نريد لبنان… لبنان الستينات والسبعينات

30

كتب عوني الكعكي:

منذ عهود مضت كان لبنان واحة للحرية في العالم العربي، حتى وفي العالم. إذ شكّل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الانفتاح والتسامح والمحبة، بين مختلف الطوائف. وأعطى بذلك مثالاً على تجربة رائدة وناجحة في احترام الآخر والقبول به، نبذ التعصّب الذي يشكل صفة من صفات الجهل والتخلّف.

وقد بقي رباط العيش المشترك يجمع اللبنانيين خصوصاً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بالرغم من كل ما حصل على أرضه من نزاعات، لا يحمل الشعب اللبناني المسؤولية عنها.

هذا اللبنان… لبنان العلم والمدرسة والجامعة والمستشفى، لبنان الحضارة… لبنان شارع الحمراء الذي ذكر حاكم دبي في كتابه: أتمنى أن يكون عندنا مثل شارع الحمراء… فتصوّروا كيف صارت دبي اليوم وكيف صار لبنان.

لقد راح هذا البلد الصغير الجميل «يغرق» بتقرير كارثي للبنك الدولي، وأزمات الأدوية والأغذية تعدّت حدود الخطر، والشعب اللبناني نزل بأغلبيته تحت خط الفقر، والليرة اللبنانية لم تعد تساوي ثمن طباعتها، وحليب الأطفال أصبح نادراً كلبن العصفور، لا يكاد أحد يقدر على شرائه.

ولا تسأل عما جرى للبنان… فقد مرّ على لبنان رؤساء لم يعرف التاريخ أسوأ منهم… أذكر إميل لحود، وميشال عون، هذان لم يشهد لبنان مثيلاً لهما في السوء والفساد المستشري، فهما لا يستحقان أن يكونا مختارين أو حتى رئيسي بلدية. ميشال عون الذي يجب أن يُسأل عن الطريقة التي جمع بها أمواله، وها هو يسكن في ڤيلا في الرابية… فمن أين جاءت أرصدة حساباته في البنوك، ومن أين دفع ثمن أملاكه الفخمة الحديثة؟

صحيح أن إميل لحود من عائلة عريقة، لكنه يجب أن يُسأل أيضاً: من أين له هذا؟ فهل ماله هو نتيجة راتبه كضابط؟

أتحدّاهما أن يعلنا عن رصيديهما في المصارف، وأنا على ثقة تامة بأنهما لن يستطيعا ذلك.

وكميل شمعون لبنان الماضي الجميل… لبنان فؤاد شهاب وغيرهما من رجالات الدولة الكبار… مثل صائب سلام، سليمان فرنجية، بيار الجميّل، الرئيس رفيق الحريري، صبري حماده، كمال جنبلاط ورشيد كرامي.

وهنا أعود لتساؤلي، أي لبنان نريد؟

بصراحة نريد لبنان النموذج العالمي الذي كنا نفتخر به في ماضينا قبل أن تحلّ علينا لعنة بعض الرؤساء كما أشرت.

بالعودة الى الماضي، نشعر بحنين الى تلك الأيام. لقد كان العيش المشترك بين أبنائه، ونبذه للطائفية والتعصّب أكبر تحدٍّ لإسرائيل، تلك الدولة اليهودية التي كانت تريد تدمير لبنان، لأنه الدليل على بطلان نظريتها القائلة باستحالة العيش بين العرب والإسرائيليين، أو المسلمين والمسيحيين واليهود.

لقد مرّت على لبنان عهود كعهدي إميل لحود وميشال عون لا علاقة لها بلبنان الستينات والسبعينات.

فلبنان تحوّل الى بلد «الصواريخ» والقتل والتدمير.. لبنان باتت تتحكم فيه فئة وتفرض رأيها عليه… فلا رئيس جمهورية إلا بأمرها ولو امتد الفراغ الى سنوات. ولا تشكيل حكومات إلاّ بموافقتها ولو طالت مدة الفراغ أو سُدّت كل الحلول، لا حكومة إلاّ تحت أوامر «الصهر». لقد بات الحكم محسوباً بعدد الوزراء لا بنوعياتهم وكفاءاتهم أو علمهم.

وحتى لا نذهب بعيداً في التشاؤم أقول: من هنا راهنا على انتخاب الرئيس جوزاف عون، لأننا نعرف نظافته وإخلاصه وعزيمته وشيمه.

وهنا أتذكر ما قيل: إنّ من لم يقبل تجويع جيشه، فأمّن له كل مستلزماته، لن يقبل بأن يجوّع شعبه.

لقد كتبت وقلت مراراً، إنّ عهد فؤاد شهاب عاد اليوم مع الرئيس جوزاف عون.

لقد حلّ التفاؤل مكان التشاؤم، وصار حلم لبنان الجميل واقعاً قد يتحقق في القريب العاجل، في ظل حكومة إصلاحية نظيفة، يعمد الرئيس المكلف نواف سلام على تشكيلها من وزراء أكفاء نظيفي الأيادي.

ولتكن حكومة العهد الأولى صورة حقيقية عن صاحب العهد… ولتكن مسيرة الرئيس جوزاف عون فاتحة خير تعيد لبنان الى عهده الماضي التليد والمجيد… وها نحن اليوم نتلمس إقبال دول العالم على مساعدة لبنان للنهوض به من كبوته… وهذه بشارة خير، لأنّ لبنان لا يمكن أن يعيش منعزلاً عن محيطه العربي والعالمي.

اللبنانيون يؤمنون بثقافة الحياة، ويكرهون ثقافة الموت… فلتعد الحياة «الحلوة» الى هذا البلد الذي دفع كثيراً وضحّى كثيراً، وحان الوقت ليعود «أحلى وأنظف البلدان».

كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكد أن لبنان يجب أن يعيش في حالة من الاستقرار والأمان، وألاّ تجري حرب على أرضه كل مدة عشر سنوات أو أكثر… لقد انتهى عهد الحروب.

هذا ما نريده نحن في لبنان الجديد.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.