مخططات هندسية تقضم مساحات عمرانية في القصير وداريا…
جوانا فرحات
تبدو مقاربة الكلام عن ملف النزوح السوري الذي شهد مرحلة غليان على المستويين الداخلي والأممي في غير محلها، مقارنة مع حماوة الأحداث المشتعلة على جبهة الجنوب والتهديدات الإسرائيلية بتوسعها.
لكن توازيا يبدو أن العمل على المخططات الهندسية في مناطق القصير وريف حمص وسواها من البقع الجغرافية التي يسيطر عليها حزب الله باتت شبه منجزة وتتضمن قضم مساحات من الأرض لإنشاء حدائق وأماكن ترفيهية إضافة إلى مستديرات بمساحة 250 كلم وذلك بهدف تضييق مساحات العمران وحرمان السوريين المعارضين من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم.
وتعتبر منطقة القصير الواقعة على الحدود السورية – اللبنانية والخاضعة لنفوذ الحزب معبراً آمناً لتمرير السلاح والمسلحين إلى الداخل اللبناني، وموقعاً استراتيجياً يسمح بمراقبة الحدود مع لبنان وقرية القصر اللبنانية في منطقة الهرمل. إضف إلى ذلك أنها تشكل معقلا لإيران ومجموعاتها في سوريا ونقطة عبور لتهريب الأسلحة إلى لبنان، ومسقط رأس العدد الأكبر من النازحين السوريين المنتشرين على الأراضي اللبنانية ويتوزعون بين قضاء جبل لبنان وعكار وعرسال في لبنان. فهل تكون المخططات التي ترسم على نار الحرب في الجنوب بمثابة إقرار رسمي باستحالة عودة حوالى 500 ألف نازح سوري من المعارضين للنظام؟
الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي يشير عبر”المركزية” ألى انه رغم طغيان أحداث كبرى على مشكلة النزوح السوري ما يجعلها تغيب عن واجهة الأخبار أو لم تعد محور اهتمام مباشر للشعب والمسؤولين والقيادات اللبنانية “إلا أن تواتر المعلومات عن ترسيخ الفرز السكاني في مناطق معينة من سوريا خصوصا منطقتي ريف حمص وصولا إلى القصير وريف دمشق إمتداداً إلى القلمون المحاذية للبنان، يُعيد تسميم هذا الموضوع وفتحه من باب الخطورة على تغيير الديمغرافيا اللبنانية نفسها”.
والواضح يتابع “أن حزب الله وبمساندة الحرس الثوري الإيراني وبعض وحدات جيش النظام السوري يتابعون معا تنفيذ هذا المخطط الهندسي خصوصا في منطقة القصير وجوارها بحيث تستحيل عودة النازحين إليها بفعل التغيير الجغرافي الحاصل. وبات واضحا أن النازحين السوريين من هذه المناطق وهم من السنة يتوزعون في لبنان على المناطق السنية والمسيحية والدرزية، بينما يسعى حزب الله إلى إبعادهم عن مناطقه سواء في بعلبك -الهرمل أو في الجنوب أو في الضاحية الجنوبية”.
إبعاد النازحين السوريين المعارضين للنظام عن بيئة حزب الله يجعلهم ورقة ضغط على البيئات الثلاث الأخرى بينما تبقى بيئته صافية بنسبة كبيرة ولا تتأثر بهذا الثقل البشري. هكذا يقدّر حزب الله نتائج فرز النازحين. في حين يلفت الزغبي إلى أن “الخطر نفسه سيدق آجلاً أبواب البيئة الشيعية فيكون ما حققه الحزب من مكاسب داخل القصير والقلمون مسألة عابرة بحيث سيرتد الثقل السكاني السوري ذات يوم على البيئة الشيعية نفسها .لذلك فإن أهون الشرور أن يعمل حزب الله جاداً لتأمين عودة هؤلاء النازحين إلى مناطقهم داخل سوريا، لأن بقاءه هناك غير مستقر وغير دائم، بينما أساس وجوده هو في المناطق اللبنانية ،وليس من مصلحته الإستراتيجية أن يُبقي على النازحين السوريين في لبنان ولو كان ثقلهم وخطرهم لا يضغطان الآن على بيئته. ومجمل هذه القضية تعود في عمقها إلى حقيقة انتماء حزب الله قبل أن يكون ذراعاً للمشروع الإيراني من التغيير الديمغرافي الواسع في المنطقة”.
حتما ليس المطلوب التوقف أو الكلام حصرا عن أزمة سيطرة حزب الله ومحاولته تغيير الوجه الديمغرافي في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا، إنما الضرورة تقتضي البحث عن حلول لإعادة النازحين السوريين معارضين أو غير معارضين للنظام.
في السياق يقول الزغبي إن مشكلة النازحين المعارضين تفرض وسائل حل مختلفة تكون للمجتمع الدولي والأمم المتحدة وخصوصا أوروبا خطط جديدة لإعادة المعارضين السوريين إلى مناطق آمنة بالنسبة إليهم في حال تعذر إعادتهم إلى المناطق الأصلية التي غادروها بفعل موانع إيران وحزب الله والنظام السوري.
ويشرح أن خطورة التغيير الديمغرافي في القصير يعود إلى ملاصقتها على الحدود اللبنانية كما منطقة القلمون وكونها منطقة نفوذ صافية للحزب ومفتوحة على كل الموبقات من تهريب ومخدرات وجرائم قتل وخطف وتصفية كما حصل مع منسق مدينة جبيل في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان.
إستحالة إعادة النازحين إلى القصير والقلمون حتى يكون هناك حل سياسي في سوريا لا يعني الإستسلام للواقع ويطرح الزغبي حليَّن: الأول يقوم على عدم منعهم من إعادتهم إلى مناطق آمنة تسيطر عليها المعارضة خصوصا في الشمال الغربي من سوريا أي منطقة إدلب وامتدادا باتجاه الغرب.
ويتمثل الحل الثاني بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 والذي يشكل أساسا صالحا للحل السياسي في سوريا وربما هذا يتطلب بعض الوقت شرط ألا يتم استغلال هذا الوقت لتثبيت النازحين في المناطق التي يقيمون فيها سواء في عرسال ومحيطها أو في أنحاء بقاعية أخرى إمتداداً إلى جبل لبنان”.
واستطرادا يستشهد الزغبي بمنطقة بشري التي شكلت نموذجا رائدا في ضبط هذا النزوح وتلتحق بها مناطق أخرى مثل البترون والكوره، “على أن لا يقتصر الأمر على تغيير أماكن السكن داخل الأراضي اللبنانية إنما فتح الحدود البرية برعاية دولية وأممية إعادة كل نازح غير شرعي إلى سوريا”.