موسكو استدعت الأسد سرّاً وطهران على باب روسيا والسعودية (2)
بقلم وليد شقير «اساس ميديا»
– كان الجانب الإيراني يأمل أن تُفتح له أبواب التفاوض من قبل الدول الغربية وأميركا. راهن على أن تؤدّي ليونته، ولجمه التصعيد على الجبهة اللبنانية، إلى بدء حوار أميركي معه لرسم مسارٍ يؤدّي إلى رفع العقوبات.
– لم يحصل أيّ تجاوب أميركي مع الليونة التي أظهرها المسؤولون الإيرانيون. شعر الكبرياء الفارسي بالازدراء. الضرر الذي تسبّبت به حالة الإنكار والعنجهية اللذين حكما التمادي باستخدام الأذرع، كان كبيراً.
من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وحتى غزة، رمت بفصائل الممانعة والشعوب التي احتضنتها في أتون نيران لا تنطفئ. وعندما حان وقت استثمار أدوارها في العلاقة مع الدول الكبرى، فضّلت الأخيرة ترويض طهران قبل التفاوض معها. بل إنّ المسؤولين الإيرانيين تعرّضوا لصفعة اغتيال نصرالله في 27 أيلول أثناء محاولاتهم إغواء الجانب الأميركي بالحوار من نيويورك. ويردّد البعض أنّ بعض القادة الإيرانيين توقّفوا بمرارة شديدة أمام امتناع العديد من الدول حتى عن التعزية عنه.
طهران لم تكن تعلم: خطأ الحسابات
– لم تكن طهران على علم بأنّ نصرالله، قبل اغتياله، أعطى موافقته على وقف النار في الجنوب بمعزل عن غزة. حليف الحزب الرئيس نبيه بري أبلغ الوسيط الأميركي آموس هوكستين باسم الحزب بذلك.
– كرّس برّي تلك الموافقة في البيان الثلاثي الذي صدر عنه بالاشتراك مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بالترحيب بالنداء الأميركي الفرنسي الذي وقّعت عليه مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات وقطر (في 25 أيلول). كان نصرالله وصل إلى قناعة، بعد الضربات التي تلقّاها الحزب، بالحاجة إلى الليونة، أي التخلّي عن شرط وقف النار في غزة لوقف حرب الإسناد في جنوب لبنان.
– بعد اغتيال نصرالله وإطلاق إسرائيل حملتها العسكرية ضدّ لبنان، في 30 أيلول، ظهر واضحاً خطأ حسابات طهران القائمة على أنّ إسرائيل لن توسّع الحرب. استندت حساباتها إلى أنّ تأكيدها لواشنطن بأنّها لا تريد توسيع الحرب ستقابله الأخيرة بثني نتنياهو عن فتح جبهة الجنوب. ولمست قدرة واشنطن على فرض مكابح على إسرائيل من خلال “تنظيمها” لحدود الضربات المتبادلة مع إسرائيل. لكنّ إدارة جو بايدن رأت في نجاح الضربات الإسرائيلية ضدّ الحزب فرصة لاستكمال إضعاف أذرع إيران.
الإدارة المباشرة للحزب والميدان
لم تكن القيادة الإيرانية تنتظر هذا القدر من الصدّ لمبادرتها الداعية إلى الحوار مع واشنطن. كانت تأمل تجاوباً من إدارة بايدن، لكنّ الأخيرة تجاهلت هذه المبادرة كلّياً. وبناء على هذه الخيبة اتّجهت نحو تصليب الموقف مشحوناً بمنطق المكابرة والاعتداد بالنفس.
قرّرت، بعد اغتيال نصرالله، العودة لمنطق الثورة، بإدارة قيادة الحزب في شكل مباشر للردّ على الصفعات التي تلقّتها من واشنطن ونتنياهو. القيادة المباشرة شملت الميدان والتوجّه السياسي. انعكس ذلك في المواقف المتشدّدة للأمين العامّ الجديد الشيخ نعيم قاسم، الذي عاد إلى اشتراط وقف النار قبل البحث في أيّ اقتراحات لتنفيذ القرار 1701. لم تأبه للخسائر الهائلة لمواصلة الحرب في وقت أخذت التساؤلات تتسلّل إلى بعض صفوف الممانعة حول الجدوى. ومع أنّها سبق أن وعدت الحزب بأنّها ستتكفّل بإعادة إعمار ما هدّمته الآلة العسكرية الإسرائيلية، فإنّ التبرّم ممّا حصده المدنيون يتوسّع.
الأهمّ أنّ طهران لم تدرك أنّ هناك قراراً غربياً بإضعاف دور المجموعات المسلّحة الموازية لمؤسّسات الدولة المركزية، لا سيما في الإقليم. باتت دول الغرب ترى أنّ نموّ الميليشيات (non state actors) في عدد من الدول بات يؤثّر على نفوذها وخططها، حتى لو كان بعيداً جغرافيّاً عنها. ويتيح لها احتفاظها بدورها نسج ارتباطات خارجية، فتؤثّر في الخريطة الجيوسياسية في شكل مفاجئ. وثمّة من يعتقد أنّ دولاً كبرى مثل الصين وروسيا ليست بعيدة عن القناعة بوجوب إنهاء دور هذا النوع من الميليشيات، فستتضرّر منه في يوم ما. وموسكو تحتكّ بها في سوريا.
المراجعة وتكييف السّياسات؟
صحّ ذلك أم لم يصحّ، وسواء نجحت الدول الغربية في هذا التوجّه أم لا، بات حتمياً أنّ إيران أمام تحدّي مراجعة سياساتها الإقليمية. فهذه السياسات سهّلت لإسرائيل اندفاعتها العسكرية. إذ إنّ التعبئة الأيديولوجية والخطاب الغيبيّ اللذين غرقت فيهما تغلّبا على القدر من العقلانية الذي يتميّز به النمط الفكري الإيراني. وتفترض تلك المراجعة أنّها مقبلة على تكييف سياساتها لتفادي مزيد من الخسائر.
تقول أوساط إعلامية إنّ طهران بدأت اتصالات مع فريق ترامب قبل انتخابه، تحت غطاء التشدّد في الميدان، تفادياً لافتتاح الأخير عهده بمزيد من العقوبات. وتنظر أوساط عربية إلى تكيّفها مع حاجة العراق إلى ضبط الميليشيات الموالية لطهران بغطاء من المرجع آية الله علي السيستاني على أنّه تسليم بالمساكنة مع النفوذ الأميركي. ويأمل بعض المراقبين أن تساهم روسيا (في سوريا) والدول العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية، بحكم العلاقة الجديدة مع طهران، أن تساعد في نزولها عن الشجرة.
وليد شقير