ماذا فعلت ولاية الفقيه بأذرع إيران؟!.
كتب عوني الكعكي:
يعيش العالم منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران على وقع حرب مستعرة، إما بشكل مباشر أو عبر أذرع طهران الإقليمية في سوريا (قبل اندلاع الثورة الأخيرة) ولبنان والعراق واليمن، هدفها معركة تشييع السنّة وفق جدول مُعدّ سلفاً، متسلحاً بفكرة تحرير فلسطين وهو ما بدأته عملية فتح سفارة لفلسطين في طهران بدلاً من سفارة إسرائيل، وإنشاء «فيلق القدس» من رحم الحرس الثوري الإيراني بهدف تحرير فلسطين وعاصمتها القدس.
وكانت فكرة ولاية الفقيه حاضرة في صلب الصراع، باعتبارها النظرية التي استطاعت من خلالها إيران حشد قطاع لا بأس به، من المجتمعات والحركات الشيعية خلفها، والزجّ بها في حروب وصراعات إقليمية لا تنتهي. فقرار السلم والحرب بيد الولي الفقيه، كما تؤكد النظرية، ولا اعتراض على أوامر الفقيه الذي يستمد سلطته مباشرة من الله، والمفوّض من الإمام الغائب، لتدبير شؤون الخلق في زمن الغيبة الكبرى.
ولقد حوّل آية الله الخميني، فكرة ولاية الفقيه من نظرية مغمورة في صلب المذهب الشيعي، الى نظام سياسي مكتمل الأركان، فتحوّلت الفكرة على يديه الى واحدة من أنصع تجليّات الشمولية الدينية والحكم الثيوقراطي المطلق.
إذن، فقد بدأت «ولاية الفقيه» بفكرة تقاسم السلطة بين الحاكم والفقيه. وقد تطورت الفكرة مع آية الله الخميني في صيغتها النهائية لتأخذ شكل نظام سياسي مغلق، آلت السلطة المطلقة فيه الى الفقيه، لتجتمع الصلاحيات كلها في يده.
مع الخميني تأصلت النزعة الشمولية للولي الفقيه، وأخذ الاستبداد الفردي صبغة دينية.
ومثلما كانت ولاية الفقيه، أداة للهيمنة داخل إيران، فقد أصبحت أيضاً أداة للتوسّع الخارجي بهدف تشييع السنّة. فكانت عاملاً أساسياً في تكريس الانقسام السياسي، وتأجيج الحروب الأهلية في كثير من المناطق، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق واليمن، لأنّ مجتمعات هذه الدول وجدت نفسها موزعة الولاء بين أوطانها وبين دولة الفقيه في إيران. فتسبب لها ذلك بأزمات في الانتماء والهويّة.
وشكلت ولاية الفقيه، إطاراً أيديولوجياً للتوسع خارج حدود إيران، الى حد بعيد في زرع فكرة الولي الفقيه كما هو الحال مع الحوثيين في اليمن الذين ينتمون الى الفرقة الزيدية، وكما هو الحال مع عدد من الجماعات الشيعية العراقية. الدليل على ذلك ما عبّر عنه أمين عام حزب الله السابق الشهيد حسن نصرالله، عن فخره واعتزازه بصفته «فرد في حزب ولاية الفقيه».
من هنا أقول، إنّ استراتيجية إيران تجلّت في تحويل هذه البلدان الى خطوط دفاع متقدمة عن جمهورية الولي الفقيه، وزجّت بميليشياتها في حرب يدفع فاتورتها آلاف المدنيين، والمنشآت الحيوية، والبنى التحتية والمربعات السكنية والمدارس والمستشفيات.
لكن… وفي خضم هذا التوجه، أدركت شعوب هذه الدول، والحواضن الشعبية، ومنها شعب لبنان، الكلفة الباهظة لولاية الفقيه…
وللتدليل على أن إيران تخلّت عن حلفائها في المنطقة، أذكر الوقائع التالية:
أولاً: ماذا فعلت إيران انتقاماً لمقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في العراق، أكثر من زوبعة في فنجان؟
ثانياً: ماذا فعلت إيران انتقاماً لقصف قنصليتها في دمشق، أكثر من استعراض بعض صواريخ «قيصر عامر» والتي أعلمت أميركا وإسرائيل بوجهتها؟
ثالثاً: ماذا فعلت إيران إزاء ما تعرّضت له «حماس» في قطاع غزة، بعد عملية «طوفان الأقصى».. أكثر من ثرثرة وعملية بيع كلام؟
رابعاً: ماذا فعلت إيران لحزب الله اللبناني في معركته ضد إسرائيل، بعدما كان تعرض لمؤامرة «البيجر»، واستشهاد أمينه العام وكبار قادته… وتدمير البيئة الحاضنة للمقاومة في جنوب لبنان وبقاعه وضاحيته، أكثر من التأييد اللفظي الذي لا يقدّم ولا يؤخر؟
خامساً: لماذا تخلّت إيران عن حليفها الأكثر كلفة؟ فقد أشارت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الى حصول تحوّل دراماتيكي في موقف طهران تجاه حليفها السابق الرئيس الهارب المخلوع بشار الأسد. إذ بعد عقود من الدعم المطلق.. تنصّلت إيران من مصير بشار. فقال عراقجي في تصريحات لافتة أوردها برنامج «فوق السلطة» ضمن إحدى فقراته: «لا يمكننا التنبّؤ بمصير بشار الأسد، فنحن لسنا متنبئين، نحن نعمل وفقاً لما يقدّره الله».
صحيفة «نيويورك تايمز» وصفت هذا التحوّل بالمذهل، مشيرة الى أن إيران لم تكتفِ بالتخلي عن الأسد فحسب، بل تخلّت أيضاً عن كل ما بنته وقاتلت للحفاظ عليه على مدى أكثر من أربعة عقود.
إنّ كل ما ورد، يدلّ بوضوح على أن إيران تخلت عن حلفائها… وقد تتخلّى قريباً عن حلفائها الحوثيين في اليمن وأذرعتها في العراق.
لقد استغلت إيران حالات الأزمات وانهيار الدول في الداخل، لتطوير حلفاء ووكلاء يعتمدون على دعمها… غير أن هذا الاستغلال ظهر على حقيقته في المرحلة الراهنة… بعد تخلي الجمهورية الإسلامية عن حلفائها بالجملة والمفرّق. ولم يتبقَ إلاّ ثورتها التي قد تكون قريباً في مرمى التغيير الجارف.