هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

31

بقلم حسن فحص

«أساس ميديا»

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب من جهة، والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو من جهة أخرى.

من حقّ أيّ شخص أيضاً أن لا يذهب وراء هذا “التفاؤل – الوهم”، على الأقلّ في المدى المنظور، في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.

 لا تشي المعطيات السياسية والميدانية بإمكانية أن يقبل بالحلّ أيّ طرف في هذه الحرب أو الأزمة، سواء على المستوى المباشر بين الحزب وإسرائيل، أو على المستوى الإقليمي والدولي، وما يتعلّق بالمعادلات الأميركية – الغربية أو ما يرتبط بالمعطيات الإيرانية، باعتبار أنّ إيران هي الجهة المعنيّة أكثر من غيرها في الإقليم بما سيحصل من متغيّرات. فإمّا أن تكون لمصلحتها بالحدّ الأدنى، أو على حسابها وحساب مصالحها ومشروعها ودورها وموقعها في المعادلات المستقبلية في اليوم التالي لهذه الحرب.

وذلك بناءً على التطوّرات التي حصلت في الأسابيع الأخيرة، وأبرزها زيارة كبير مستشاري المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي لاريجاني لبيروت، وما أسهمت به من تسريع زيارة المبعوث الأميركي لأنّها تجعل من الصعب فصل التداخل الكبير بين السياسة والدبلوماسية من جهة، والميدان العسكري من جهة أخرى، خاصة أنّه تزامن أو ترافق مع تطوّر نوعي تمثّل باستهداف قلب تل أبيب مباشرة لأوّل مرّة. وهي العملية التي استنفرت حراكاً أوروبياً واضحاً في مواجهة طهران جاءت ترجمته في مسوّدة مشروع القرار الذي تقدّمت به الترويكا الأوروبية المعنيّة بالاتفاق النووي مع إيران الموقّع عام 2015، إلى مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرّية الذي اتّهم إيران بعدم الالتزام بالاتّفاق والعمل على تطوير قدراتها العسكرية النووية.

أسباب التّصعيد الأوروبيّ

لعبة الفرصة الأخيرة التي حاول إرساء قواعدها المبعوث الأميركي هوكستين ومحاولة الضغط التي مارسها لتمرير مسوّدة الاتّفاق الذي صاغه بشكل ثنائي مع إدارة نتنياهو في تل أبيب، اصطدمت بجدار تمسّك نتنياهو بشروطه التي تضمن له نصراً سياسياً لا يتوافق ولا يتطابق مع المعطيات الميدانية، علاوة على تمسّك الفريق اللبناني المفاوض المدعوم في موقفه من القيادة الإيرانية بشروطه، مع ما يعنيه ذلك من فشل الإدارة الديمقراطية في تحقيق خرق يسمح أو يعطي الرئيس الأميركي جو بايدن إنجازاً يمكن أن يحمله مع حقائبه عند خروجه من البيت الأبيض.

على الرغم من أنّ الذريعة الأوروبية لرفع مستوى التصعيد في علاقتها مع النظام الإيراني لم تأخذ في عين الاعتبار ما حقّقته زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرّية رافايل غروسي الأخيرة لطهران ولا حجم الإيجابية التي أبداها الجانب الإيراني في التعامل مع مطالب وأسئلة هذه الوكالة، يعود المحرّك الأساس لهذا التصعيد إلى اتّهام هذه الدول لطهران بلعب دور سلبي في الحرب الأوكرانية إلى جانب روسيا، خاصة أنّ الترحيب الأميركي بمسوّدة القرار الذي أقرّته الوكالة يوم الجمعة شكّل فرصة أمام واشنطن لإعادة توظيف مجلس الأمن لمحاصرة طهران وإعادة فرض العقوبات الدولية عليها.

على الرغم من عدم ذهاب الترويكا الأوروبية ومجلس حكّام الوكالة الدولية إلى أقصى مستويات التصعيد، دعت الوكالة ومجلس حكّامها إلى إحالة الملفّ الإيراني على مجلس الأمن الدولي مقدّمةً لإعادة تفعيل آليّة الزناد (SNAP BACK) التي تضمن لواشنطن إعادة تفعيل العقوبات ضدّ إيران بأيدٍ أوروبية، بعدما فقدت صلاحية ممارسة هذا الحقّ بعد انسحاب الرئيس السابق الجديد دونالد ترامب من الاتّفاق عام 2018.

غموض نتائج جولة هوكستين

هذا التصعيد الأميركي والأوروبي، وإن كان متزامناً مع غموض حول نتائج مهمّة المبعوث الأميركي بين لبنان وإسرائيل، يحمل مؤشّرات سلبية إلى ما سيكون عليه التعامل الأميركي مع الأزمات الدولية من أوكرانيا وصولاً إلى الشرق الأوسط، وأنّ الإدارة الديمقراطية قد تذهب أمام خسارتها للانتخابات إلى خيار فتح التصعيد على مصراعيه على مختلف الجبهات.

ربّما الزيارة التي قام بها الأمين العامّ لحلف الناتو للرئيس الأميركي المنتخب والتي سيطر عليها الهاجس الأوروبي من نوايا ترامب العمل على إنهاء ملفّ الحرب في أوكرانيا، وخفض الدعم للناتو الذي يؤثّر على قوّة الردع الغربية، تحمل على الاعتقاد بأنّ الإدارة الديمقراطية هي التي أعطت الضوء الأخضر للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باستخدام الصواريخ الأميركية البعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي، وأنّ هذه الخطوة قد تترافق مع ضوء أخضر متجدّد لرئيس الوزراء الإسرائيلي لتصعيد مستويات الحرب ضدّ لبنان، بحيث يُدفع الحليف الإيراني للحزب إلى التخلّي عن حالة الحذر التي يتعامل بها مع التحدّي الذي يمارسه الإسرائيلي، وأن يذهب إلى حسم موقفه من الردّ على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت عمقه السيادي والأمنيّ والعسكري، الأمر الذي يفتح المنطقة على مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب.

إدارة بايدن تريد استمرار الحروب؟

إذا ما كانت الإدارة الأميركية الديمقراطية ستحاول الوقوف خلف أيّ توسيع إسرائيلي للحرب باتجاه إيران، لكنّها ستحاول أن تضغط باتّجاه عدم انفجارها بشكل واسع وأن لا تكون مجبرة على الانخراط بها، ثمّ التخفيف من أيّ تداعيات قد تدفع آخرين للدخول فيها وتحوّلها إلى أزمة دولية كبيرة.

إلّا أنّ هذه الإدارة لن تتردّد في تفجير حقول الألغام أمام الرئيس الجمهوري الجديد الذي سبق أن أعلن في حملته الانتخابية أنّه سيعمل على إنهاء الحربين في أوكرانيا والشرق الأوسط، وأنّه أبلغ نتنياهو ضرورة إنهاء هذه المعركة قبل دخوله البيت الأبيض، وبالتالي سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدّي التعامل مع تصعيد كبير مختلف عمّا كان سائداً أو موجوداً عندما أعلن وعوده ومواقفه، الأمر الذي سيفرض عليه التخلّي عن استراتيجيّته في التعامل مع هذه الملفّات والذهاب إلى خيارات أكثر تشدّداً وانسجاماً مع ما سبق أن عمل الديمقراطيون على تكريسه خلال ولاية بايدن. في ظلّ غياب أيّ رؤية لدى الأطراف لآليّات الحلّ، خاصة ما يتعلّق بحجم ونوعية التنازلات المطلوبة من كلّ طرف من أجل الوصول إلى نقطة التوازن التي تفتح الطريق لإنهاء الحروب ووقف إطلاق النار.

أمام هذه المعطيات، ألا يحقّ للمرء ألّا يتفاءل؟!

حسن فحص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.