لبنان بعد أزمة مالية واقتصادية متعدّدة الأبعاد يحاول الخروج منها في العهد الجديد

16

على مدار ثلاث سنوات تقريباً، تعرض لبنان لأزمة متعددة الأبعاد هي الأكثر إيلاماً وتأثيراً في تاريخه الحديث. إذ تفاقمت الأزمة الاقتصادية والمالية المتواصلة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بفعل التداعيات الاقتصادية المزدوجة لتفشي جائحة كورونا والانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.

ومن بين هذه الأزمات الثلاث، كان للأزمة الاقتصادية الأثر السلبي الأكبر (والأطول أمداً). أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها لبنان تأتي ضمن الأزمات الاقتصادية الأسوأ على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث هوى إجمالي الناتج المحلي الاسمي من قرابة 52 مليار دولار في 2019 إلى ما يقدر بنحو 23.1 مليار دولار في 2021. وقد أدى استمرار الانكماش الاقتصادي إلى تراجعٍ ملحوظٍ في الدخل المتاح للإنفاق. وانخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 36.5% بين عامي 2019 و2021، وأعاد البنك الدولي في يوليو/تموز 2022 تصنيف لبنان ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، نزولاً من وضع الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل. تجدر الإشارة إلى أن مثل هذا الانكماش القاسي يصاحب في العادة الصراعات أو الحروب.

وقد توقف القطاع المصرفي الذي فَرض بشكل غير رسمي قيوداً صارمة على حركة رأس المال عن تقديم القروض أو اجتذاب الودائع. ولكنه يواصل عمله في نظام سداد مُجزَّأ يُميِّز بين الودائع الدولارية الأقدم (قبل أكتوبر/تشرين الأول 2019)، والحد الأدنى للتدفقات الوافدة الجديدة من “الدولارات الجديدة”. ويتعرض أصحاب الودائع الدولارية القديمة لانخفاض حاد في قيمة ودائعهم من خلال عمليات “الليرنة” والاقتطاعات القسرية الفعلية من الديون “haircuts” (التي تصل إلى 85% على الودائع الدولارية). وتُعد أعباء الإجراءات الجارية للضبط المالي وخفض المديونية ذات طبيعة تنازلية للغاية، حيث تؤثر على صغار المودعين ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة بدرجة أكبر. وأدى النقص الحاد في مواد الوقود إلى تكرار انقطاع الكهرباء بشكل كامل لأكثر من ثماني مرات في الشبكة الوطنية للكهرباء، ويبلغ متوسط إمدادات الكهرباء العامة ساعة إلى ساعتين يوميا. كما شكل نقص الوقود عائقاً أمام إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية والمياه النظيفة، في حين تواجه محلات المواد الغذائية، ومقدمو خدمات النقل، ومشغلو شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية اضطرابات شديدة في سلاسل الإمداد الخاصة بهم.

ويتطلب بناء لبنان على نحو أفضل اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، لاسيما فيما يتعلق بالإصلاح. وعلى المدى القريب، يحتاج لبنان إلى اعتماد وتنفيذ إستراتيجية موثوقة شاملة ومنسقة لتحقيق الاستقرار المالي الكلي، وذلك ضمن إطارٍ متوسط الأجل للاقتصاد الكلي والمالية العامة. وتستند هذه الإستراتيجية إلى ما يلي: (1) برنامج لإعادة هيكلة الديون يهدف إلى تحقيق القدرة على الاستمرار في تحمُّل الدين على المدى المتوسط؛ (2) إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي لاستعادة ملاءة القطاع المصرفي؛ (3) إطار جديد للسياسة النقدية يهدف إلى استعادة الثقة في سعر الصرف وتحقيق استقراره؛ (4) التصحيح التدريجي للمالية العامة بهدف استعادة الثقة في سياسة المالية العامة؛ (5) الإصلاحات المعززة للنمو؛ و(6) تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية.

هذا ويبشّر العهد الجديد منذ انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام، بخطوات إصلاحية قريبة، تعيد الى لبنان مكانته في المنطقة، ليعود جامعة ومستشفى وقبلة العرب.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.