هل هناك يوم تالٍ؟؟

44

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

حينما يتحدّثون عن اليوم التالي بعد وقف إطلاق النار تنتابني الخشية من ألّا يأتي هذا اليوم أبداً.

لماذا هذه الخشية؟

بعد ارتفاع منسوب شعبية كلّ من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتصعيد يحيى السنوار على أعلى قمّة حماس فإنّ المعادلة بناء على هذا التطوّر لا تبشّر بتسوية!

لماذا أيضاً؟

لأنّ السلطة الفلسطينية في رام الله غير مسيطرة على الأوضاع في غزة، ولأنّ حكومة التكنوقراط التي شُكّلت أخيراً ليست مقنعة للعالم ولا للرأي العامّ العالمي!

لماذا أيضاً وأيضاً؟

لأنّ الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان مُنع من ممارسة أفكاره الإصلاحية في الداخل واعتداله في الخارج بمشروع جهنّمي مصاحب لاغتيال إسماعيل هنية بعد ساعات قليلة من تنصيبه فأصبح تشدّده واجباً!

لماذا أيضاً؟

لأنّ نتنياهو وفريقه المتشدّد في الائتلاف الحاكم لم يعد يرى أنّ التشدّد والعنف ومخالفة كلّ شيء وأيّ شيء هي حالة مؤقّتة. لقد اكتشفوا أنّ العالم يستطيع أن يشاهد ويبتلع كلّ مجازر ومخالفات إسرائيل، فلذلك لماذا لا يتمّ تحويل تكتيك التشدّد إلى استراتيجية دائمة يُنسى فيها أيّ مشروع للتسوية ويُلقى بمبدأ حلّ الدولتين في البحر؟!

أحجار نتنياهو

يقول مصدر عربي متّصل بملفّ محاولات الإنقاذ الدبلوماسي للمجازر الدموية في غزة: “كلّما حاولنا تقريب المسافات نصطدم بإصرار نتنياهو على قتل الحلول في أيّ تسوية، ونصطدم أيضاً بعدم مرونة قيادة القسّام في البحث عن بدائل، ونفاجأ بالضعف الشديد لواشنطن إزاء تل أبيب!”.

تطرح المصادر العربية القريبة من ملفّ المفاوضات 4 أسئلة جوهرية:

1- هل اغتيالات الضيف وشكر وهنيّة تجعل شعور نتنياهو بفائض القوّة أكثر ميولاً لتسوية أم للاستمرار في خطّ التشدّد؟

2- هل الاغتيالات تجعل إيران تدفع حماس والحزب إلى التهدئة والقبول بتسوية؟

3- هل حالة وجود رئيس أميركي يحكم رسمياً لكن لا يحكم فعليّاً حتى الخامس من تشرين الثاني المقبل أكثر ضعفاً أم أكثر قوّة مع سلوك نتنياهو؟

4- هل اليوم التالي لوقف إطلاق النار هو شيء قابل للحدوث في ظلّ رفض نتنياهو لمبدأي الإيقاف النهائي لإطلاق النار، والانسحاب الكامل من غزة؟

نتنياهو الرافض لكلّ شيء

حتى الآن يرفض نتنياهو الإيقاف النهائي والانسحاب الكامل، بل يريد تغيير قواعد اللعبة بحيث تصبح غزة:

أ- بلا سلاح أو تهديد.

ب- بلا حماس وبلا سلطة رام الله.

ج- بلا سيادة أمنيّة فلسطينية.

في ظلّ ذلك تأتي أفكار نتنياهو عن المناطق الأمنيّة العازلة والسيطرة على المعابر والتحكّم في كلّ مصادر الحياة اللازمة لـ 2.4 مليون نسمة يعيشون في 360 كلم2.

لا حلّ دولتين، ولا حتى دولة واحدة.

وفق مفهوم نتنياهو واليمين الديني المتطرّف يوجد احتمالان أحلاهما مرّ:

1- منطقة منزوعة السلاح والسيادة، وبداخلها مقاطعة أمنيّة عازلة، وكلّ خدماتها الحياتية من حدود وموانئ ومعابر وكهرباء ومياه وطاقة بيد إسرائيل. منطقة تديرها سلطة محلّية مدنية غير مسلّحة وغير مسيّسة تابعة لسيطرة إدارة تل أبيب. سكّان هذه المناطق في غزة والضفة هم قوى عمل رخيصة تعوّض ندرة اليد العاملة الإسرائيلية في الوظائف المتدنّية التي لا يقبل المواطن الإسرائيلي العمل فيها.

2- الاحتمال الثاني، وهو حلم الأحزاب الدينية التوراتية المتشدّدة، أن تكون الدولة اليهودية كاملة النقاء بلا أديان أو أعراق أخرى من البحر إلى النهر. لتحقيق هذا الحلم قام الجيش الإسرائيلي بضربات عسكرية مفزعة ضدّ المدنيين الفلسطينيين تؤدّي إلى إرغامهم على الهجرة النهائية بعد أن تستحيل الحياة على أرضهم.

بالمقابل لا تملك السلطة في رام الله إمكانية إقناع الشعب أوّلاً وقوى الإقليم ثانياً، والعالم ثالثاً، بأنّها قادرة على إدارة البلاد والعباد بكفاءة ونزاهة تطمئن كلّ الأطراف وتشجّعهم على ما بقي من مشروع الدولتين.

بالمقابل لا يوجد في الأفق حلّ سياسي مقبل لقيادة حماس العسكرية بعد 7 أكتوبر.

سوف تدفع قيادة حماس، وتحديداً قيادة القسام، ثمن نجاحات وسلبيات والفاتورة الباهظة لـ7 أكتوبر وآثارها على أهل غزة والمنطقة.

معادلة صفريّة

نحن أمام معادلة صفريّة مؤدّاها:

1- قيادة إسرائيلية بداخلها جنون فائض القوّة.

2- قيادة للسلطة الفلسطينية لا رصيد مقنع لها.

3- قيادة لحماس لا تستطيع تحقيق نصر عسكري ولا قبول من الخارج بحلّ نهائي لأنّها ببساطة لا تؤمن بمبدأ التسوية.

4- زعامة أميركية ذات سياسات مرتبكة يتمّ ابتزازها من تل أبيب.

5- وضع إقليمي مليء بصراعات مقلقة وحروب أهلية واعتصامات في اليمن والسودان ولبنان وسوريا والعراق وليبيا.

باختصار، ثلث العرب الذين في صراعات يؤثّرون بشكل سلبي على الثلثين الآخرين.

6- قوى إقليمية تغذّيها إيران وتركيا وإسرائيل تحقّق اختراقات مخيفة في الأمن القومي العربي.

لذلك كلّه يصعب تصوّر يوم أخير ينهي نزيف الصراعات ويحقّق الحدّ الأدنى من الاستقرار!

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.