هل يقود برّي رحلة العودة إلى الجذور؟
بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
يوم كان السيد حسن نصرالله مقاتلاً في حركة المحرومين أمل، كانت الحركة لبنانية ذات بعد داخلي محض. في الأساس، لم يكن للطائفة الشيعية بعد عربي أو إقليمي، ولذلك عانت الطائفة من تهميش في فترة من تاريخ لبنان، ووضعت بالوسط بين الاحتلال الإسرائيلي وإهمال الدولة لها. فكانت “أمل” بما قدّمه لها الإمام موسى الصدر من قاعدة مبدئية وشعبية تتغنّى ببعدها اللبناني ولا تزال حتى يومنا هذا.
بدأ خلاف نصرالله مع أمل بعد الثورة الخمينية في إيران، فانفصل مع مجموعة وشكّلوا حزباً جديداً، هو الحزب، وإنّما كان ببعد إيراني في العقيدة والسياسة معاً. كبر الحزب وكبرت معه الطائفة بما قدّم لها من مال وسلاح حتى بات الحزب أكبر من بلده.
ولأنّه “ما حدا أكبر من بلده”، كما كان يقول الرئيس الراحل رفيق الحريري، سقط الحزب بالمحظور الداخلي، وكبر الشرخ بينه وبين الشرائح الأخرى انطلاقاً من العقيدة إلى كلّ تفصيل.
تقول اليوم مصادر دبلوماسية إنّ الحزب يقود آخر حروبه بأبعاد إقليمية، وما هدف الحرب عليه اليوم أقلّ من تجريده من قدرته على النهوض من حجم خسائره.
هل يلتمس برّي الفرصة ويعيد الطائفة إلى لبنانيّتها تماماً كما كانت قبل الثورة الإسلامية؟ أم يستغلّ الفرصة ليلعب هذه الورقة في سوق عواصم القرار محاولاً فرض معادلة داخلية تراعي مصالحه الداخلية على حساب المصلحة العامة؟
العودة إلى بكركي
بعد مقاطعة طويلة وتقادف عالي السقف، عاد زعماء الطائفة الشيعية إلى الصرح البطريركي بعد يومين من العمل على بيان ختامي لا موقف حاسماً فيه بل تعابير تراعي التناقضات المعروفة. غير أنّ الحضور شكّل بحدّ ذاته في الشكل نقطة انطلاق لإعادة الجلوس إلى “طاولة” لها تاريخها التأسيسي للبنان الكبير بكلّ من فيه. وهذا الأمر تعتبره مصادر سياسية نزولاً عن الشجرة بمعناه السياسي.
ماذا يريد الحزب؟
سبق أن وافق الحزب على هدنة الـ21 يوماً لإجراء التفاوض بعدها على تطبيق 1701 تماماً كما حدث بعد حرب تموز. في المعلومات أنّ ما يقوله رئيس مجلس النواب نبيه بري عن إسقاط الـ1559 والبناء على الـ1701 ليس سوى مسار يريد الحزب أن يتّجه نحوه لوقف إطلاق النار، وهذا ما عبّر عنه الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير.
إلا أنّ ما كان معروضاً بالأمس على لبنان، لم يعد معروضاً عليه اليوم. وبينما يكثّف الحزب إطلالاته الإعلامية لتوجيه رسائل استعداده لتطبيق الـ1701 تستكمل إسرائيل حربها غير آبهة بعروض الأمس، بل عينها على ضمانات تحقّقها بنفسها على الأرض بعدما فقدت “الثقة” بأنّ أيّ قرار دولي يمكن أن يمنع الحزب من تطوير نفسه عسكرياً وأمنيّاً.
ماذا تريد إسرائيل؟
كتب اللواء المتقاعد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً غيورا آيلند في “يديعوت أحرونوت” مقالاً بعنوان “على إسرائيل إعلان استعدادها لوقف الحرب بشرط تبنّي قرار الـ1559 الداعي إلى تجريد الحزب من السلاح”. وهذا في الواقع مخطّط نتنياهو الذي دخل حرباً طويلة لنزع أيّ تهديد لأمن إسرائيل أوّلاً، ولمنع أيّ إمكانية لقيام الحزب باستعادة رباطة جأشه مع مرور السنوات.
وفق هذا المخطّط، وضع نتنياهو مجموعة ضوابط لن يوقف حربه من دونها:
– الانسحاب إلى شمال الليطاني.
– تفجير كلّ الأنفاق التي تؤدّي إلى الجليل الأعلى.
– تفجير كلّ مخازن أسلحة الحزب.
– ضمان رقابة دولية على الموانئ والحدود البرّية لعدم إدخال السلاح.
– فرض منطقة عازلة بقوّة النار على الحدود الجنوبية في الأراضي اللبنانية.
برّي وميقاتي وجنبلاط
هذا المخطّط الإسرائيلي الذي لن يتوقّف، فهمه جيّداً الرئيسان برّي وميقاتي ومعهما وليد جنبلاط، وعليه يقومون بتحرّكاتهم ومبادراتهم السياسية. كذلك قال رئيس الحكومة إنّنا جاهزون لتطبيق الـ1701، لكن لا قرار 1701 بعد اليوم.
تقول اليوم مصادر دبلوماسية إنّ الحزب يقود آخر حروبه بأبعاد إقليمية
أعلن ميقاتي أنّ خارطة الطريق بحاجة إلى انتخاب رئيس الجمهورية وتطبيق القرارات الدولية، وفي المقابل ناقش الرئيس برّي طرحه مع رئيس مجلس الشورى الإيراني قاليباف فغيّر رأيه وأصبح داعماً لعدم وقف النار قبل الرئاسة.
قالت مصادر دبلوماسية التقت به أخيراً لـ”أساس” إنّه في مأزق، لكنّه في المقابل يحاول جمع الشيعة تحت جناحيه واستخدام ذلك في سوق التفاوض في ملعب المشهد السياسي المقبل. وهذا سيكون صعباً عليه لأنّه لا مكان للمساومة في محطّة في واحدة من أكثر المحطات مفصليّة في البلاد، ولا مكان للتلاعب بطائفة وبلد من أجل زاروب في الاستحقاق الرئاسي. فهل يقود برّي الطائفة أخيراً إلى ضمانة الدولة أو يتركها من أجل مصلحة عهد مقبل؟
جوزفين ديب