ماذا يعني فوز ترامب للمنطقة؟

44

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

واشنطن – ماذا يعني فوز ترامب بمقعد رئاسة الولايات المتحدة باكتساح بالنسبة للعرب والشرق الأوسط؟

ماذا يعني انتصار الرجل الساحق بمقعد الرئاسة والحصول على أغلبية مريحة في المجمع الانتخابي، وبأغلبية 6 ملايين صوت في التصويت الشعبي، بالإضافة إلى سيطرة النواب الجمهوريين على أغلبية مجلسَي الشيوخ والنواب؟

دونالد ح. ترامب هو الرئيس الـ47 في تاريخ الولايات المتحدة.

رجل أعمال قويّ، مقاول شرس، عاشق للميديا، منفلت في الرأي وخارج السيطرة على تصرّفاته، لديه كلّ هذه السلطات المطلقة بشكل غير مسبوق. يمكنه أن يفعل ما يشاء ويصدر قرارات دون مقاومة تذكر من سلطة التشريع بعدما خاض معركة انتخابات حطّم فيها قواعد الوسط واليسار التقليدية في الحزب الديمقراطي.

أصبح دونالد ترامب يقود حركة تابعة له تسيطر على قواعد ومفاصل الحزب الجمهوري الذي تأسّس منذ 240 عاماً.

أصبح الحزب الجمهوري حزب ترامب بالكامل، وجمهور حركته الشعبوية من الأفراد والشركات وله ومن أجله وليست لأفكار أو مبادئ الحزب.

أصبح الرجل ضمانة الحزب ومصدر القوّة الشعبية والترجيح لنوّاب ومصدر تمويله.

السؤال الكبير: هذا الرجل بمثل هذه الشخصية في ظلّ هذه القوّة في خضمّ هذا العالم المضطرب الذي يعاد تشكيله في ظلّ الصراعات الدموية التي تزلزل العالم العربي والشرق الأوسط… ماذا هو فاعل بنا؟

ماذا سيفعل بنا ترامب؟

 1460يوماً بدءاً من 20 كانون الثاني المقبل سوف نعيشها في عصر رئاسة ترامب. فكيف ستكون وماذا ستفعل بنا؟

حتى تكون إجابتنا موضوعية علمية على هذا السؤال يجب أن نعرف أوّلاً من هو الفريق الاستشاري والتنفيذي الذي سيختاره ترامب في هذه الرئاسة.

إذا عرفنا الفريق بعد تسميته يمكن أن نعرف أفكارهم، وبالتالي يمكن توقّع سياستهم تجاه العالم وتجاه المنطقة.

قد يتشكّك البعض في أنّ شخصية ترامب هي شخصية فردية ذاتية هوائية تتحرّك وتتّخذ قرارات غير منضبطة، متجاوزة القانون والدستور المتعارف عليه من مبادئ مستمرّة تاريخياً، بسبب علاقة ترامب بالمنطقة، كما حدث في فترة رئاسته الأولى.

3 خطوات جوهريّة

يقول مصدر سياسي مخضرم وقريب من مركز صناعة القرار في الحزب الجمهوري: “ترامب سوف يظلّ ترامب. لكن هذه المرّة سوف يكون مهتمّاً بثلاثة أمور جوهرية:

1- سوف يحيط نفسه بأهل خبرة أكفّاء في كلّ المجالات.

2- سوف يسعى إلى إثبات قدرته على إحراز نتائج سريعة لمن انتخبوه ولمن ساندوه بقوّة في قدراته.

3- معيار اقتراب ترامب من أيّ قضية خارجية هو مدى مردودها من نجاح في مجالين:

– العائد الاقتصادي.

– حماية الأمن والمصالح الأميركية. ويقول مصدر خليجي مطّلع على مفاصل إدارة ترامب بعمق في فترة الرئاسة الأولى: “المفتاح السحري للتعامل مع الرجل هو مصطلح “The right price”، أي السعر المناسب الذي يمكن أن يغريه أو يفرض عليه أوّلاً الحركة تجاه القضية أو اختيار الأسلوب المناسب لتحقيق الهدف المطلوب”.

من هنا نعود إلى منطق الملياردير، المقاول، رجل الأعمال، المضاف إليه فائض قوّة غير مسبوقة في تاريخ الرؤساء الأميركيين المعاصرين. يقود هذا المنطق إلى السياسة الواقعية القائمة على المصلحة.

بناء على ما سبق لن يقترب الرجل من أيّ ملفّ صراع في العالم أو المنطقة من أجل الوجود أو البحث عن دور ما وحسب، لكن سوف يتدخّل فقط حينما يجد إمكانية مساحة نجاح لدوره تعود عليه بمردود سياسي أمنيّ اقتصادي.

يبقى السّؤال: ما الذي سيفعله ترامب مع نتنياهو؟

يعرف ترامب أنّ “إسرائيل المفيدة” بالنسبة له هي إسرائيل بدون نتنياهو. لكنّه في الوقت ذاته يدعم فكرة تنظيف المنطقة من تهديدات إيران وأتباعها، ويعلم أنّ هذه العملية تحتاج إلى فاتورة “صعبة وقذرة”، وأنّ أقدر من ينفّذها هو نتنياهو.

بشكل انتهازي شديد سيطلب ترامب من نتنياهو أن يكمل عمليّته في تغيير قواعد المنطقة. ثمّ يبدأ بالإمساك بمفاتيح الأمور بعدما يكون نتنياهو قد أنهى عملية التنظيف. بعد ذلك فليأتِ رئيس حكومة آخر لا يضع واشنطن على حافة الهاوية التي قد تضطرها إلى الدفاع عن مصالحها. وهو أمر يرفضه ترامب تماماً.

لأنّ الرجل يؤمن بفكرة “التوكيل” أو “التفويض” لفرد أو شركة أو حتى دولة أخرى، لأنّ ذلك قد يكون أكثر أمناً، وأرخص كلفة، فإنّه في حال التفاهم مع روسيا بوتين قد يوكل إلى موسكو ملفّ العلاقة الإسرائيلية الإيرانية السورية لضبط الصراع بينهم ومنع الانفجار. ولا يهتمّ ترامب بإضعاف دور تركيا في شمال سوريا. ولا يرى أنّ من الحكمة محاولة التدخّل الحالي في صراع السودان. وسوف ينتظر حتى يصل الفرقاء إلى حالة الإنهاك الشديد.

سوريا وليبيا بالنسبة لرؤية ترامب مصدران للنفط. واليمن هو تأمين حركة التجارة في البحر الأحمر والمضائق.

فائض قوّة نتنياهو… قبل دخول ترامب

المدخل لإسرائيل عند ترامب يكمن في أن تصل تل أبيب إلى توفير شروط الرياض وأبو ظبي في “تحقيق الالتزام بمسار واضح للتفاوض محدّد بسقف زمني يفضي إلى حلّ الدولتين”.

المؤكّد أنّ ترامب لن يقدم على أيّ تحرّك شكليّ يحسب عليه بالفشل. بعد فشل بلينكن وهوكستين وسوليفان وبيرنز في التفاوض في المنطقة عشرات المرّات بين عدّة عواصم من دون تحقيق أيّ نجاح ممكن.

ليس الخطر الأكبر الآن في فترة حكم ترامب التي تبدأ يوم 20 كانون الثاني المقبل، بل في الفترة الباقية الانتقالية بين رئيس أميركي منسحب، ونائبة رئيس مهزومة، ورئيس منتخب لديه فائض قوّة غير مسبوق يغري نتنياهو بالزحف إلى أيّ عاصمة في المنطقة دون وجود أيّ ردّ فعل ممكن من واشنطن المعطّلة حتى تنصيب الرئيس الجديد.

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.