مفاوض إسرائيلي عتيق: نقل الفلسطينيين وهم إيمان شمص

11

إيمان شمص

اساس ميديا

تساءل دانييل ليفي مفاوض السلام الإسرائيلي السابق في محادثات أوسلو، في مقال كتبه في صحيفة “نيويورك تايمز”: هل يمكن أن تتحقّق فكرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن؟ كيف يمكن لرئيس يفخر بطرد الناس وإغلاق حدوده أمام الهجرة أن يتطوّع بسخاء بجعل دول ثالثة تستقبل سكّاناً؟ وما هي المصلحة الأساسية المحتملة للأمن القومي الأميركي التي قد تخدمها هذه الخطّة؟

 كتب ليفي: “قدّم الرئيس دونالد ترامب اقتراحاً يبدو أنه يغيّر قواعد اللعبة، وإن كان مثيراً للفتنة، قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو أوّل زعيم أجنبي يلتقيه منذ تنصيبه. في أقلّ من أسبوعين اقترح ترامب ثلاث مرّات أن يُنقل الفلسطينيون من غزة إلى مصر والأردن. ومن الصعب المبالغة في التأثير الصادم لتهجير السكّان ونقلهم في الذاكرة الجماعية الفلسطينية. ويساعد هذا التاريخ في تفسير تصميم الفلسطينيين على البقاء في الأراضي المدمّرة حديثاً والاحتجاج الواسع النطاق على اقتراح النقل هذا واحتمالات التطرّف على المدى الطويل.

إذا أخذ الزعيمان هذه الفكرة على محمل الجدّ في اجتماعهما، والأسوأ من ذلك، إذا أصبحت حقيقة واقعة، فمن شبه المؤكّد أنّها ستزيد من العداء لإسرائيل في المنطقة، وتقضي على أيّ احتمالات لتطبيع العلاقات الإسرائيلية – السعودية برعاية الولايات المتحدة، وهو الهدف الذي يسعى ترامب بشغف إلى تحقيقه، وتجعله بعيداً في الأفق.

الفكرة تغلق الباب أمام صفقة مع السّعوديّة

انضمّت القيادة السعودية أخيراً إلى العديد من القادة الآخرين في وصف أفعال إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية، وأصبحت أكثر حزماً في ربط تطبيع العلاقات بإنشاء دولة فلسطينية. بالإضافة إلى كونها مستهجَنة أخلاقيّاً، فإنّ فكرة نقل عدد كبير من الفلسطينيين قد تغلق الباب أمام صفقة ثلاثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية في المستقبل المنظور.

بعد إطلاق الفكرة، قد يعتقد ترامب أنّ العاصفة التي أعقبت ذلك تمنحه نفوذاً. وقد يفترض أنّ القادة العرب، من منظور تقليدي للتعامل، يمكن أن يقدّموا له شيئاً في المقابل إذا تراجع عن الفكرة.

الفوائد لن تدوم

بالنسبة لنتنياهو، قد تكون الفكرة مفيدة لسياسته الداخلية. فهي تجذب بشدّة حلفاء اليمين الذين تعتمد عليهم حكومته الائتلافية، والذين يبدو أنّ استمرار النكبة، طرد وهروب الفلسطينيين مع إنشاء إسرائيل في عام 1948، هو هدف أيديولوجيّ لهم. غير أنّ هذه الفوائد المحتملة لن تدوم طويلاً ولن تقودهم بعيداً.

تضاف فكرة ترامب بشأن نقل السكّان إلى قائمة طويلة من أوهام واشنطن حول تسوية الصراع في الشرق الأوسط: وهي أنّ إسرائيل أكثر ميلاً إلى صنع السلام إذا تمّ التعامل معها بتساهل في الردّ على اتّهامات بانتهاك القانون الدولي، وأنّ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لها حلّ عسكري، وأنّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، التي لا تتعارض معها، يمكن أن يعمل حلّاً بديلاً للتعامل مع طرد الفلسطينيين وإنكار حقّهم في تقرير المصير والحقوق.

نحو مصر

في البيئة الحاليّة، لا يمكن الاستخفاف باقتراحات التهجير السكّاني، سواء كان المقصود اقتراحاً عمليّاً أو لا. وهذا ليس فقط بسبب تاريخ التقسيم والتهجير، بل وبسبب ما يحدث الآن. فبعد فترة وجيزة من هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، ومع توسّع إسرائيل في عمليّاتها العسكرية في غزة، ظهرت تقارير تفيد بأنّ الحكومة طرحت خططاً، قلّل نتنياهو من شأنها في وقت لاحق، لإجبار الفلسطينيين على الخروج من غزة والتوجّه إلى مصر.

تمّ تداول مقترحات للهجرة الجماعية “الطوعية” للفلسطينيين في الدوائر السياسية الإسرائيلية، بما في ذلك من قبل كبار المسؤولين. وفي أعقاب تعليقات ترامب الأخيرة، وعد وزير المالية القومي المتطرّف في إسرائيل، بتسلئيل سموتريتش، بتقديم “خطّة تشغيلية” إلى الحكومة لتنفيذ النقل. وكان شجّع هو وغيره من المتطرّفين مراراً وتكراراً الاستيطان الإسرائيلي اليهودي في غزة.

لا تنتهي خطط التهجير هذه عند غزة. ينظر العديد من المتطرّفين اليمينيين في إسرائيل إلى الضفة الغربية، حيث تكثّف إسرائيل عملياتها العسكرية، على أنّها المكافأة الحقيقية، والأردن هو الوجهة المفضّلة للفلسطينيّين الذين يعيشون هناك.

خطط لا توفّر مستقبلاً آمناً للإسرائيليّين

لا شيء من هذا يوفّر مستقبلاً آمناً للإسرائيليين أيضاً. فهم يخاطرون بتهيئة بيئة أكثر زعزعة للاستقرار لتلك الدول المجاورة التي يُطلب منها استيعاب الفلسطينيين الذين يتمّ نقلهم، وسيكون التهجير هذا بمنزلة صرخة حشد ووسيلة تجنيد لحركات المقاومة في جميع أنحاء المنطقة.

بالطبع، يُعرف ترامب بتصريحاته المتهوّرة، ومن غير الواضح ما إذا كان هو ونتنياهو سيجعلان هذا أولويّة في اجتماعهما. ولكن ماذا لو كان الهدف هو المضيّ قدماً في تنفيذ هذه الفكرة؟ يدعو عدد من المرشّحين الحاليّين لإدارة ترامب، بما في ذلك إليز ستيفانيك، لمنصب السفيرة لدى الأمم المتحدة، ومايك هاكابي، لمنصب السفير لدى إسرائيل، علناً إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تنتمي إلى اليهود فقط. فهل يمكن تحقيق هذا الهدف حقاً؟

إنّ غزّة، من نواحٍ كثيرة، هي بالفعل موقع الهدم الذي وصفه ترامب. فقد دمّرت الحملة العسكرية الإسرائيلية 90% من المساكن، ومعظم البنية التحتية العامّة، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد، والكنائس، والمباني الحكومية. وإذا استمرّت المدافع في الصمت ولم يرَ الفلسطينيون أفقاً للأمل، أو حتى إذا استؤنفت الحرب، فهل يمكن خلق جوّ أكثر ملاءمة للخروج الجماعي؟ وهل يمكن أن تؤثّر درجة المساعدات الاقتصادية والاعتماد العسكري الذي تتمتّع به الأردن ومصر على الولايات المتحدة في تغيير المعادلة؟

إسرائيل فشلت في سحق الفلسطينيّين

على الأغلب لا. فقد فشلت إسرائيل في هزيمة حماس أو سحق عزيمة الشعب الفلسطيني. ومن الصعب أن نجد تبايناً أكثر وضوحاً من ذلك بين الكلمات التي نطق بها الرئيس الأميركي وصمود الشعب الفلسطيني، الذي شقّ مئات الآلاف منه طريقهم إلى شمال غزة في الأيام الأخيرة، مصمّمين على إعادة بناء حياتهم.

ليس هناك ما يشير إلى أنّ الدول العربية ستقوم بتمويل مثل هذا الفعل من التهجير أو تلعب أيّ دور فيه، بما في ذلك الدول المستقبلة، على الرغم من ادّعاء ترامب أنّ مصر والأردن “سيفعلان ذلك”. على العكس من ذلك، فقد عارض الجميع بشدّة هذا المشروع، وخاصة في اجتماع القاهرة لوزراء الخارجية العرب الرئيسيّين، الذين رفضوا في بيان مشترك “أيّ جهود لتشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، تحت أيّ ظرف أو مبرّر”.

هناك تناقض عميق في أن نسمع رئيساً يفخر بطرد الناس وإغلاق حدوده أمام الهجرة يتطوّع بسخاء بجعل دول ثالثة تستقبل سكّاناً. ومن الصعب للغاية أن نفترض أنّ إبعاد الفلسطينيين هو أولويّة سياسية للحكومة الأميركية. فما هي المصلحة الأساسية المحتملة للأمن القومي التي قد تخدمها هذه الخطّة؟ ومهما كانت خطط الاستحواذ على غرينلاند أو قناة بنما، فإنّ أميركا، على الأقلّ، ستكون المستفيد النهائي منها. أمّا المساعدة في تطهير غزة عرقياً من الفلسطينيين فالإفادة منها ليست كبيرة. بل إنّها ستزيد من تآكل مكانة أميركا في العالم”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.