هل يصمد لبنان اقتصادياً إذا تأخر وقف إطلاق النار؟

مآل الاقتصاد اللبناني بين الأزمة المالية وأعباء المواجهات

22

في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبدء الحرب الإسرائيلية على غزّة، دخل لبنان فعليًّا في الحرب هناك، عبر فتح جبهة الجنوب اللبناني باعتبارها جبهة مواجهة وإسناد كما أعلن حزب الله، وبذلك انخرط لبنان في أزمات الإقليم وحروبها. ومع استمرار الحرب في غزة استعرت المواجهات عبر الحدود جنوبًا مع إسرائيل لتزيد من مشاكل لبنان السياسية والأمنية والاقتصادية. وقد أحدث ذلك مزيدًا من الانقسام الداخلي ما بين مؤيد لفتح جبهة الجنوب ومعارض لها تحت عنوان أن هذه الحرب أكبر من قدرة لبنان على تحمل تبعاتها السياسية والمالية والاقتصادية، خاصة في ظل انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق يشهده لبنان منذ عام 2019. أضف إلى ذلك الانقسام السياسي وعدم القدرة على تنفيذ استحقاقات سياسية كبيرة، في مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة تعيد الانتظام العام في جميع الإدارات والمؤسسات العامة؛ إذ لا تزال حكومة تصريف أعمال تدير شؤون البلاد منذ الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2022، وتاليًا تنفيذ إصلاحات تشريعية واقتصادية ومالية ضرورية للتعافي الاقتصادي كإعادة هيكلة المصارف وغيرها من القضايا الملحَّة، لإخراج اللبنانيين من دوامة التدهور المستمر في أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والمالية.

ورغم أن البلاد تشهد حركة دبلوماسية واتصالات مكثفة، فضلًا عن توافد شخصيات دبلوماسية إقليمية ودولية، لتجنب توسع رقعة الحرب وحصرها ضمن حدود معينة في الجنوب اللبناني وحتى محاولة إيقافها، إلا أن حزب الله يعلق وقف إطلاق النار جنوب لبنان، بنهاية الحرب في غزة.

هذه الأحداث المستجدة في الجنوب اللبناني والواقع المتغير في المنطقة، تشكل ضغطًا جديدًا على الاقتصاد اللبناني وماليته العامة، وتطرح أسئلة مركزية حول مآل الوضع الاقتصادي اللبناني خاصة في ظل العجز السياسي الداخلي والانقسام الوطني.

تبحث هذه الورقة مآل الاقتصاد اللبناني في ظل الانهيار المالي والمواجهات العسكرية مع إسرائيل جنوبًا، وتعيد تقييم الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية في ظل استمرار أزمات لبنان السياسية، والتي أضيفت إليها أعباء وكلفة الحرب المستمرة عبر الحدود جنوبًا وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني وماليته، وتطرح السيناريوهات والمسار الذي قد تسلكه الأزمة الاقتصادية والمالية.

 

واقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية

يشهد لبنان منذ أواخر العام 2019 أزمة اقتصادية صنفت ضمن أسوأ 3 أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر(1)، انعكس ذلك على المستوى المعيشي للشعب اللبناني الذي يعيش في ضائقة مالية وتردٍّ اجتماعي كبير؛ فقد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي من حوالي 1500 ليرة (1507.5) لكل دولار ما قبل الأزمة إلى حدود 89 ألف ليرة حاليًّا، وبالتالي فقدت القدرة الشرائية لليرة اللبنانية حوالي 98% من قيمتها، وانخفضت قيمة رواتب الموظفين مما أثَّر على التوازن الاجتماعي؛ إذ تقلصت نسبة الطبقة الوسطى من 70% إلى نحو 30-40%(2). وقد ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك من 115.54% مع نهاية عام 2019 ليصل إلى رقم قياسي 5978.13% في نهاية العام 2023(3)، في دلالة واضحة على الارتفاع الكبير جدًّا في أسعار السلع الأساسية من مأكل وملبس وسكن واتصالات وتعلم وطبابة وغيرها. وأدى ذلك إلى ازدياد معدل التضخم المالي من 2.9% في العام 2019، إلى 154.8% عام 2021، ودخل لبنان بذلك نادي التضخم للأرقام الثلاثية، ثم وصل إلى 231.1% في العام 2023(4)؛ ما أضعف من قدرة المواطنين على تأمين مقومات حياتهم اليومية وأرهق الفئات الاجتماعية الأكثر فقرًا.

ولكن رغم كل هذه المؤشرات السلبية، كان من المتوقع أن يشهد الاقتصاد اللبناني مع نهاية العام 2023 تحسنًا طفيفًا، وتوقفًا للأزمة عند القاع الذي وصلت إليه واستقرت عنده، ونموًّا في ناتجه المحلي بنسبة 0.2%، بانتظار خطط التعافي والإنعاش الاقتصادي والمالي، لاسيما أن قطاعات عدة أظهرت تحسنًا نسبيًّا، أهمها:

– تدفق كبير للتحويلات المالية من الخارج: تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن حجم التحويلات من الخارج وصلت إلى 6.4 مليارات دولار وهي تشكل 27.5% من الناتج المحلي(7). هذه التحويلات هي المسجلة بشكل رسمي فحسب، ولكن هناك أيضًا تحويلات أخرى يحصل عليها بعض الأحزاب والقوى السياسية، فتسهم في ضخ المزيد من الدولارات في النشاط الاقتصادي وفي شبكات الأمان الاجتماعي.

– دولرة جزء من الرواتب (أي دفعها بالدولار) وزيادة المساعدات الاجتماعية لموظفي القطاع العام: ضاعفت الدولة اللبنانية رواتب معظم موظفيها تحت اسم المنافع الاجتماعية حوالي 7 أضعاف، ودفعتها بالدولار الأميركي أو وفق سعر صرف قريب من السعر في السوق الموازي. وكذلك قام العديد من مؤسسات وشركات القطاع الخاص بدولرة جزء من رواتب العاملين لديها؛ مما حسَّن من القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من الشعب اللبناني.

هذا المسار الاقتصادي، رغم تحسنه الطفيف واستقراره النسبي والهش، أخذ يتراجع مجددًا بعد المواجهات العسكرية في الساحة الجنوبية، لاسيما أن الاختلالات البنيوية في النظام الاقتصادي وهشاشة المالية العامة، لا تزال قائمة وتدفع بالاقتصاد اللبناني إلى التأزم. وهو الأمر الذي دفع البنك الدولي إلى الإعلان أن اقتصاد لبنان الهش أخذ يعود إلى الركود من جديد، وأن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي سينكمش بنسبة 0.6% إلى 0.9%. هذه التحذيرات والمؤشرات أعلنها البنك الدولي في أحدث تقرير صادر له عن لبنان بعنوان: “في قبضة أزمة جديدة”، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023(8)، أي بعد اشتعال جبهة الجنوب بحوالي شهرين ونصف وبعد الأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاقتصادية والمالية للحرب.

هذا يعني ان لبنان منهك اقتصاديا… لذا يتوجب على المسؤولين فيه وبمؤازرة المجتمع الدولي العمل على إنهاء الحرب فورا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.