نحن نقترب من الحرب الأهلية أكثر من أيّ وقت مضى

26

ايهود اولمرت

إن هجوم عصابة البلطجية على محكمة العدل العليا، والتي يرعاها ويغطيها وينظّمها، إلى حد بعيد، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يُعتبر مرحلة جديدة من العملية التي تهدف إلى تقويض جوهر وجود المؤسسات في الدولة. فالحرب ضد مؤسسات الدولة (التي تُسمى الدولة العميقة) هي مرحلة حاسمة من المحاولات التي يخطط لها اليمين جيداً من أجل تدمير الأساس الديمقراطي لإسرائيل.

يقتضي التوضيح: أن أعضاء الكنيست لا يتمتعون بأيّ حصانة إزاء كل ما له علاقة بما جرى في قاعة المحكمة. وليس هناك أيّ صلاحية معطاة لأعضاء الكنيست، بحكم مناصبهم، تمنحهم الحق في إثارة الشغب والتصرف ببلطجة في داخل قاعة المحكمة. وحتى داخل قاعة الكنسيت، ليس لأعضاء الكنيست حصانة، وليس لديهم الشرعية لكي يتصرفوا بوقاحة وفظاظة، ويكيلون الإهانات لأعضاء كنيست آخرين، والتصرف بطريقة تتعارض مع “السلوك البرلماني السليم”.

يومياً، نشاهد في جلسات الكنيست حراسه يمسكون بعضو كنيست مشاغب من يديه، وأحياناً من قدميه، ويخرجونه من القاعة. وليس لأعضاء الكنيست خلال قيامهم بمهماتهم في داخل قاعة الكنيست حصانة ضد الحراس الذين يمكنهم استخدام القوة المعقولة ضدهم لإخراجهم من القاعة. من هنا، ما هي التهمة التي يمكن أن توجَّه إلى رئيس المحكمة العليا عندما تقوم عضو كنيست بتعطيل نقاش منتظم بطريقة فظة وعنيفة وغير مهذبة، وتتصرف بوقاحة مع أعلى سلطة قضائية، وبعد تنبيهات متكررة، يجري إبعادها عن القاعة؟

ما هي العلاقة بين التصرف البلطجي في داخل قاعة المحكمة وبين قيام أعضاء الكنيست بمهماتهم؟ وما هو دور أعضاء الكنيست الإسرائيلي في قاعة المحكمة التي يجري فيها نقاش مهم لمشكلة تشغل المجتمع الإسرائيلي وتهدد استقراره واستقرار الحكم وثقة الجمهور بكبار مسؤوليه؟

ولم يقتصر الأمر على عضو كنيست واحدة، بل أعلن وزير العدل أنهم سيقاطعون رئيس الشاباك إذا لم تحكم المحكمة مثلما تريد الحكومة. كذلك، أعلن أعضاء كنيست ووزراء آخرون أنهم لن ينصاعوا لحكم المحكمة (بحسب رأيهم، استناداً إلى القانون). ومَن يقرر أن المحكمة تخرق القانون؟ إنه الوزير شلومو كرعي، وعضو الكنيست نيسيم فاتوري وتالي غوتليب، هم الذين يقررون. هل يفعلون ذلك، اعتماداً على صلاحياتهم؟ وعلى أيّ أساس، أو معلومات، أو فهم، يقررون أن الهيئة العليا للمحكمة العليا على خطأ، وهم على حق؟

ما حدث في الأمس هو  عمل علني للقيام بانقلاب. ومَن يقوم به ليس الذين يتظاهرون، ولا عائلات المخطوفين، ولا يقوم به الطيارون المتطوعون، بل عصابة من البلطجية ضيقة الأفق وعديمة التفكير، موجودة اليوم في الكنيست والحكومة. فهؤلاء هم الذين يقولون، علناً، أنه إذا حكمت المحكمة العليا ضد ما تعتقده الحكومة وأعضاؤها، فإنهم سيُبطلون وجودها، عملياً، ويقاطعونها ويحرّضون ضدها، ويتدخلون في نقاشاتها.

هل ما  يحدث هو تمرُّد غير قانوني ضد مؤسسات الديمقراطية؟ لو كان  في إسرائيل منظومة فاعلة لإنفاذ القانون، لكان ما نشهده كافياً لتدخُّل قوات تنفيذ القانون، وفي طليعتها شرطة إسرائيل. لكننا لا نزال في المرحلة الأولى. وفي المرحلة الثانية من عمل آلة السموم التابعة لنتنياهو، سيستولي البلطجية على استديوهات الأخبار والقنوات التلفزيونية، مثلما هددوا، عملياً، محكمة العدل العليا. سيدخل إلى استديوهات قنوات الأخبار (باستثناء القناة 14) المئات من عناصر الميليشيات المسلحة التي عمل بن غفير على تسليحها، ويقومون بطرد مقدّمي الأخبار، ويستولون على الميكروفونات. مَن يوقفهم؟ شرطة بن غفير؟ هناك عدد غير قليل من مقدّمي البرامج والمراسلين الذين يُصنّفون كأعداء للدولة، وشركاء لـ”حماس” ومعارضين “للملك”، والذين يجب اتخاذ خطوات قاسية ضدهم وإبعادهم عن أيّ موقع مؤثّر.

أكتب هذه الأمور بقلق كبير لأنني أشعر، مثل كثيرين من أمثالي، بأننا نقترب أكثر من أيّ وقت مضى، ليس من ثورة مدنية كان يجب أن نقوم بها منذ زمن طويل، بل من حرب أهلية.

ماذا سنفعل إذا فتحنا التلفاز ذات يوم، وبدلاً من رؤية الأشخاص المألوفين الذين أحببنا نقاشاتهم منذ سنوات، وكنا نختلف معهم أحياناً، وأحياناً أخرى، نسخر منهم، لكننا نحترم احترافهم وضبطهم للنفس وحنكتهم السياسية، ونرى مكانهم مقدّمي برامج القناة 14 [المعروفة بولائها الكامل لرئيس الحكومة] على القناة 12 و 13، أو 11، وحتى في قنوات الأطفال؟ ماذا سنفعل حيال ذلك؟

… لست واهماً، وما أتحدث عنه ليست هواجس منفصلة عن الواقع الذي نعيشه. إن ما أصفه يحدث فعلاً في هذه اللحظات في شوارع المدن، وفي الساحات، وفي أماكن اللقاء التي كانت تشكل جزءاً  مهماً من حياة عدد كبير من الجمهور الإسرائيلي.

بعدها، ستأتي المرحلة الأخيرة. تخيّل أن الزعران، الذين زودتهم جهة مخولة في السلطة بالسلاح، يقررون اقتحام الكنيست، ولا يكون هناك مَن يمنعهم. وربما يفتح الذين يملكون الصلاحيات الأبواب لهم. يقتحم هؤلاء القاعة العامة للكنيست، ويرمون مقاعد أعضاء الكنيست من المعارضة، ويهاجمونهم جسدياً، وقد يقومون بإخراجهم من القاعة، ويسمحون لأعضاء الحكومة باتخاذ أيّ قرار، أو تشريع يخطر في بالهم.

ما الفارق بين ما أصفه وبين اقتحام قاعة محكمة العدل العليا في أثناء نقاش يحضره كبار قضاة الدولة؟

… مؤخراً، حذّر الرئيس السابق للمحكمة العليا أهارون باراك من أن يؤدي الخلاف الحاد بين الحكومة ومعارضيها، والمسّ بسلطة القانون، والتحريض ضد حراس البوابة، وفي مقدمتهم المستشارة القانونية للحكومة، إلى حرب أهلية. الآن، نحن في المرحلة الأولى من هذه الحرب. وحتى الآن، لم تتطور الأمور إلى صدامات عنيفة في الشارع، وتكتفي الميليشيات العنيفة بالهجمات الوحشية ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية. لكننا ما زلنا في المرحلة الأولى. ما يجري في أراضي الضفة الغربية هو قريب من جريمة حرب، وقريباً، ستبحثها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

لقد أظهر رئيس الأركان شجاعة استثنائية عندما ذهب إلى ضواحي الخليل لمحاكمة ومعاقبة جنود الوحدة الذين ارتكبوا أعمال عنف إجرامية ضد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء. لكن مبادرة رئيس الأركان الوحيدة، والتي تستحق الثناء، لا يمكن أن تغطي على كل ما يجري يومياً في حقول الفلسطينيين التي تُحرَق وتُدمَّر، ومنازلهم التي تُحرَق وأملاكهم التي تُدمَّر. ولم تتمكن الشرطة، بشكل أشبه بالمعجزة، من العثور على مثيري الشغب واعتقالهم، لكنها اعتقلت ضحايا العنف من الفلسطينيين بكفاءة مثيرة للإعجاب. هذا من دون الحديث عن تفاخُر وزير الدفاع بقراره بشأن إلغاء الاعتقالات الإدارية لليهود في المناطق (فقط اليهود) وعدم نيته  تجديدها.

إن العنف في المناطق الفلسطينية ليس من عمل “شبان التلال” فقط، بل يتغلغل إلى الوحدات العسكرية في الضفة الغربية، وفي غزة. لم ينتهِ التحقيق في مقتل 15 مسعفاً فلسطينياً بالقرب من رفح. ولم يتضح البتة لماذا دُفن أحد القتلى، وهو مكبّل اليدين وراء ظهره. تثير هذه الحادثة والتبريرات الملتوية والمتغيرة للجيش قلقاً عميقاً، لأن ما جرى جريمة حرب لم يرتكبها “شبان التلال” في المناطق، بل جنود وحدة عسكرية.

هل هذه الحادثة استثنائية؟ وهل الاتهامات الموجهة ضد سلوك هذه الوحدة العسكرية يمكن تبريرها؟ وهل هناك حوادث أُخرى مثلها؟ إذا كان هناك حالات أُخرى كهذه يجري طمسها، فإنها في نهاية الأمر ستؤدي إلى تقويض أنماط عمل الجيش الإسرائيلي الذي كان يُعتبر في الماضي “الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم”، لكنه الآن لم يعُد كذلك.

لقد جاء تحذير باراك في الوقت الملائم، ومن المحتمل أنه، كعادته، ضبط نفسه، وتأخّر في إطلاق تحذيره، في ضوء الاكتشافات العديدة التي أشارت إلى تدهور الوضع نحو الحرب الأهلية. لا يمكن القول إننا لم نحذّر. في الحقيقة، إسرائيل على وشك الدخول في حرب أهلية عنيفة ودموية ومفككة ومدمِّرة.

كيف نمنع حدوث ذلك؟ وهل خروج مليون متظاهر إلى شوارع المدن والساحات في تل أبيب والقدس سيسرّع الانزلاق إلى مواجهات عنيفة، أم سيمنعها؟

ايهود اولمرت

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.