مسؤول أمنيّ: إسرائيل تحتاج إلى حوار وطنيّ.. بلا نتنياهو

20

إيمان شمص
«أساس ميديا»
الحرب الشاملة بين إسرائيل والحزب بعيدة كلّ البعد عن أن تكون حتمية لأنّ الولايات المتحدة ستبذل كلّ جهد ممكن لمنعها وفقاً للدبلوماسي والمسؤول الإسرائيلي الأمني السابق عيران عتصيون، الذي رجّح استمرار “حرب الاستنزاف الحالية في غزة وعلى حدود جنوب لبنان”. وحذّر من “التطبيع” مع الحرب في غزة، مشدّداً على أنّ الحلّ في إسرائيل لعدم تكرار 7 أكتوبر هو إزالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم.
عتصيون الرئيس الحالي لقسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية. وهو شغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي خلال حرب تموز 2006 بين إسرائيل ولبنان.
يعتبر أنّ “المجتمع الإسرائيلي لا يزال يترنّح بعد مرور ما يقرب من عام منذ السابع من أكتوبر التي تسبّبت بأسوأ صدمة وطنية لإسرائيل منذ إنشاء البلاد في عام 1948”. ويرى أنّه “فقط من خلال حكومة جديدة وإصلاحات كبرى وفترة من فحص الذات يمكن لإسرائيل أن تأمل تحويل هذه الصدمة الوطنية إلى ولادة وطنية جديدة. فقد هزّ هجوم حماس الإسرائيليين في الصميم. وأعاقت الإجراءات الداخلية التي اتّخذتها حكومة بنيامين نتنياهو قدرتهم على استعادة توازنهم. فالمحاولات، التي سبقت الهجمات لإضعاف المؤسّسات الديمقراطية مثل المحكمة العليا، ما زالت مستمرّة، وإن كانت تحظى بقدر أقلّ من الاهتمام بسبب الحرب في غزة. وعندما يتعلّق الأمر بتغطية أخبار الحرب، فإنّ الإسرائيلي العاديّ يتلقّى دعاية حكومية بشكل متكرّر. فالمؤيّدون لرئيس الوزراء نتنياهو يسيطرون على قدر كبير من وسائل الإعلام الإسرائيلية. وقد وسّعوا هذه السيطرة منذ العام الماضي”.
المقال نشره موقع “المعهد الملكي للشؤون الدولية”، المعروف باسم “تشاتام هاوس”. وهو مؤسّسة بحثية بريطانية مقرّها لندن، تتلخّص مهمّتها المعلنة في “مساعدة الحكومات والمجتمعات على بناء عالم آمن ومزدهر وعادل على نحو مستدام”.
3 مسارات أمام إسرائيل
يكتب عتصيون أنّ “معظم الإسرائيليين أدركوا أنّ بلادهم لن تفوز بالحرب. وهم يحاولون النظر إلى ما هو أبعد من الهاوية الحالية. وما يرونه هو ثلاث مسارات محتملة:
1- وضع طبيعيّ جديد
يرجّح عتصيون أن يستمرّ الوضع الراهن وحرب الاستنزاف في غزة وعلى الحدود الشمالية مع لبنان. وبينما كان يمكن حتى بضعة أشهر مضت، اعتبار هذا الأمر غير قابل للتصوّر، أصبح الوضع الآن هو “الوضع الطبيعي الجديد”. والسبب هو تصميم نتنياهو على الحفاظ على منصبه كرئيس للوزراء، وحاجته إلى التخلّص من الإجراءات الجنائية القائمة ضدّه بتهمة الرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، وتجنّب التحقيقات في مخالفات مزعومة أخرى. بالإضافة إلى عامل رئيسي آخر هو أميركا. فلو كان هناك رئيس أقوى من جو بايدن لكان أغلق الجبهات النشطة في غزة ولبنان. واليوم يتطلّع نتنياهو إلى إمكانية إدارة ثانية لدونالد ترامب تخفّف الضغوط على سلوك حكومته في غزة. كما أنّ “تطبيع” الحرب في غزة ستترتّب عليه عواقب وخيمة على إسرائيل. وقد تخضع لعملية “جنوب إفريقية”، مع المزيد من العقوبات والمقاطعات وسحب الاستثمارات من الدول الإقليمية والأوروبية وغيرها من الدول ذات التفكير المماثل. وإذا فازت كامالا هاريس برئاسة الولايات المتحدة، فقد تنضمّ الولايات المتحدة تدريجياً إلى هذه الموجة. وقد بدأت بفرض عقوبات على أفراد اليمين المتطرّف والمنظّمات المرتبطة بالمستوطنين في الضفة الغربية. بينما ستواصل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، بعد تدخّلاتهما هذا العام، فرض قيود على الحكومة ككلّ، وعلى “الأشخاص المعنيّين” بما في ذلك نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، والشخصيات العسكرية وغيرهم.
2- خطر حرب شاملة
الاحتمال الآخر، وفقاً لعتصيون، هو امتداد الصراع إلى حرب إقليمية كاملة. وهو ما يؤدّي إلى مستويات غير مسبوقة من الدمار في إسرائيل ولبنان وربّما إيران. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة منعت أخيراً تبادل الهجمات الصاروخية بين إسرائيل والحزب من التصعيد إلى حرب شاملة، فإنّ خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً لا يزال قائماً. وإذا تحقّق فسيكون على نطاق لن تتمكّن أميركا نفسها من اختصاره وخلق مظهر من مظاهر النصر. وسيلقي هذا الصراع بظلاله على أيّ ساحة عالمية أخرى، بما في ذلك أوكرانيا والانتخابات الأميركية. وسترتفع أسعار النفط، ويتمّ تقييد الحركة البحرية والجوّية عبر المنطقة بشكل أكبر. وسيوجد ذلك فرصة استراتيجية لروسيا لإغراق السياسات الأميركية في كلّ من الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. وستتدفّق حركات الجهاد العالمية والمحلّية المحفّزة إلى لبنان عبر حدوده التي يسهل اختراقها مع سوريا. لذلك ستبذل الولايات المتحدة كلّ جهد ممكن لمنع مثل هذا الصراع والحدّ منه إذا اندلع.
3- نحو صفقة كبرى؟
بالنسبة لعتصيون، ربّما يكون السيناريو الأقلّ احتمالاً هو “صفقة كبرى”، برئاسة الولايات المتحدة، تُرغَم إسرائيل وحماس والحزب وإيران بموجبها على وضع حدّ للحرب في غزة والجبهة الثانية في لبنان وجميع الجبهات الأخرى التي تقودها إيران في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى. وهذا من شأنه أن يمهّد الطريق لاتفاقية تطبيع بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، وبالتالي إحياء المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية.
لكن كي تكون هناك أيّ فرصة لمثل هذه “الصفقة الكبرى”، فإنّ الشروط الضرورية، وإن لم تكن كافية، هي تغيير الحكومة في إسرائيل وإقالة نتنياهو. ونظراً لعدم الحاجة إلى إجراء انتخابات عامة قبل عام 2026، فإنّ الطريق إلى هذه النتيجة صعب.
وكما يشير عتصيون فإنّ نتنياهو لا يحظى بشعبية كبيرة داخل إسرائيل. في استطلاع للرأي في تموز، قال 72% من الإسرائيليين إنّه يجب أن يستقيل بسبب الإخفاقات التي أدّت إلى 7 أكتوبر. ويواجه الائتلاف الحاكم انتقادات متزايدة بشأن غزة ولبنان وعجزه عن تحقيق أهدافه في الحرب. وقد تؤدّي قضية التجنيد العسكري للمجتمع الأرثوذكسي المتطرّف إلى الإطاحة به. ففي حزيران، ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية إعفاء الأرثوذكس المتطرّفين من الخدمة العسكرية. وقد لا يبقى أمام الحزبين الأرثوذكسيَّين المتطرّفين في الائتلاف أيّ بديل سوى ترك الحكومة لوقف التجنيد.
حوار قبائل
لكن أيّاً كان تشكيل الحكومة المقبلة، فلا بدّ، في رأي عتصيون، أن تعمل لتغيير جذري في المسار الاستراتيجي لإسرائيل للأسباب الموضّحة أعلاه، وإعداد البلاد لإصلاحات تاريخية كبرى. فأغلب الإسرائيليين يريدون طيّ هذه الصفحة والبدء بعملية التعافي وإعادة البناء الوطنية هذه. وكثر يعتقدون أيضاً أنّ الجهد الوطني يجب أن يركّز على الاستعدادات لحرب “حاسمة” شاملة ضدّ الحزب وإيران ووكلائها الإقليميين الآخرين. ومع ذلك لا بدّ أن تشمل إعادة بناء البلاد إعادة بناء المؤسّسات الوطنية، بما في ذلك قوات الدفاع الإسرائيلية، والشرطة، والكنيست، وتشريع الفصل الحقيقي بين السلطات ووضع دستور جديد لمنع أيّ تكرار لانقلاب استبدادي. وستتعرّض ميزانية الدولة لضغوط هائلة، مع خضوع الجنوب والشمال لإعادة الإعمار. وستبتلع ميزانية الدفاع عشرات المليارات من الدولارات من التمويل الإضافي، وسيستمرّ الاستثمار الأجنبي في الانتظار.
يرى المسؤول الإسرائيلي أنّ الحوار الوطني المؤلم سيحتاج إلى صياغة وإدارة للقضايا الأكثر حساسية مثل فصل السلطات بين فروع الحكومة الثلاثة، والاستراتيجية العامة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتعامل مع إيران باعتبارها دولة على عتبة نووية، وفرض الخدمة العسكرية على المجتمعات الأرثوذكسية المتطرّفة وأكثر من ذلك.
قد يشبه هذا الحوار الحوارات الوطنية التي جرت في دول إفريقيا ما بعد الصراع، مثل تونس بعد الربيع العربي، أو في تشيلي بعد نهاية الديكتاتورية العسكرية. وستحتاج “القبائل” المتنافسة داخل السياسة الإسرائيلية إلى التوفيق بين خلافاتها، والنجاح ليس مضموناً بأيّ حال من الأحوال.
هل يمكن تحويل الصدمة الوطنية إلى ولادة وطنية جديدة؟
يعتقد عتصيون أنّ “تاريخ الشعب اليهودي يشير إلى إمكانية ذلك. فالغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين تتّفق على أنّ كارثة 7 أكتوبر يجب أن تكون تذكيراً صارخاً بما هو في إسرائيل بمنزلة وصية 11، وهي أنّ 7 أكتوبر “لن تتكرّر أبداً”.
إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.