هنالك أمرين غائبين عن أبحاث الودائع

84

بقلم مروان اسكندر

جريدة “الجمهورية” نهار السبت بتاريخ 2024/7/13 تضمنت تعليق حول أوضاع ودائع اللبنانيين وبينهما تعليق لسياسي ورجل أعمال أحترمه هو السيد فادي عبود، فهو عنون تعليقه بعنوان “نسي المركزي ان واجبه مراقبة المصارف” والواقع بالنسبة للودائع والتسليفات وتحمّل المخاطر المصرفية ان الهيئة المكلفة بذلك هي لجنة الرقابة على المصارف التي تحظى باستقلالية قانونية وواجب مراجعة ميزانيات البنوك وسلامة توظيفاتها، والأمر الغريب ان هذا التعريف لم يحظى بالانتباه اللازم فلم نقرأ أي تصريح من لجنة الرقابة على موضوع ميزانيات البنوك ومخاطرها وهذا دورها.

ثانياً: التعليقات من أصحاب المصارف ومن صف يدعون بالمصارف الاقتصادية والمالية لم يصدروا سوى دراسة من فريق كان يعمل على الموضوع في مؤسسة عصام فارس وشمل، فريق البحاثة اقتصاديين مرموقين لكنهم لم يبحثوا الموضوع بعمق، وتوصياتهم بسيطة ولا تحتاج لفريق كان يحتوي كبير خبراء بنك عوده ونائب سابق لحاكم مصرف لبنان وسيدة ناشئة في المجال العام وذات ذكاء ملحوظ، وجميع هؤلاء اخفقوا في تقديم برنامج للمعالجة.

السؤال يصح: ماذا فعلت الحكومة التي ورثت عن انهيار سعر صرف الليرة حينما تمنع لبنان في الحكومة السابقة لآخر حكومات نجيب ميقاتي عن تسديد مستحقات الفائدة على قرض اليورو بوند الذي كان يبلغ حين إصداره 32 مليار دولار، وقد سدد من رأس ماله على مدى سنوات ما يقرب من 26 مليار دولار، وتباحث بعض المسؤولين مع خبير مالي وفد من الولايات المتحدة واقترح برنامجاً لإعادة جدولة دين اليورو بوند من دون ان يلقى سوى كلمات تشجيع عامة وإهمال لتوصياته المفيدة، والتي كانت لو تحققت بإعادة جدولة الدين لتسببت في استباب استقرار سعر صرف الليرة وعدم انحداره السريع.

المعلقون ومنهم مهنيين أي عاملين في مجالات تحويلات النقود من وإلى لبنان لم يبحثوا في أي وقت عن مغزى كون ودائع البنوك بنهاية عام 2020 تواجدت في فروع وبنوك لبنانية تأسست في الخارج، وأي مراجعة لإحصاءات الودائع تبيّـن ان نسبة الودائع لدى البنوك اللبنانية ذات الفروع في الخارج كانت تمثل 48%  من مجمل الودائع.

عجيبة العجائب أن أياً من المحللين والمعلقين وأصحاب الألقاب المهنية لم يولي هذه القضية أهميتها، فهل يا ترى هنالك بنك لبناني أفلس في الخارج؟ بالتأكيد كلا، فهنالك بنوك لبنانية سوقت فروعها في الخارج الى حد بعيد، من هذه بنك عوده، وبنك لبنان والمهجر، وهذين البنكين تصدرا أحجام الميزانيات لسنوات، ولم تعد تعرف هل أن أوضاع الحسابات المترصدة لهذه البنوك متوافرة لأصحابها؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن تحديد الخسائر وفي حال توافر الودائع في الخارج لأصحابها، وقياساً على أحجامها للزبائن يمكن تقدير العجز الفعلي للقطاع المصرفي.

إنّ من المطلوب بسرعة، المباشرة في بحث إمكانية جدولة دين اليورو بوند والاقسام غير الموزعة على فوائد السندات سابقاً يمكن اعتبار انها تسددت ولا تشكل أعباء على ميزانيات البنوك.

لا يجوز إهمال تكليف لجنة الرقابة إصدار دراسة موسعة مع اقتراحات مفيدة، والحقيقة ان تأخر اللجنة عن اتخاذ هكذا مبادرة يدعو للتساؤل، وسؤال مصرف لبنان الذي كان عرضة للتشكيك في قيادته حتى ثبت للمدعين على رياض سلامة ممن حجزوا أموالاً له وموجودات انه بريء من التهم التي ألقيت عليه جزافاً من قبل إحدى المناطق في ألمانيا، وقد صدر حكم تكليف الهيئة المدعية تحمّل نفقات المداعاة والافراج عن أموال وموجودات الحاكم سابقاً لأنه لم يرتكب مخالفات.

نعود اليوم الى التوجهات غير المدروسة حول تصرّف مصرف لبنان، ونذكر المدعين الحاليين بأن مصرف لبنان بحكامه وأعضاء المجلس المركزي غير مسؤول عن ميزانيات المصارف، وبالتأكيد الحاكم الجديد بالوكالة، والذي هو محام بارع، يعرف ان لا مسؤولية عليه بإيجاد الحلول، علماً بأنّ عليه مسؤولية معنوية بتسهيل اي معاملات للبنك المركزي له يد فيه لكن تقيم المخاطر على اكتتاب لجنة الرقابة، وربما مستقبلاً تصدر تشريعات تلقي بالمسؤولية على مراجعة الحسابات المصرفية، ولن تكون هكذا خطوات ايجابية ولن تساهم في استقطاب ودائع مهمة ما لم تقرر دول عربية أو هيئات دولية الاسهام في إنفاذ استقلالية المصارف وتعزيز مسؤولياتها البشرية والمحاسبية والقانونية.

لا شك ان أزمة المصارف كما هي معروضة بحثية وإن كانت تتجاوز البحث في موضوع ودائع المصارف اللبنانية في الخارج، ومن المعلوم ان العائلات اللبنانية المتواجدة في الخارج هي على وجه العموم عائلات ميسورة ومنضوية تحت القوانين المرعية.

ربما مفيد تذكير اللبنانيين بأن ثاني أكبر مصرف في سويسرا “Credit Suisse” حسن في ممارساته الاستثمارية لحسابات زبائنه 52 مليار دولار ومنهم لبنانيين وعرب، وذلك في فرع لندن، ومعالجة هذه الازمة التي طاولت لبنانيين ومودعين عرب تعتبر بعد أزمات Lebanon في نيويورك ولندن من أكبر الازمات المصرفية، وقد وفت الخزينة السويسرية 52 مليار لتعويض المودعين وساهمت الدولة السويسرية بتأمين 10 مليارات من أجل إنجاح عملية دمج الـ”Credit Suisse” بـ”Union de Banque Suisse” وبالتالي يبدو ان هنالك مشكلات مصرفية في البلدان التي كانت تعتبر آمنة على صعيد حقوق المودعين، وأصبح من المعروف ان التعامل مع البنوك السويسرية يفترض التحقق من شروط إدارة اموال المودعين سواء كانوا لبنانيين، عرب، فرنسيين، أميركيين، إيطاليين إلخ… العالم المالي يتغيّر وليس معروفاً الى أي حد ستستمر العملات الدولية في اجتذاب الودائع الاجنبية.

مروان اسكندر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.