هوامش – بقلم ميرفت سيوفي- أرذل عمر الحكّام

63

التخلّي عن الحكم بسبب العمر قد نشاهده في أميركا، ولكن لن نشاهده أبداً في العالم العربي، ولد جو بايدن في العام 1942 الفارق العمري بينه وبين خصمه ثلاث سنوات فقط فقد ولد دونالد ترامب عام 1946، في العالم العربي كثيرٌ من الحكام بلغوا أرذل العمر ولا يزالون يتمسكون بكراسيهم حتى لو كانت متحرّكة!

{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج 5]، في العالم العربي يُصرّ الحكّام على أن يكونوا مجرد صورة ويمسّكون بـ «أرذل العمر» يبلغ الحاكم في العالم العربي الثامنة والثمانون عاماً ولا يجرؤ أحد على القول له «حان وقت الراحة»، أمّا في لبنان فقد يترشّح أحدهم للرئاسة وهو في الثامنة والثمانين وقد يجد من يكتب الأهازيج والأزجال على اسمه!

قد يُصبح دونالد ترامب بعد ثلاث سنوات فقط من عمره كحال جو بايدن يقع وهو يسير ويتعثّر على سلّم الطّائرة ويصافح الهواء ويتحدّث إلى الموتى ويختلط عليه الأمر بين زوجته وامرأة أخرى يُصرّ على اللحاق بها، ويُصرّ البعض على أنّه روبوت وليس كائناً بشريّاً، هل يملك الحكام العرب الذين تخطّوا الثامنة والثمانين وهم تجاوزوا جو بايدن بأكثر من ست سنوات في العمر من الخجل ما يجعلهم يخرجون على شعوبهم بتعليق ألكتروني يعلنون فيه تنحيهم عن الحكم… أشكّ كثيراً في ذلك!!

سُئل الإمام عليّ، في قوله تعالى {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} قال: «خمسٌ وسبعون سنة»، وكتب الدكتور غانم السعيد عن «مرحلة «أرذل العمر».. حديث وأشجان!» فوصفها بأنّها «أرذل العمر» تعني: أردأ أحوال الإنسان في هذه المرحلة العمرية من ناحية الضعف البدني، والعقلي، وشدة العوز للآخرين لقضاء الاحتياجات العامة والخاصة، في وقت يَعَزُّ عليه فيه أن يجد من يرعاه، أو يعطي له اهتماماً، أو يلقى له بالاً، لأن أولاده -في الغالب- إما قد ماتوا، ومن بقي منهم حياً، فهو -أيضاً- قد بلغ به الكبر مبلغه، وأصبح هو الآخر في حاجة ماسة إلى من يرعاه ويقوم على شأنه، وغالباً ما يكون الأحفاد قد شغلتهم حياتهم، وألهتهم مسؤولياتهم إلا من رحم ربي.

ومن أبلغ ما قرأت مما أورده السعيد في قراءته المعمّقة قوله «وقد يكون بلوغ الإنسان مرحلة أرذل العمر ابتلاء يبتليه الله به ليكفر عنه ذنوبه ومعاصيه حتى يلقى الله بصفحة بيضاء خالية من الذنوب والآثام، وقد تكون انتقاما ينتقم الله به من الظالمين، فقد جاء في البخاري؛ أن أسامة بن قتادة، وكان من أهل الكوفة وقت إمارة سعد بن ابي وقاص عليها من قِبَل عمر بن الخطاب، قد اتهم سيدنا سعداً بأنه لا يسير بالسرية، (أي: لا يجاهد في سبيل الله)، ولا يقسم بالسوية (في الغنائم والزكاة)، ولا يعدل في القضية، فقال سعد: وأنا والله لأدعُوَنَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضه للفتن، واستجاب الله لسعد في كل ما دعا به، فكان الرجل إذا سئل بعد ذلك يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد! قال عبدالملك: فأنا رأيته بعد، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن! ومما استجاب الله به لسعد طول عمر الرجل حتى بلغ أرذله، وانتكس جسده، حتى سقط حاجباه على عينيه من شدة الكِبَر، كما خرَّف إلى درجة أنه كان يتعرض للجواري (أي: يتحرش بالفتيات الصغيرات)، وهو في هذه السن الكبيرة، فكان إذا سئل عن ذلك ممن يزدرون فعله، كان يعترف بظلمه لسيدنا سعد قائلاً: «شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد!»، عسى أن تكون دعوة عمر بن سعد عبرة لمن يعتبر من حكّامنا الذين بلغوا من العمر أرذله ومن الحكم أثقله، لطالما سمعنا أجدادنا وكبارنا يدعون الله قائلين: «الله لا يكبّرنا كَبَر يهيننا».

ميرڤت سيوفي

m _ syoufi@hotmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.