مشروع ولاية الفقيه حوّل الجنّة إلى صحراء [الحلقة الثانية والأخيرة]

9

كتب عوني الكعكي:

تحدثنا بالأمس كيف كانت إيران أيام الشاه، واليوم سنتحدث كيف أصبحت تحت حكم ولاية الفقيه.. هذا النظام هو صنيعة وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر الذي طلب من الشاه أن يشن حرباً على العراق، لأنّ إسرائيل لا يمكن أن تعيش في ظل وجود الجيش العراقي القوي الذي منع إسرائيل من احتلال دمشق في حرب 6 أكتوبر المجيدة.

آية الله الخميني، كما هو معروف، كان يعيش في العراق هارباً من الشاه، فجاء به كيسنجر الى باريس وتولّت المخابرات المركزية الأميركية تهيئة الظروف لتسلم الحكم بدل الشاه، فاستأجرت له منزلاً وحضّرته للعودة الى إيران وتسلم الحكم.. هذا ما حصل تحت شعار التشييع، أي أن يعمل على تشييع أهل السنّة في العالم العربي، وكانت البداية بإعلان حرب على العراق دامت 8 سنوات. تلك الحرب التي دمّرت الجيش الإيراني والعراقي وكلّفت 2000 مليار دولار لكلّ من البلدين.

بعد احتلال أميركا للعراق عام 2003 كان المستفيد الأول من هذا الاحتلال نظام الملالي الذي أوفد اللواء قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، هذا الرجل سرق المال العراقي الذي يدخل الى خزينة العراق من استخراج النفط، مع العلم أن العراق من بين أوائل الدول المصدّرة للنفط في العالم.

وبدل أن يستفيد الشعب العراقي، بعد الكارثة التي حلّت به جرّاء الاحتلال الأميركي، زادت سرقة مال النفط مما زاد الصعوبات التي يعاني منها العراق.. وبينما كان العراق يعتبر من البلاد النفطية أصبح بلداً فقيراً… لا كهرباء ولا طرقات ولا مشاريع، والجيش متروك من دون رواتب، مما أفسح المجال لوجود الميليشيات التي كانت تدفع رواتب عناصرها من الخزينة العراقية ومن مال النفط الذي كان يجب أن يُصرف على الشعب وتنمية البلد… وهكذا وبفضل نظام ولاية الفقيه أصبح العراق الغنيّ من البلدان الفقيرة.

أما سوريا فيكفي أن نقول إنه عندما توفي الرئيس حافظ الأسد عام 2000 كانت بلداً مستقراً مزدهراً وليس عليه دين ولا دولار واحد، وبفضل غباء بشار الأسد وسيطرة اللواء قاسم سليماني أصبح النظام السوري من أسوأ الأنظمة في العالم.. ويكفي أن الثورة التي قام بها الشعب ضد النظام، والتي كلفت مليوناً وخمسماية ألف شهيد وتشريد نصف الشعب السوري، أي 12 مليوناً هربوا من الحروب. باتت سوريا بلد منهارة اقتصادياً مديونة، هرب بشار وأخذ ما استطاع من البنك المركزي من أموال الشعب، وما حققه من تجارة الكبتاغون. وهكذا أصبحت سوريا بلداً فقيراً لا يستطيع الفقير أن يعيش ولو حياة بسيطة عادية، حتى أصبح راتب الجندي 30 دولاراً في الشهر وتقدّم له وجبة واحدة يومياً عبارة عن «رأس بطاطا مسلوق».

أكتفي أن أقول إنّ إيران تلك البلاد الجميلة أصبحت وللأسف بلاداً ممزقة اقتصادياً حيث تقدّم الدولة 30 يورو الى كل مواطن من 50 مليوناً بسبب الفقر، إضافة الى البيوت التي تهدمت في الفيضان وهي لا تزال بحاجة الى أموال لترميمها.

كذلك، فإنّ الوضع السياحي شبه معطل ويقتصر على السياحة الدينية المحدودة.

على كل حال، باختصار جنّة إيران أصبحت صحراء قاحلة حين انتقل الحكم من الشاه الى دولة ولاية الفقيه. وللعلم فإنّ دول الخليج والمملكة العربية السعودية كانت قبل الخمسينات بلاد فقيرة وصحارى على مدّ النظر، لا مداخيل فيها إلاّ في موسم الحج وتصدير التمر بكميات قليلة… اليوم كيف أصبحت المملكة العربية السعودية، التطوّر الذي حصل يمكن اختصاره بأنّ الصحراء أصبحت جنّة، البنايات تشبه الى حدّ كبير مباني المدن المهمة في أميركا، مثل نيويورك أو لاس فيغاس أو واشنطن أو ديترويت، علماً بأنّ أهم جامعات أميركية وفرنسية لها فروع في الرياض. كما ان أهم المستشفيات الأميركية لها فروع في الرياض وفي خُبَر.

ويكفي أن الإنجازات على الصعد السياحية، إذ أصبحت تشبه الى حد كبير معالم لندن وباريس و «كان» و «مربيلا» وطبعاً لا تنسوا لاس فيغاس.

هذا الكلام ينطبق على دبي المدينة التي لا تنام، ويكفي أن نستشهد ببرج خليفة وغيره من المعالم السياحية الكبرى. فدبي باتت صورة جنّة سياحية أيضاً على الأرض.

إنّ هدف دولة ولاية الفقيه ظاهرياً، مقاومة الهيمنة الأجنبية والاستعمار والاحتلال… لكن هدف ولاية الفقيه الحقيقي هو ضمّ الميليشيات الشيعية المسلحة التي أنشأتها والتي تشارك في النزاعات الأهلية في اليمن (الحوثيون) والعراق (الحشد الشعبي وحزب الله العراقي وأنصار الحق الخ…) وسوريا من خلال حكم الأسد ولبنان من خلال حزب الله الذي أشرنا الى كيفية تأسيسه وأهداف هذا التأسيس… كما توصلت دولة الفقيه الى التنسيق مع حركتي حماس والجهاد في فلسطين.

سادساً: إنّ النظام الديني في إيران (ولاية الفقيه) حاول أن يصدّر ثورته الى المنطقة العربية تحديداً والعالم الإسلامي عامة.

وأنتقل الآن الى التداعيات التي خلفها هذا المحور في العالم العربي والتي أدّت الى إفقار وتخريب الدول والجماعات المنتمية الى هذا المحور. ففي غزة مثلاً دفعت إيران حماس والجهاد الى شن عملية طوفان الأقصى رغم نفيها بمعرفة موعد العملية، وهذا شيء جيّد… لكنها تخلت عن المقاومة الفلسطينية هناك وتظاهرت بردود فولكلورية أدت بالتالي الى تمكين إسرائيل من إطالة حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين. وكأنّ الهدف كان تكريس المشروع الصهيوني، وطمس القضية الفلسطينية. في الوقت نفسه كانت دولة الفقيه تغازل وتحاور أميركا لقبض الثمن من خلال الموافقة على الاتفاق النووي. هذا إضافة الى ما ذكرناه عن العراق وسوريا وحتى في إيران نفسها.

إنّ ما قدمته ثورة ولاية الفقيه منذ أكثر من أربعة عقود من الشدّ والجذب… انعكس على دول عدة وخصوصاً دول محور الممانعة، إضافة الى ما دفعه العالم العربي كله من أثمان باهظة، كان في غنى عنها.

ختاماً أقول إنه وسط الزجاج المحطم والدمار الهائل في كافة دول محور الممانعة، تناثرت صور المرشد الأعلى الايراني آية الله علي خامنئي ممزقة على أرضية السفارة الايرانية في دمشق. كما أصيبت دولة الملالي بسقوط حليف رئيسي هو الرئيس الفار بشار الأسد. كما أصيبت دولة الملالي في الصميم في كسر شوكة حزب الله اللبناني باستشهاد أمينه العام وكبار قادته بعد عمليات «البيجر» الملغومة واللاسلكي المفخخة وتدخل إسرائيل مباشرة من خلال عدوانها على لبنان في إضعاف «الحزب»، وبعد نكبة فلسطينيي غزة، تلك المنطقة الفلسطينية الغالية التي تحوّلت الى ركام، وتحاول أميركا اليوم شراءها… وبعد انكماش ميليشيات العراق وتراجعها عن دورها، والهجمات التي أثقلت كاهل الحوثيين وقضت على كل معالم الحياة في اليمن السعيد.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.