مصير الفلسطينيّين بين أيدي حركتين صهيونيّتَيْن

7

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

مع دخوله، أو عودته إلى البيت الأبيض، أضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب شمعة على المبادئ العامّة لسياسته في الشرق الأوسط. وفي ضوء هذه الشمعة نقرأ عنواناً عريضاً حول توطين أهالي غزة في مصر والأردن. ونقرأ أيضاً الربط بين المساعدة على إعادة إعمار بيوت أهالي غزة وجغرافية المكان الجديد.

مع هذه الإطلالة نقرأ أيضاً سحب وإلغاء الإدانات للمستوطنين الإسرائيليين، الذين ارتكبوا جنايات قتل أبرياء من أهالي قرى ومدن الضفّة الغربية، وأحرقوا مزارعهم ودمّروا بيوتهم وممتلكاتهم لحملهم على مغادرتها.

 سبق للرئيس الأميركي أن اتّخذ في ولايته الرئاسية الأولى السوابق أو المبادرات التالية:

1- الاعتراف بالقدس، بقسمَيْها الشرقي والغربي المحتلّين، عاصمة لإسرائيل.

2- نقل مقرّ السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

3- الاعتراف بحقّ إسرائيل في ضمّ مرتفعات الجولان التي احتلّتها من سورية.

4- التعامل مع إسرائيل عسكريّاً على أنّها الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.

تضيء قراءة ما بين سطور هذه الوقائع على أسماء الشخصيّات التي اختارها الرئيس ترامب في إدارته. والأكثرية الساحقة من هذه الشخصيات هم إمّا من الحركة الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة، أو من الحركة الصهيونية المسيحانية. يؤمن أعضاء الحركة الأولى بالولاء المطلق للمسيح العائد، وبأنّ عودته لن تكون إلّا في مجتمع يهودي، وفي الهيكل اليهودي (بيت المقدس).

لا ينتمي الرئيس ترامب ثقافياً ودينياً إلى أيّ من الحركتين الصهيونيّتين. إنّه ينتمي لنفسه ولمصالحه. ولكنّه يجد في الحركتين أداة للوصول، ولقد وصل بالفعل. وعليه الآن أن يدفع الثمن من حقوق الشعب الفلسطيني… أو ممّا بقي لهذا الشعب المنكوب من حقوق في ذمّة المجتمع الدولي.

ليست النّكبة الأولى

نكبة غزة الحالية ليست الأولى في تاريخ هذا الجزء من فلسطين. لقد سبق أن شنّت عليها إسرائيل حروباً، انتهت جميعها إلى مزيد من الخسائر البشرية والمادّية، وإلى مزيد من التمسّك بالحقّ الوطني المغتصب. احتلّت إسرائيل جزءاً منها وأقامت عليها مستوطنة واسعة، لكنّها اضطرّت إلى تفكيكها والانسحاب منها بقرار من أحد قادتها العسكريين الجنرال أرييل شارون.

الآن تخرج غزّة من تحت الدمار الانتقامي على يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعدما فشل في تحويلها إلى شوكة في خاصرة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. توهّم نتنياهو أنّ باستطاعته توظيف الصراع التنافسي على السلطة بين حركتَي فتح وحماس بدعم وتشجيع أحدهما على الآخر.

الصّدمة الكبرى

كانت إسرائيل نتنياهو تعرف بتسلّح حماس وباستعداداتها العسكرية، لكنّها كانت تغضّ النظر عنها لأنّها كانت تتوقّع أن تكون هذه الاستعدادات موجّهة نحو السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية. ولكنّ الذي حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كان على العكس من ذلك. ومن هنا كانت الصدمة الكبرى.

لقد فشلت الدبلوماسية السياسية العسكرية لإسرائيل في تفجير الفتنة داخل المجتمع الفلسطيني (غزّة والضفّة). وفشلت قبل ذلك سياسة الاستيطان الإلغائي للوجود الفلسطيني التي لم تعتمدها إسرائيل في الضفّة والقطاع فقط، إنّما داخل فلسطين 1948 أيضاً.

فشلت دبلوماسية التهجير الإغرائي، ودبلوماسية التهجير الإلغائي. والآن يحاول الرئيس ترامب نسقاً جديداً من التهجير يجمع بين الاثنين: الإغرائي عن طريق تمويل مشاريع الاستيطان في سيناء مصر وفي الأردن، والإلغائي عن طريق المساعدات العسكرية لإسرائيل وتبنّي سياستها التهجيرية لأهالي قطاع غزة المنكوبين.

يحاول الرئيس ترامب أن يشقّ طريقاً فرعية في “الأوتوستراد” الإبراهيمي تمرّ عبر غزة لتشمل مصر والأردن. تعيد هذه الدبلوماسية إلى الأذهان حادثة “مرج الزهور” عندما هجّرت إسرائيل قيادات فلسطينية إلى هذه المنطقة من جنوب لبنان إثر الانتفاضة الأولى في الضفّة الغربية.

رواية إبراهيم

في مرتفعات شبعا التي تحتلّها إسرائيل،  يوجد سهل واسع. تذكر الرواية أنّ نبي الله إبراهيم أقام فيه فترة من الوقت، وتقول هذه الرواية إنّ معجرة إحياء الموتى (إحياء الطيور) حدثت هناك. فقد سأل إبراهيم ربّه قائلاً: ربِّ أرني كيف تحيي الموتى. قال (الله): أولم تؤمن؟ قال إبراهيم: بلى ولكن ليطئمنّ قلبي.

عند ذلك أمر الله إبراهيم أن يأخذ أربعة من الطير وأن يذبحها ويقطّعها إرباً ثمّ أن يضع فوق كلّ قمّة من قمم التلال المحيطة به قطعة منها، وأن يقف بعد ذلك في وسط السهل الواسع ويدعو هذه الطيور المذبوحة والمقطّعة فتأتي إليه سعياً. وهو ما حدث هناك.

من هنا (من لبنان)، مرّ إبراهيم (عليه السلام)، فهل يقحم في برنامج “الطريق الإبراهيمي”؟ وهل تمرّ هذه الطريق عبر مرتفعات شبعا (؟)… أو تلتفّ عليها؟

يحاول الرئيس ترامب أن يلعب دور إبراهيم بذبح الشعب الفلسطيني وتقطيعه إرباً، كما فعل إبراهيم بالطيور الأربعة (بعدما تمّ توزيع قسم منه على سورية ولبنان أيضاً). أمّا معجزة تجميعه مرّة ثانية فأمرها متروك لله أو ربّما متروكة للمسيح الذي تنتظره الصهيونية اليهودية، أو المسيح العائد الذي تستعدّ لاستقباله الصهيونية المسيحانية.

محمد السماك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.