائيل كعضو فيها، ويشكل أيضًا اعتداءً على ميثاق الأمم المتحدة، لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي التي أنشأت وكالة الأونروا؛ علاوة على أن هذا القانون الإسرائيلي لا يمكن إعطاؤه خاصية الإلزام، لأن على إسرائيل أن تلتزم بالقانون الدَّوْليّ ومقررات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت طائلة اتخاذ إجراءات بحقها. ولهذا، فإنّ أي سنّ لقاعدة قانونية تجرِّم  وكالة الأونروا بجريمة الإرهاب، لا يمكن أن تقرّ من قبل كنيست إسرائيلي، يحاول أن يتهرب من قوانين دولية تحمي وكالات أممية؛ وعمومًا فما من أحدٍ سمع عن أن وكالة الأونروا إرهابية إلاّ أدان ذلك واستنكر. ولذلك، فإننا نرى بأن الأونروا تمثل للفلسطينيين تحريرهم من العبودية وفك قيودهم وتحقق حلم لاجئيهم بالعودة إلى وطنهم.

وختامًا، فإننا ندين ونستنكر بأشد العبارات وصف الأونروا بالإرهاب، وندعو المجتمع الدَّوْليّ إلى دعم هذه الوكالة الأممية ورفع الصوت عاليًا ضد استهدافها؛ كما ندعو جميع الدول الحرّة في العالم، لاسيما الدول العربية والإسلامية، لتقديم دعمها المطلق لوكالة «الأونروا» لكي تتمكن من الاستمرار في القيام بدورها في تقديم الخدمات الأساسية والضرورية للاجئين الفلسطينيين، كونها الجهاز الوحيد القادر على القيام بهذه المهمة الإنسانية لتحسين أوضاع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 وفي النهاية، متى سيقوم المجتمع الدَّوْليّ بتحمل مسؤولياته بتطبيق القانون الدَّوْليّ وبوقف استخدام المجاعة في غزة كوسيلة حرب، وكذلك متى سيوقف الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في غزة، ويوفّر الحماية الدولية لوكالة الأونروا؟ لا بل حتى البرلمانات الدولية والإقليمية مقصّرة، ومُطالبَة أيضًا بتحركات أكثر فاعلية وجدية لإلزام الاحتلال بالتوقف الفوري والدائم لهذه الانتهاكات المستمرة والمتواصلة لقواعد القانون الدَّوْليّ والقانون الدَّوْليّ الإنساني، وبالأخص بحق وكالة الأونروا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.