من يسيطر على نفط العالم الجديد يحكم العالم – 2
المحامي أسامة العرب
علاوة على ذلك، تعتبر آخر مناورات للصين الأهم منذ إطلاق مناورات مماثلة ضد تايوان في آب 2022 ونيسان 2023، وإن لم تتضمن إطلاق نار حي بالقرب من تايوان. وقد اعتبر الغرب أن هذه المناورات تهدف إلى ممارسة تقنيات الحصار، حيث أظهرت خرائط مواقع التدريبات أن القوات الصينية استهدفت خمس مناطق كبيرة من البحر تحيط بتايوان، ومناطق عدة أصغر حول الجزر التايوانية التي تقع بجوار البر الرئيسي الصيني، في حين لم تشمل تدريبات آب 2022 الجزر التايوانية الصغيرة كأهداف، مما يعكس تصعيدًا خطيراً في الاستراتيجيات الصينية الجديدة، لاسيما أن الأخيرة تشجعت على التصعيد بعدما أعلنت روسيا حربها على أوكرانيا.
ثالثًا: تعليق الصين محادثاتها حول الحدّ من التسلح:
يوجد هنالك تصعيد جديد في العلاقات الصينية الأميركية الأخيرة، ففي إطار التوترات المتصاعدة بين الدولتين العظمتين، أعلنت الصين تعليق المحادثات الجارية مع واشنطن بشأن «الحد من التسلح ومنع الانتشار النووي»؛ وقد جاء هذا القرار ردًا على مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان، التي تعتبرها بكين تقويضًا لمصالحها الأساسية واعترافًا ضمنيًا باستقلال تايوان عنها. لاسيما أن مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان كانت ولا زالت تشكل نقطة خلاف رئيسية في العلاقات الصينية الأميركية.
كما ازدادت العلاقات سوءًا عندما تحوّلت الولايات المتحدة إلى أقوى حليف لتايوان ووافقت في حزيران الماضي على مبيعات عسكرية لها بقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 300 مليون دولار، وذلك لتقويض سيادة الصين وتعزيز قدرات تايوان الدفاعية ضد أي محاولات من الأولى للاستيلاء عليها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تمتلك حوالي 3700 سلاح نووي في حين تملك روسيا 4500 سلاح نووي، مقارنة بـ 410 تمتلكها الصين، ولذلك تسعى الصين لتطوير ترسانتها النووية للالتحاق بركب أميركا وروسيا بأسرع وقت ممكن؛ حيث أشارت تقارير البنتاغون الأخيرة إلى أن الصين تقوم بتوسيع وتحديث قدراتها النووية بشكل ملحوظ، مما يثير مخاوف حول اندلاع حرب نووية في المستقبل بين القِوَى العظمى إبّان شعور إحداها بالخطر على مصيرها ومستقبلها.
أضف إلى ما تقدم، فإن العلاقات الأميركية التايوانية من المرجح أن تتدهور في حال فوز المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، دونالد ترامب، كونه أدلى بتصريح إعلامي خطير شدّد فيه على أن تايوان عليها أن تدفع للولايات المتحدة مبالغ مالية كبيرة مقابل دفاعها عنها، معتبرًا أن دولته لا تختلف عن «شركة التأمين» وأن تايوان لا تعطي للأمريكيين شيئًا مقابل دفاعهم عنها في مواجهتها مع الصين. وقد أثارت تصريحات ترامب المثيرة للجدل، سخط التايوانيين ودفعتهم لطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل العِلاقة مع الولايات المتحدة حال فوز الأخير في الانتخابات المقبلة، لاسيما في ظل تصريحاته المستمرة حول تشجيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على «فعل ما يريد» إذا لم تحترم أي من دول الناتو التزاماتها المالية تجاه الحلف، واتجاهه ضمنيًا إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، لصالح صديقه بوتين.
ختامًا، تُظهر التطورات الأخيرة أن السيطرة على «النفط الجديد» المتمثل في الرقائق الإلكترونية أصبحت محور الصراع بين القِوَى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين؛ وهذا هو السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى التقليل من اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط ووصف آسيا كأولوية جيواستراتيجية قصوى لها، ومحاولة تركيز تواجدها العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تلعب فيها تايوان دورًا محوريًا في هذا الصراع بفضل هيمنتها على صناعة الرقائق إلكترونية، التي إن لم تصدّر إلى أميركا، قد تؤدي إلى خسارة الأخيرة لتفوقها في مجال الصناعات العسكرية، وبالتالي تقوّض سيطرتها على العالم من خلال تهرب العديد من الدول النفطية من الالتزام بسياسة البترودولار، والتي هي سياسة بيع النفط حصرًا بعملة الدولار الغير مغطى بالذهب، والتي هي الأساس لاقتصاد أميركا العاجز بعد تجاوز دينها العام ال ٣٤ تريليون دولار أميركي، دون وجود أفق لتخفيضه.
بناءً عليه، يتزامن الصراع الأميركي مع كل من الصين وروسيا مع تصعيد التوترات العسكرية والسياسية بين الغرب والشرق، مما ينذر بحروب مستقبلية نتيجة الخلاف على وجوب تغيير موازين القِوَى العالمية، وبالأخص لجهة وجوب السماح للدول النفطية ببيع نفطهم وغازهم بعملات هامة كاليوان (الرينمينبي) والروبل واليورو؛ مؤكدين أن من يسيطر على الرقائق الإلكترونية وتقنيات النانو المستخدمة لتصنيعها، قد يمتلك مفتاح السيطرة على الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب.
المحامي أسامة العرب