هل هناك مَن سعى لقتل “الترامبيّة”؟

35

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

هل كانت محاولة لاغتيال “الترامبية”، التي راحت تتمدّد وتجد لها حلفاء من أوروبا إلى روسيا، مروراً بجماعات التطرّف في العالم؟ وهل قًتل احتمال معرفة دوافع القاتل بقتله، لتُدفن الحقيقة معه؟

لن تنجو محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، السبت، من رواج نظريات المؤامرة. ستتراكم الصدف وتصطفّ الحجج لتشكّك في رواية عن فتى عشرينيّ غاضب قد يكون مختلّاً. أطلق توماس ماثيو كروكس قبل فعلته في فيديو دفقاً من الكراهية ضدّ الجمهوريين ومرشّحهم. ثمّ راح لاحقاً يطلق رصاصة تلو أخرى من بندقية AR-15 المتداولة على نحو واسع بسبب تشريعات شجّع عليها ترامب. أخطأ القاتل هدفه عدّة مرّات، وانتهى بإصابة عرضية لأذن “فريسته” أدمت وجهه. كان الأمر كافياً لتكملة العرض والتقاط صور ميثولوجية تمجّد القائد الملهم تحت علم الأمّة، عائداً من الموت وعصيّاً عليه. ومع ذلك يصعب تصديق أن يكون في الأمر تدبير ومؤامرة.

في تاريخ الولايات المتحدة حكايات تقصّ جرائم من هذا النوع منذ اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن عام 1865 انتهاء بمحاولة الأمر مع ترامب. صحيح أنّ الحدث يثير الصخب والجدل ويسيل له حبر كثير، لكنّ الأمر من عاديّات الأمور في الولايات المتحدة وسياقات النخب السياسية. طالت محاولات الاغتيال الرؤساء روزفلت (فرانكلين وثيودور) وفورد وكارتر وريغان وكلينتون وبوش الابن وأوباما، وكأنّها من حتميّات مهنة ساكن البيت الأبيض ومن ضريبة سكنه. فحتّى اغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963 اندرج في إطار تلك الحتميّات. وتعايشت البلاد مع غموض الجريمة وغياب هويّة منفّذيها.

ترامب وموهبة صناعة الأعداء

يتمتّع ترامب بموهبة صناعة الأعداء. جعل الرجل من الاستفزاز والتهكّم والسخرية والتنمّر (حتى على ذوي الإعاقة) مدرسة في سحر العامّة وجذب أصواتهم. طال لسانه اللاذع نساء وأعراقاً وأقلّيات إثنية ودينية. حتى إنّ أوّل قراراته حين دخل البيت الأبيض منع مواطني بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة. وحريّ هنا استنتاج كمّ الكارهين لهذا الرجل.

يكرهه الديمقراطيون ولا يحبّه الجمهوريون كثيراً وإن كان ترشُّحه باسمهم قدراً لهم لا خيار فيه. جاء عام 2016 من عالم العقارات، من خارج نادي السياسة والأحزاب، ليُسقط منافسيه أبناء الحزب الجمهوري واحداً تلو الآخر قبل أن يطيح بشراسة بمرشّحة الديمقراطيين الواثقة هيلاري كلينتون. وحين تمكّن جو بايدن من حرمانه من ولاية ثانية عام 2020 كادت البلاد تنزلق صوب حرب أهلية. ومن حسن الحظّ أنّ من حاول اغتيال ترامب لم يكن يساريّاً أو أسود البشرة، ولم يكن مهاجراً أو مسلماً… لكانت للأمر اجتهادات وتداعيات أخرى. وفي الخارج كثر هم الذين لا يحبّون ترامب ويتطيّرون من احتمال عودته إلى البيت الأبيض.

مهمّة بايدن… في نهايتها؟

حين تسلّم بايدن مهامّه بادر إلى ترميم ما تصدّع في علاقات واشنطن مع الحلفاء في عهد ترامب. توجّه صيف عام 2021 إلى كورنوال في بريطانيا لحضور قمّة الدول السبع، ثمّ انتقل إلى بروكسل لحضور قمّة أوروبية وقمّة لدول الناتو. كان هدف هذه المهمّة إعادة لحمة المنظومة الغربية والإعلان من أوروبا أنّ America is back.

حين استقبل بايدن قادة المنظومة الغربية في واشنطن في قمّة الناتو الأسبوع الماضي (9-11 تموز) تعامل مع غالبيّتهم الساحقة بصفتهم جمهوره وأنصاره في معركته الانتخابية ضدّ ترامب. عبّر كثير من قادة هذا الجمع عن ودٍّ للرئيس الأميركي يُحسب دعماً له في موسم الانتخابات الأميركية. كان ترامب الرئيس قد سخر من لزوميّة حلف الناتو وراح يتوعّد أعضاءه وما زال بسحب الحماية الأميركية عنهم.

خطايا ترامب الأوروبيّة

ناصب ترامب الرئيس الأوروبيّين الخصومة وشبه العداء:

– رفع الجدران الجمركية أمام منتجاتهم وكأنّه يصدّ بها أعداء لا حلفاء.

– رفض مصافحة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل.

– وتّر علاقاته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

– راح بالمقابل يمجّد خصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويجاهر بإعجابه به.

– بات ينادي زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بـ “الصديق”.

– فيما هذا الغرب يبقى موحّداً بشقّ النفس ضدّ روسيا في حربها على أوكرانيا، فإنّ ترامب، زعيم المنظومة الغربية المحتمل، يعارض موقف بلاده وموقف الغرب ويَعِد بوقف الحرب عند انتخابه. وفي حلّ ترامب رائحة الحلّ الذي يعرضه الكرملين: اقبلوا بالوقائع على الأرض وانسوا الأقاليم الأربعة التي ضُمّت إلى سيادة روسيا.

ما علاقة جون كينيدي؟

في بداية حزيران الماضي تعهّد ترامب برفع السرّية عن الوثائق المتعلّقة باغتيال جون كينيدي. لا أحد عرف منذ عام 1963 من اغتال الرجل. بعد شهر على هذا التعهّد دنت رصاصة من صدغ ترامب نفسه. ليس بالضرورة أنّ لعنة كينيدي وراء الأمر، لكنّ كثيراً من مصائر هذا العالم أُلصقت باللعنات.

ترامب مرشّح يريده رئيساً جمهورٌ عريضٌ كشّر بعضه عن أنياب شرسة في ما عرف بغزوة الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021. ظهرت حينها ميليشيات مسلّحة يحميها التعديل الثاني من دستور الولايات المتحدة ويدعمها ترامب نفسه. عاد حينها كثيرون بالذاكرة إلى زمن الحرب الأهلية (1861-1865).

ترامب مرشّح يتطلّع إليه كثيرون في الخارج أيضاً. أطلق الرجل “الترامبيّة” بصفتها عقيدة يختلط فيها التطرّف بالمحافظة والتديّن والشوفينيّة والشعبوية. قيل إنّ قراصنة روساً تدخّلوا في انتخابات عام 2016 ليدمّروا حظوظ منافسته هيلاري كلينتون. أنكر ترامب الأمر، ثمّ اضطرّ إلى تأييد تقارير أجهزة المخابرات الأميركية، مؤكّداً، مع ذلك، أنّ تدخّل الأيدي الروسية لم يؤثّر على النتيجة لجهة استحقاقه للفوز وشرعيّته.

تحالف اليمين بين أوروبا وأميركا

أطلق ذلك الفتى العشرينيّ النار على ترامب وكاد يطيح بـ”ترامبيّة” باتت مرجعاً لكلّ التيّارات الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرّف في العالم. والمفارقة أنّ الترامبيّة تتقاطع مع البوتينيّة الواردة من روسيا لاحتضان جماعات التطرّف.

بعد احتلال روسيا للقرم عام 2014 صفّقت هذه الجماعات الأوروبية وعقدت مؤتمراً جماعياً لها في سانت بطرسبورغ في روسيا في ربيع 2015. سعت زعيمة اليمين المتطرّف في فرنسا، مارين لوبن، للقاء ترامب أثناء حملته الانتخابية عام 2016. لم توفّق حينها في سعيها، على الرغم من أنّ السياسي الشعبوي البريطاني نايجل فاراج كان مستشاراً لترامب فيما منظّر التطرّف ستيف بانون كان مساعداً له ومبشّراً بعقائده في أوروبا لاحقاً. غير أنّ لوبن تمكّنت من لقاء الرئيس بوتين في موسكو وعادت بصورة تجمعهما تعينها في انتخابات عام 2017 الرئاسية، وبقرض ماليّ داعم من أحد مصارف موسكو القريبة من الكرملين.

بايدن مستفيدٌ أيضاً؟

القاتل ينتمي للحزب الجمهوري ويبحث مكتب التحقيقات الفدرالية عن دوافعه. قُتل القاتل وقُتلت دوافعه. تماماً كما قُتلت حقيقة اغتيال كينيدي. وبين ما هو أميركي داخلي وما هو دولي يطال النظام الدولي وبدائله، يجوز التصديق أنّ التخلّص من ترامب ومن ورائه “الترامبيّة” هو حاجة يتمنّاها كثيرون ويمكن أن يتورّطوا في تدبيرها.

وفق هذه الفرضيّات سيبقى العالم حائراً بين ما هو عقلاني وما هو فانتازيا. غير أنّ المستفيد الوحيد من هذه الواقعة هو ضحيّتها نفسه. ارتفعت نسب تأييده في استطلاعات الرأي، وقد تمحو مشهديّات الحدث كلّ ما تراكم من وثائق تدينه في المحاكم في قضايا ماليّة وأخلاقية وأمنيّة قد تصير نسياً منسيّاً في عالم تصنع الصورة فيه الرئيس والزعيم.

قد يستفيد أيضاً بايدن من الحدث الدراماتيكي. فمن جهة سيطفئ الحدث في بيته الحزبي الجدل حول انسحابه من السباق والبحث عن بديل، ومن جهة أخرى فإنّ إجادته سلوك رجل الدولة وتصرّفه رئيساً لكلّ الأميركيين لتهدئة الأمّة وصون وحدتها من شأنهما أن يرفعا حظوظه كثيراً أمام منافسه المرشّح الضحيّة.

محمد قواص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.