كيف تسعى إسرائيل لإفشال الاتّفاق النّوويّ؟
بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
بينما تُعقد جولات تفاوضية مباشرة وغير مباشرة بين الولايات المتّحدة وإيران في سلطنة عُمان، يُنظر إلى هذه المحادثات باعتبارها لحظة حاسمة قد تُعيد تشكيل مستقبل العلاقات الإقليمية والدولية مع طهران. لكن خلف الطاولة تراقب إسرائيل المشهد عن كثب، وتتحرّك لضمان ألّا يخرج الاتّفاق إلى النور كما تُريده واشنطن أو طهران.
إسرائيل، التي تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجوديّاً، عارضت بشدّة الاتّفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، وتعتبر أيّ اتّفاق جديد لا يُفكِّك بشكل كامل البنية النوويّة الإيرانية “هدنة مؤقّتة” لا غير تمنح طهران الوقت والمساحة لتعزيز قدراتها النووية والعسكرية. والآن، مع إمكان التوصّل إلى اتّفاق جديد بوساطة عمانيّة، تتحرّك تل أبيب بحذر وفاعليّة لإفشاله، لكن دون أن تُظهر ذلك علناً مخافة إغضاب إدارة أميركية بقيادة دونالد ترامب، الذي يعدّ من أقرب الرؤساء الأميركيين إلى إسرائيل.
بالنسبة لصنّاع القرار في إسرائيل، يُعتبر خطراً استراتيجياً أيُّ اتّفاق لا يتضمّن العناصر الآتية:
- تفكيك تامّ ودائم للبنية التحتية لتخصيب اليورانيوم.
- رقابة دولية صارمة وغير محدودة زمنيّاً.
- قيود على برنامج الصواريخ البالستية الإيراني.
- التزام إيراني بوقف دعم الجماعات المسلّحة في لبنان وسوريا واليمن والعراق.
ما لم تُحقّق تل أبيب هذه المطالب ستبقى ترى أن الاتّفاق لن يمنع إيران من التحوّل إلى دولة نووية في المستقبل القريب، وهو فقط تأجيل للمواجهة العسكرية تستفيد منه طهران.
أدوات إسرائيل لتقويض الاتفاق:
1- الضّغط السّياسيّ داخل الكونغرس
تملك إسرائيل نفوذاً تقليديّاً داخل دوائر صنع القرار الأميركي، وتستطيع عبر حلفائها في الكونغرس الدفع نحو تشريعات تُقيّد قدرة البيت الأبيض على تنفيذ أيّ اتّفاق، أو تشترط موافقة تشريعية مسبقة، أو توسّع العقوبات في ملفّات أخرى مثل الصواريخ وحقوق الإنسان.
2- تسريبات استخباريّة وحملات إعلاميّة
يمكن أن تلجأ إسرائيل إلى نشر تقارير استخبارية عن نشاطات نووية سرّية في إيران، أو عن خروقات سابقة للاتّفاق، دون مهاجمة الاتّفاق نفسه، بل بوصف هذه المعلومات “تحذيرات ضروريّة” لتشديد بنوده.
3- عمليّات سرّيّة لتعطيل البرنامج الإيرانيّ
قد تُكثّف إسرائيل من أنشطتها داخل إيران، من خلال هجمات سيبرانية، أو تفجيرات غامضة، أو اغتيال شخصيات علمية مرتبطة بالبرنامج النووي. كلّ ذلك بهدف تأخير البرنامج أو دفع إيران إلى ردّ فعل يُفجّر المفاوضات.
4- إشعال ساحات التّوتّر الإقليميّ
من المتوقّع أن تزيد إسرائيل من ضرباتها الجوّية ضدّ مواقع إيرانية أو تابعة لـ”الحزب” في سوريا ولبنان، فتنشأ حالة من التوتّر الأمني تجعل فكرة “تطبيع العلاقات مع إيران أمراً غير واقعي في نظر صانعي القرار الأميركيين”.
5- التّحرّك عبر حلفاء إقليميّين وغربيّين
تل أبيب قد تدفع دول الخليج للتعبير عن رفضها العلني لأيّ اتّفاق لا يأخذ أمنها الإقليمي بعين الاعتبار. يمكنها أيضاً الضغط على دول أوروبية لعدم إعادة العلاقات الاقتصادية مع إيران، حتى بعد رفع العقوبات.
- إفشال الاتّفاق دون إحراج إدارة ترامب
تدرك إسرائيل أنّ الهجوم العلنيّ على الاتّفاق قد يُفسَّر معارضةً مباشرةً لسياسة الرئيس ترامب، وهو ما تحاول تجنّبه. لذا استراتيجيّتها الحالية تعتمد على “الإفشال غير المباشر” أو “المعارضة من خلف الستار”، وذلك عبر:
- تركيز الانتقادات على الجوانب الفنّية للاتّفاق لا على القرار السياسي الأميركي.
- تحريك الكونغرس ووسائل الإعلام لطرح التساؤلات، بدلاً من المواجهة العلنية.
- تنفيذ عمليّات على الأرض دون إعلان رسمي، مع ترك “بصمات استخبارية” تُرسل الرسالة المطلوبة دون إثارة أزمة دبلوماسية.
- استخدام الحلفاء للتعبير عن الاعتراض، بينما تحافظ تل أبيب على خطاب متّزن رسميّاً.
تُوازن إسرائيل بهذا الأسلوب بين الدفاع عن أمنها القومي وبين الحفاظ على تحالفها الوثيق مع إدارة ترامب، التي تعتبرها حليفاً محوريّاً في ملفّات المنطقة.
هل تنجح إسرائيل في تقويض الاتّفاق؟
الإجابة مرهونة بعدّة عوامل:
- مدى استعداد واشنطن لتجاهل أو مقاومة الضغوط الإسرائيلية.
- قدرة طهران على تقديم تنازلات تُضعف موقف إسرائيل.
- مرونة الأطراف الإقليمية، وخاصة الخليجية، في القبول باتّفاق لا يشمل ملفّاتهم الأمنيّة.
لكن ما هو مؤكّد أنّ إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي، حتّى إن تمّ توقيع الاتّفاق، إذ ستعمل بكلّ أدواتها على تقويضه، سواء من خلال مراقبة التنفيذ، أو من خلال تصعيد أمنيّ وإعلامي وسياسي يُبقي الاتّفاق هشّاً وغير قابل للدوام.
لا يتوقّف الاتّفاق النووي المحتمل بين واشنطن وطهران على التفاهمات الثنائية فقط، بل على مدى قدرة الطرفين على تحييد الأطراف الرافضة، وفي مقدَّمهم إسرائيل.
قد لا تُطلق تل أبيب النار مباشرة على الاتّفاق، لكنّها تُعدّ العُدّة لإفشاله من زوايا متعدّدة، دون أن تُحرج الحليف الأميركي.
في ظلّ هذه التوازنات الدقيقة، لن يبقى مستقبل الاتّفاق مرهوناً فقط بغرف التفاوض في عهد رئيس أميركي يعشق الصفقات الكبرى ويطمح إلى نيل جائزة نوبل للسلام، بل وبما يدور في الكواليس.
موفق حرب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.