متحدّياً طهران وتل أبيب: مظلوم عبدي ينتقم للشّرع
بقلم د.سمير صالحة
«اساس ميديا»
من غير المستغرب أن تشتعل الأجواء في الساحل السوري ذي الكثافة السّكّانية العلويّة، وأن نرى ارتدادات هذا الاشتعال تتفاعل في أكثر من مكان، وأن يحمل معه هذا التفجير، برغبة إيرانية إسرائيلية وعبر ما بقي من فلول النظام السابق، نقاشات سياسية وإعلامية واسعة واكبتها اصطفافات وانقسامات حول مجريات الأحداث وتأثيرها على سوريا والمنطقة.
احتمال كبير أن تكون تركيا هي الدولة الثانية بعد سوريا الأكثر تفاعلاً مع اشتعال الوضع في الساحل السوري. السبب ليس فقط رقص إيران وإسرائيل على معزوفة واحدة، والتقاء مصالحهما وأهدافهما في الداخل السوري وفي مواجهة السياسة التركية، بل لوجود شريحة سكّانية واسعة من العلويين الأتراك الذين تربطهم قرابة بعلويّي الجانب الآخر من الحدود، وأقلقهم ما يجري في غرب سوريا، كما يقول رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
يردّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمام منصّة دول الجوار السوري المجتمعة في العاصمة الأردنية أنّ “هناك من يريد إخراج سوريا عن مسارها الجديد عبر القيام بأعمال التحريض والاستفزاز”. ويعلن مساعد رئيس الجمهورية التركي جودت يلماز أنّ “محاولة عرقلة خروج سوريا من محنتها التي يقودها فلول النظام السابق وبعض من يتحرّك خارج القانون لن تنجح”. ما يقلق أنقرة ليس فقط ما يجري في مناطق الساحل السوري لأنّ الأوضاع سيتمّ تطويقها هناك، بل احتمال انتقاله إلى مناطق سوريّة أخرى في الجنوب والشرق تحت طابع مذهبي وعرقي، وهو ما يعقّد الوضع الأمنيّ والسياسي أكثر فأكثر، واستهداف سياسة تركيا السوريّة وعلاقاتها مع الحكومة السورية الجديدة التي تحوّلت إلى شراكة استراتيجيّة تثير غضب المتضرّرين من ذلك، وفي مقدَّمهم إيران وإسرائيل.
مفاجأة كبرى
كان من المفترض أن تركّز هذه المادّة على مواصلة الحديث عن الخطر المحدق بسوريا بعد انفجار الأحداث في الساحل، وأن يدور الحديث عن الوضع الأمنيّ والسياسي الصعب الذي ينتظر سوريا الجديدة بعد إشعال جبهة الساحل، لكنّ الرئيس السوري أحمد الشرع دفعنا إلى تغيير المسار والحديث عن الإنجاز الثاني الكبير الذي يحقّقه خلال 3 أشهر على طريق بناء سوريا الجديدة عبر تفاهماته المفاجئة مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية التي قلبت الطاولة في اللحظة الأخيرة.
عندما كانت:
– نقابة محامي مدينة هطاي تستعدّ لتقديم شكوى ضدّ أحد الإعلاميين المقرّبين من حزب العدالة بسبب مقالته عمّا يجري في الساحل السوري بتهمة إثارة النعرات.
– وكانت قيادات حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض تعرب عن قلقها من “تصاعد العنف ضدّ العلويين في اللاذقية ومحيطها، وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، والمخاوف من ارتكاب مجازر ضدّ الأقلّيات”.
– العديد من الأصوات والمنظّمات الدولية كانت تدعو إلى إجراء تحقيقات فوريّة وشفّافة ونزيهة في جميع عمليات القتل والانتهاكات التي حدثت في الساحل السوري، ومحاسبة المسؤولين عنها.
– الخارجية الروسيّة كانت تضع اللمسات الأخيرة مع نظيرتها الأميركية على تفاهم الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لطرح مستجدّات الوضع الأمنيّ المتدهور في سوريا. ثمّ تعلن أنّ مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف استقبل السفير التركي في موسكو تانجو بيلغيتش بناء على طلبه، في لقاء جرى خلاله “تبادل معمّق لوجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط مع التركيز على تطوّرات الوضع في سوريا”.
– وكان التصعيد الإعلامي والسياسي الإيراني الإسرائيلي في ذروته في محاولة للاستثمار في تلك الأحداث عبر تحريض الأقلّيات والترويج لـ”جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” وجماعة ” أولي البأس”.
– وكانت السيناريوهات التي تتحدّث عن دور “قسد” في مخطّط تفجير الوضع الأمنيّ السوري تتفاعل وتنتشر.
أعلنت رئاسة الجمهورية السوريّة توقيع اتفاقية بين الشرع وعبدي بعد أسابيع من المفاوضات انتهت بمفاجأة لا تقلّ قيمة عن رسالة أوجلان لعناصر حزب العمّال الكردستاني وداعميه في قنديل وشرق الفرات لترك السلاح وحلّ الحزب وإنهاء العمل المسلّح ضدّ القوات التركية.
حفرة السّاحل
تضمّ الاتفاقية ثمانية بنود أهمّها: الاعتراف بالمجتمع الكردي مكوّناً أصيلاً في الدولة السورية، وضمان حقوقه، ودمج كلّ المؤسّسات المدنية والعسكرية في شمال سوريا وشرقها ضمن إدارة الدولة السورية، وضمان عودة جميع المهجّرين السوريّين إلى مناطقهم مع توفير الحماية اللازمة لهم، ودعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات التي تمسّ أمنها ووحدتها، ورفض دعوات التقسيم.
هناك مراعاة إقليمية ودولية في بعض بنود الاتّفاق للّاعبين المؤثّرين في الملفّ السوري. لكنّ الأهمّ هو ولادته بصناعة سورية – سورية تأخذ في الاعتبار مصالح سوريا وشعبها أوّلاً.
حتّى لو كانت الجهود التركية الأميركية العربية، بعيداً من الأضواء، هي المسهّل والمحرّك، وحتّى لو سبق هذا الإنجاز ما حقّقته أنقرة من خلال إقناع عبدالله أوجلان بالتخلّي عن مواقفه وطروحاته الكردية. وكان عبدي يعلن تبنّيه لما دعا إليه أوجلان قبل انعقاد مؤتمر حزب العمّال من خلال التراجع عن الكثير من المطالب والمواقف السياسية والعسكرية، مخيّباً آمال المراهنين على مشروع سياسي في إطار حكم ذاتي كردي في سوريا. وتسجّل التفاهمات بين دمشق والقامشلي في خانة الشرع الذي كانت طهران وتل أبيب تريدان رميه في حفرة الساحل السوري على أن لا يخرج منها.
د.سمير صالحة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.