هل تلجأ إيران إلى “سلاح” مضيق هرمز؟
بقلم أمين قمورية
«أساس ميديا»
إسرائيل تهدّد وتتوعّد بضرب إيران وإعادتها خلف حدودها الجغرافية وقطع طريقها إلى البحر المتوسط. ولا يخفي رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته عدم سعيهم إلى تغيير سلوك النظام الإيراني بل إسقاطه والتخلّص منه. هذه الرغبة تلقى صدى لدى جناح متشدّد داخل الدولة العميقة في أميركا أكثر ميلاً إلى اللوبي الصهيوني. في مقابل جناح آخر فيها يرفع المصالح الوطنية الأميركية على مصالح اللوبي وإسرائيل ويفضّل تعاطياً مختلفاً وأقلّ حدّة مع طهران، خشية الانجرار إلى فوضى شاملة في الشرق الأوسط أو حرب واسعة… فهل نحن على أعتاب اصطدام هذين المشروعين؟ وهل تستعمل إيران “سلاح” هرمز؟
توعّد نتنياهو بتوجيه ضربة قوية وصاعقة لإيران ردّاً على إطلاقها عشرات الصواريخ على مواقع إسرائيلية متفرّقة. وراجت التكهّنات والسيناريوات المختلفة عن شكل الضربة واحتمالاتها، بدءاً من ضرب منشآت عسكرية انطلقت منها الصواريخ نحو مركز إسرائيل، وصولاً إلى اغتيال مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي على غرار اغتيال الأمين العام للحزب، مروراً باستهداف المنشآت النفطية والاقتصادية أو المفاعلات النووية. وراجت في المقابل التحليلات والتقديرات لما سيكون عليه الردّ الإيراني الثالث على الأفعال الإسرائيلية المتكرّرة، والردّ المباشر الثاني الذي من المرجّح أن يكسر الخطوط الحمر في قواعد الاشتباك بين الطرفين.
أفق الرّدّ الإيرانيّ على الرّدّ
الردّ الإيراني المحتمل على الردّ الذي تتوعّد به إسرائيل والذي يترافق مع أشرس هجمة يشنّها الجيش والاستخبارات الإسرائيلية بدعم أميركي وأطلسيّ خطير ضدّ حصنها الحصين الخارجي، الحزب، يضع النظام في طهران أمام أصعب امتحان يواجهه منذ قيامه عام 1979، ويهدّد استقراره الداخلي ونفوذه الخارجي، بما هما مترابطان إلى حدّ عدم القدرة على الفصل بينهما.
هكذا يحتاج أيّ ردّ إيراني على الردّ الإسرائيلي إلى مستوى عالٍ من الردع للحفاظ على صورة هيبتها في الخارج لحماية نفوذها كي لا ينعكس كسره وتفتّته أضراراً على تماسكها الداخلي فتتّسع الثغرات المحلّية وتسمح بإحضار “حصان طروادة” إلى قلب معقلها.
لا يكفي ضرب الأصول العسكرية الإسرائيلية بالصواريخ البعيدة المدى وتسخين “الساحات الموحّدة” لدرء الخطر المحدق بإيران في ظلّ تغاضٍ أميركي محتمل عن توجّه إسرائيلي محتمل إلى استخدام أقصى طاقات القوّة الإسرائيلية لكسر ظهر القدرات الإيرانية. لا بدّ من خيار آخر من خارج الصندوق من شأنه فرض التوازن وإرغام واشنطن على إعادة النظر في دعمها الأعمى لتل أبيب وتجاهل طهران.
إيران تعلن نفسها دولة نوويّة؟
ماذا لدى طهران من أوراق قوّة بيضاء تحتفظ بها للأيّام السود؟
– أوّل الخيارات، هو الخيار الكوري الشمالي، بإعلان نفسها دولة نووية بعد تغيير عقيدتها النووية من أجل امتلاك القنبلة التي من شأن وجودها ردع كلّ من تسوّل له نفسه مهاجمتها. لكن حتى لو نجت المفاعلات النووية الإيرانية من القصف الإسرائيلي المحتمل، فإنّ أمام هذا الخيار تحدّيات جمّة، أهمّها القدرة على إيصال القنبلة إلى الأهداف في ظلّ عدم امتلاك طهران الصواريخ أو الطائرات أو الغوّاصات القادرة على حملها.
على الرغم من التقارير غير المؤكّدة التي نفتها طهران عن إجراء تجربة نووية في الصحاري الإيرانية، لا تزال واشنطن تستبعد وجود نيّة لدى طهران لتصنيع سلاح نووي، حتى بعد الانتكاسات الاستراتيجية التي منيت بها أخيراً، ولا سيما اغتيال الأمين العام للحزب وقادة كبار في الحزب.
بايدن “يثق” بخامنئي
يؤكّد مسؤولون في البيت الأبيض والمخابرات الوطنية ومدير وكالة المخابرات المركزية “سي آي إي” وليم بيرنز لـ”رويترز” أنّ الولايات المتحدة لا ترى أيّ دليل على أنّ المرشد الإيراني قد تراجع عن قراره في عام 2003 بتعليق برنامج التسلّح النووي. وقد يكون ذلك هو السبب الذي جعل الرئيس جو بايدن يحضّ إسرائيل على عدم استهداف النووي الإيراني ما دام تهديداً محدوداً.
– ثاني الخيارات هو النفط. وهو سلاح ذو حدّين. فإذا كان ضرب المنشآت النووية الإيرانية قد يتسبّب في أزمة اقتصادية خانقة لطهران، فقد يتسبّب في الوقت نفسه بنتائج عكسية وأزمة طاقة عالمية تبدأ بارتفاع صاروخي لأسعار الطاقة. وعلى الرغم من العقوبات الغربية على الجمهورية الإسلامية، لا تزال إيران تصدّر بين نصف إلى ثلثي نفطها. ومعظم هذا النفط ينتهي به المطاف في الصين التي قد تضطرّ من أجل التعويض عن النقص في وارداتها النفطية الملحّة لصناعاتها، إلى شراء النفط الروسي. وهذا التحوّل قد يؤدّي إلى دعم ماليّ أكبر للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، فيزيد تعقيد المشهد الجيوسياسي العالمي.
سيعطي ضرب المنشآت النفطية الإيرانية مبرّراً لطهران للردّ على كلّ من ساعد وساهم في الضربة، بما في ذلك الدول المجاورة والشركات النفطية الغربية.
“سلاح” هرمز “النّوويّ”؟
– ثالث الخيارات: إذا كانت القدرات النووية الإيرانية لا تزال حتى الآن مقيّدة، فإنّ إيران تملك في جعبتها مفاتيح مضيق هرمز الذي يعطي للمتحكّم به قدرة تدميرية تعادل قدرة السلاح النووي. فكيف إذا كانت إيران قادرة على الإمساك بالمعبرين الحيويَّين في العالم للملاحة الدولية والتجارة الدولية والشريانين الأهمّ لموارد الطاقة: هرمز وباب المندب الذي يتحكّم بمسالكه حليفها الآخر في اليمن “أنصار الله”، أي الحوثيون؟
لكنّ خياراً من هذا النوع لن يضرّ الولايات المتحدة التي حقّقت اكتفاء ذاتياً من الطاقة، بل سيكون كارثياً لأبرز حلفاء إيران، وتحديداً الصين والهند والعراق والمملكة العربية السعودية، التي ارتبطت مع طهران باتّفاق مصالحة، وكذلك آخر من بقي لها من “أصدقاء” في أوروبا. وتالياً ستنقل خطوة كهذه هذه الدول من موقع الصديق أو المحايد إلى موقع الخصم، وقد تدفعها إلى مساندة “الشيطان” نفسه لإعادة الملاحة ومحرّكات اقتصاداتهم إلى طبيعتها.
لكن في استطاعة طهران إحداث صدمة مالية في الغرب تعمّق الأزمة الاقتصادية عبر إغلاق مؤقّت أو انتقائي في وجه الدول التي مسّتها أمنيّاً دون غيرها. ربّما يشكّل ذلك ورقة ضغط من أجل فتح ثغرة في جدار الحلّ الدبلوماسي المقفل حالياً.
أمين قمورية