لـمَن يُعقد اللواء السنّي في لبنان؟

37

بقلم مصباح العلي

أقفل عائداً سعد الحريري الى الإمارات من زيارته السنوية لم تخرج عن المألوف سوى إعلانه وقف تعليق العمل السياسي، وإطلاق صفارة الانطلاق الى الانتخابات التي ستحدّد أحجام وأوزان الفرقاء السياسيين، ما يعني حكماً الانخراط في ميدان العمل السياسي اليوم بكل ما فيه من عثرات وخيبات، وسط انطباع عام بأن زمن الإنجازات مؤجل حتى إتمام الصفقة الكبير في المنطقة.

من ساحة الشهداء، حجز “تيار المستقبل” ساحة سياسية وشعبية شاسعة، سيتحرّك منها حكماً صوب الاستحقاقات القادمة، سيخوض حكماً الانتخابات البلدية كتوطئة نحو المنازلة الانتخابية المصيرية في العام 2026.

هو جهد انتخابي، وهو لا يكفي لعقد اللواء الى زعامة سنّية مطلقة كما كانت أيام المؤسّس الشهيد رفيق الحريري وخلفه سعد، والبعض يأخذ على “المستقبل” اتكاله على شخصية زعيمه الاسطورية لشد العصب الشعبي، فبالتالي ليس من رافعة تنظيمية تواكب الجهد الشعبي وهي ثغرة ليس بمقدور “التيار” معالجتها، خصوصاً في ظل المتغيّرات التي حدثت منذ إعلان الحريري الاعتكاف والانصراف الى ترتيب أوضاع أعماله في الخارج.

ثم من يرى، بأنّ الفراغ عامل مفيد جداً لـ”تيار المستقبل” ويمكن البناء عليه، هذا الفراغ مصمم في الكرسي الثالثة حتى مختلف مفاصل الدولة الادارية والامنية، فلا يمكن القفز فوق حقيقة بأنّ “تيار المستقبل” هو حزب الدولة وتأسس وترعرع في كنفها، هذا الفراغ على كافة المستويات كان يتعامل نجيب ميقاتي معه بكونه فرصة كي يقود المرحلة الانتقالية، لكنه حكماً لم يكن الميقاتي زعيماً سنّياً مطلقاً، طبعاً لا مجال لذكر تجربة حسان دياب التي سرعان ما دخلت غياهب النسيان كونها الدليل الساطع لاضمحلال النموذج اللبناني القائم على شراكة دقيقة في الحكم.

مع حكومة نواف سلام، وفي ظل تزيين الحريري ماكنته التنظيمية نحو الانتخابات، ستسود تكهنات اذا كان رئيس الحكومة يسعى الى منافسة غريمية في الحكم الحريري والميقاتي، خصوصاً في ضوء المعلومات بأنّ الميقاتي يدرس خياراته وهو بوارد الدخول في المعترك الانتخابي والخروج بكتلة نيابية تعيد له الاعتبار السياسي بعد النكسة الأخيرة التي تعرّض لها.

أكثر من ذلك، تتسرّب معلومات عن إمكانية حلف انتخابي يجمع الحريري بالميقاتي في الشمال نظراً لمصلحة الرجلين بناء ثنائية سنّية شبيهة الى حدّ ما بالثنائية الشيعية التي أصبحت نموذجاً يحتذى به.

بالعودة الى العلاقة بين الحريري وسلام، بدا لافتاً الموقف الداعم الذي أبداه سعد الحريري تجاه العهد والحكومة والذي يعتبر مؤشراً لطبيعة العلاقة بين الرجلين خلال المرحلة المقبلة، وفق معادلة احتفاظ نواف سلام بسمة رجل دولة إنقاذي في لحظة استثنائية، مقابل الزعامة الروحية السنّية المعقودة الولاء للحريري على رقعة لبنان وفق متطلبات التوازن في الحكم خلال المرحلة المقبلة.

تبقى الأمور مرهونة بأوقاتها كما بظروفها، فلبنان طالما كانت الصدفة محطة مفصلية، حيث المقولة الشائعة بأن كل ما هو استثنائي قد يأخذ شكل الديمومة.

مصباح العلي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.