قبل زيارته للمنطقة: ترامب لا يعترف بحكومة دمشق

25

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

انشغلت الأوساط المعنيّة بالشأن السوري بقرار بدا مفاجئاً اتّخذته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغيير وضع البعثة السورية في الأمم المتحدة في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة. وفيما تراوحت تفسيرات القرار الغامض بين طابع تقنيّ لا يقتصر على سوريا ويشمل دولاً تشهد قلاقل وجماعات إرهاب، وبين طابع سياسي يعبّر عن إشارة سلبية ترسلها واشنطن، فإنّ في التطوّر ما يحبط آمالاً بقرب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وقد يرخي ظلالاً على سلوك دول أخرى في العالم حيال التحوّلات السوريّة.

قرار واشنطن تجاه البعثة السورية نافر، ويشبه الأسلوب الذي يعتمده ترامب نفسه في التعامل مع ملفّات تودّ الولايات المتحدة التأثير فيها. ويحمل هذا النهج وجهين: الأوّل قد يفسّر بأنّه إيجابي يعكس انخراطاً أميركياً في الشأن السوري، ولو في شكل متوتّر، يكون بديلاً عن نهج الغموض المائل إلى التهميش في التعاطي مع أحد أهمّ التحوّلات السياسية في المنطقة، وربّما في العالم. الثاني قد يشي بموقف سلبي من النظام السياسي الجديد في سوريا ومن حكومة الشرع، التي أُريد لها أن تكون جامعة تشمل كلّ المكوّنات، وتستجيب لمطالب دولية، ومنها أميركية.

يأتي القرار الأميركي ليمسّ رمزاً من رموز الاعتراف الدوليّ بحكومة الرئيس أحمد الشرع، فيما لم تنَل واشنطن من الاعتراف بحكومات النظام السابق بشّار الأسد، حتى في عزّ الإدانات الأميركية لذلك النظام، واتّهامه بارتكاب الفظائع ضدّ المدنيين في سوريا، والقطيعة التي اتّسمت بها علاقة البلدين منذ سحب السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد في تشرين الأوّل عام 2011.

قائمة شروط

يأتي أيضاً القرار الذي انطوى على تصنيف يشي بأنّ الولايات المتّحدة لا تعترف بحكومة دمشق، على الرغم من تواصل الإدارة السابقة للرئيس جو بايدن، شبه الفوريّ، مع الحكم الجديد عبر إرسال مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى آنذاك بربارا ليف إلى دمشق للقاء الشرع في 20 كانون الأوّل عام 2024، أي بعد 12 يوماً على سقوط النظام السابق، لتبلغه حينها بإلغاء المكافأة الأميركية لاعتقاله، وتصفه لاحقاً بأنّه “براغماتي”، وتعلن واشنطن بعدئذٍ تخفيف العقوبات عن سوريا.

لكنّ القرار يأتي أيضاً بعد أقلّ من 3 أسابيع من تواصل إدارة ترامب مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. جرى ذلك في 18 آذار الماضي، حين التقت ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام وسورية، بالوزير السوري في اجتماع على هامش مؤتمر المانحين لسورية في بروكسل.

لاحقاً كشفت “رويترز” أنّ الدبلوماسية الأميركية سلّمت الحكومة السورية قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئيّ للعقوبات، منها ضمان عدم تولّي أجانب مناصب قيادية في الحكومة، والمساعدة في العثور على الصحافي أوستن تايس، والوصول إلى أسلحة الدمار الشامل والسلاح الكيمياوي، والتعاون في الحرب ضدّ “داعش” ومنع ظهور التنظيم ثانية. واعتُبر اللقاء أوّل اتّصال رسمي لإدارة ترامب بالحكم الجديد في سوريا، بعد فترة لاحظ فيها المراقبون تجاهل الإدارة الأميركية الجديدة للتحوّلات السوريّة وعدم التعليق عليها.

كانت واشنطن أفرجت عن مواقف واعدة يمكن البناء عليها. ففي 22 آذار، اعتبر ستيفن ويتكوف، صديق ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، أنّ الشرع تغيّر عمّا كان عليه في السابق، وأضاف: “الناس يتغيّرون. أنت شخص مختلف تماماً في عمر 55 عمّا كنت عليه في عمر 35. أنا شخصيّاً أدرك أنّني اليوم، في الـ68 من عمري، لست الشخص نفسه الذي كنت عليه قبل 30 عاماً. ربّما أصبح الجولاني في سوريا شخصاً مختلفاً. لقد طردوا إيران من هناك”.

حسابات داخليّة… وأوراق ضغط

قبل ذلك في 9 آذار، وفي معرض موقفه من أحداث “الساحل” السوري، أدان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو “مجازر” ترتكب بحقّ أقليّات في سوريا، وحضّ السلطات الانتقالية على محاسبة المسؤولين عنها. وقال إنّ “الولايات المتّحدة تقف مع الأقلّيات الدينية والإثنية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والكردية”. وأضاف: “يجب على السلطات الانتقالية في سوريا محاسبة مرتكبي هذه المجازر بحقّ أقلّيات في سوريا”.

لم يتّهم روبيو سلطات دمشق بارتكاب الانتهاكات، بل اعتبرها مرجعاً للاقتصاص من الجناة، معترفاً بها للمرّة الأولى في عهد ترامب طرفاً يمثّل سوريا يجوز معه التواصل وفق النمط الذي جمع الدبلوماسية الأميركية بوزير الخارجية السوري. جرى ذلك تحت سقف أجواء قريبة من ترامب تعتبر أنّ الشرع تغيّر “لأنّ الناس يتغيّرون”. ذهب روبيو في 12 آذار إلى الترحيب بالاتّفاق بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وسط أنباء عن ضغوط مارستها واشنطن على حليفها الكردي في سوريا لعقد هذا الاتّفاق، بعد أيّام من زيارة قام بها قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا لشمال شرقي سوريا التقى خلالها قائد “قسد”.

لم تسمح واشنطن باعتماد علم سوريا الجديد، ورفضت رفعه على مبنى السفارة السوريّة المغلق في واشنطن. وأن لا تعترف الولايات المتّحدة بالحكومة في دمشق يبقى قراراً سيادياً أميركيّاً لا ينسحب على مزاج عربي وإقليمي ودولي يعترف بالتحوّل السوري، ويقيم علاقات دبلوماسية مع دمشق. فالشرع حضر القمّة العربية، وزار السعودية وتركيا، ويخطّط لزيارة الإمارات الأسبوع المقبل، وعقد معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعاً عن بعد، بحضور رؤساء لبنان وقبرص واليونان، إضافة إلى زيارات وزراء خارجية أوروبيين لدمشق، كانت آخِرتها لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الشهر الماضي.

غير أنّ لواشنطن حسابات أميركية داخلية تتعلّق بالحزم مع “الجهاديين” وأشباههم، وتضع الشرع و”هيئة تحرير الشام” والفصائل حوله تحت مجهر الالتباس. لكنّ تلك الحسابات تشمل أيضاً سياسة ترامب مع كلّ الشرق الأوسط، لا سيما أبعاده التركية والإيرانية والإسرائيلية المنخرطة بالشأن السوري أو على علاقة بتحوّلاته. والإجراء الذي طال البعثة السورية في نيويورك يتقاطع مع موقف إسرائيل المتوجّس من نظام حكم يبرّر تغوّلها في ميادينه وفي التدخّل في خرائط البلد ومستقبله. ولا شكّ أنّ موقف واشنطن يمثّل ورقة ضغط ومقايضة في مداولات الولايات المتّحدة مع تركيا أو في محادثات ترامب في السعوديّة الشهر المقبل.

محمد قواص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.