“قانون نتنياهو”؟!

34

بقلم عماد الدين أديب
«أساس ميديا»
حالة إدارة نتنياهو في علوم إدارة الصراعات فريدة وغير مسبوقة!
علينا كمعارضين أو محاربين أو محايدين أن نفهمها جيّداً حتى لا نعيش في الأوهام أو نصل إلى اليأس المطلق. فما هو “قانون نتنياهو” الجديد الذي يدير من خلاله الحرب الدائرة حاليّاً؟
عادة في الصراعات يكون دور السياسي هو محاولة:
1- السيطرة على الصراع.
2- محاولة إنهاء الصراع.
3- تجنّب وصول الصراع إلى مرحلة الصدام العسكري أو القطيعة الكاملة.
في حالة نتنياهو، وهي حالة فريدة للغاية، يقوم الرجل بإدارة الصراع بطريقة عكسية مغايرة تماماً للعلم والمنطق والواقع والفطرة الإنسانية.
منهج نتنياهو يعتمد على عناصر مغايرة للسلوكيات وقرارات مناقضة للدور والمسؤولية السياسية والوجه الأخلاقي والالتزام الذي يفرضه عليه الصندوق الانتخابي والقسم المصاحب لتولّي السلطة.
ما هو اختراع نتنياهو الجديد؟
يمكن تحديد منهج نتنياهو على النحو التالي:
1- الأولوية الأولى عند الرجل هي ذاته ومكانته ومنصبه حتى لو تعارضت مع حزبه أو ائتلافه أو حتى وطنه.
2- سلامته الشخصية تعلو سلامة الوطن، وأمنه الشخصيّ يتجاوز الأمن القومي للدولة العبرية.
3- الخسارة الكبرى عند الرجل أن يفقد منصبه وليست أن يفقد جيشه ضحايا جدداً، أو أن يُقتَل أيّ من الرهائن، أو أن يستمرّ لجوء مئة ألف مستوطن من مستوطنات الشمال بعيداً عن بيوتهم، أو أن تزداد الهجرة العكسية إلى خارج الدولة، أو أن يستمرّ نزيف الاقتصاد الوطني مع زيادة في معدّلات التضخّم والبطالة وانخفاض في معدّلات الاستثمار المباشر وأفواج السيّاح.
4- المكوّن الأخلاقي عند الرجل ضعيف إلى حدّ أنّه يوصف بـ”رجل بلا ضمير”. ويستدلّ على ذلك من خلال قضايا الفساد المالي المتورّط فيها، ومن خلال تضحيته وبيعه رفاق دربه في حزب “الليكود” مقابل بقائه في الحكم.
يضرب المثل أيضاً على ذلك بأنّه قام بتهريب ابنه المدلّل إلى ميامي الأميركية، تحت حراسة خاصة، كي يجنّبه التجنيد الإجباري والانخراط في الجيش عقب حالة التعبئة العامّة بعد 7 أكتوبر.
يضرب المثل أيضاً على ذلك بأنّه حينما زادت صواريخ حماس على مدينة تل أبيب قام بالهروب إلى قبو منزل أحد أصدقائه الأثرياء في تل أبيب.
5- بناء على ما سبق يعتمد الرجل 3 سلوكيّات متطرّفة يذهب بها إلى أقصى حدّ، وهي:
الكذب والتّشدّد والمناورة
1 – اكذب ثمّ اكذب ثمّ اكذب حتى يصبح كذبك هو الحقيقة المفروضة.
2- تشدّد وتشدّد وتشدّد حتى لا يبقى مجال سوى أن يتنازل خصمك أو من يخالفك.
3- ناور ثمّ ناور ثمّ ناور، ثمّ اخترع في كلّ مرّة عذراً جديداً أو اختلق حجّة مهما كانت سخيفة وغير منطقية للتهرّب من أيّ التزام أو اتفاق لا يتناسب مع مصلحتك الشخصية.
أخيراً يستخدم الرجل ادّعاءً جديداً، وهو “السلوك الديني المتشدّد” بشكل انتهازي لممالأة ومنافقة التيّار الديني المتشدّد الذي يضمن له الأغلبية العددية في الائتلاف الحاكم.
من هنا نرى الرجل يكثر من استخدام الاستشهادات الدينية اليهودية في بناء خطابه السياسي. ونجده يكثر من زيارة “حائط المبكى” (البراق) أو يضع “الياماكا”، أي القلنسوه اليهودية، في خلفية شعر رأسه.
يتّهم نتنياهو معارضيه ومنتقديه في الحكم، كما حدث في جلسة مجلس الحرب الأخيرة حينما طالبوه بحسم مسألة إنجاز اتفاق الهدنة وتبادل الرهائن، بقوله: “أنتم جهلة بأسلوب الضغط على الفلسطينيين، أنتم لا تفهمون شيئاً في أسلوب التفاوض الناجح معهم”.
في الاجتماع الأخير مساء الإثنين في تل أبيب لبحث موضوع وفد التفاوض من الموساد والشاباك فور عودتهما من جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة، تسرّب عن اللقاء أنّ رئيس الموساد قال لنتنياهو صراحة: “أنتَ تعطّل عن عمد وقصد أيّ مفاوضات ولم تعد تهتمّ بإنقاذ الرهائن”.
في الوقت ذاته صرّح رئيس المعارضة في الكنيست يائير لابيد: “على نتنياهو أن يستقيل لأنّه يتعمّد إفشال المفاوضات وتصعيد الصراعات حتى يبقى في منصبه”.
ارتفاع شعبيّته؟
كلّ ذلك لم يعد يزعج نتنياهو. السؤال: لماذا؟ وعلامَ يرتكز الرجل؟
الإجابة هي أنّه يستند إلى 3 معطيات أدّت إلى ارتفاع شعبية الرجل لدى قطاعات اليمين واليمين الديني والقوى غير الحزبية في المجتمع الإسرائيلي بعدما قام بثلاث عمليات ناجحة:
1- ضرب أهداف في اليمن عقب مسيّرة الحوثيين التي ضربت تل أبيب.
2- اغتيال فؤاد شكر قائد عمليات الحزب في حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية.
3- اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران.
هنا يجب أن نتوقّف أمام سؤال عن أسباب إعطاء نتنياهو الأوامر لاغتيال إسماعيل هنية؟
والإجابة من 4 أضلاع:
1- يشعر نتنياهو أنّ حماس غدرت به بعدما راهن عليها شخصياً لإضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، خاصة أنّه كان “المهندس المدافع” عن السماح بالتحويلات المالية الشهرية القطرية لغزّة التي كانت تتمّ بمباركة وتسهيل من حكومة نتنياهو.
2- كان هنية هدفاً أكثر سهولة بسبب تحرّكاته العلنية الرسمية.
3- يعتبر هنية تنظيمياً الأعلى رتبة في حركة حماس. لذلك اغتياله هو عمل دعائي نفسيّ بالغ الأثر.
4- أمّا السبب الرابع وهو الأخطر والأهمّ فهو أنّ اغتيال هنية هو اغتيال الرجل الذي كان يلعب الدور الجامع بين كلّ القيادات في الداخل والخارج وبين السياسيين والمقاتلين، وبين جهة مشعل وجهة السنوار، وبين الذين يراهنون على طهران والذين يراهنون على التنظيم العالمي للإخوان.
لماذا هنيّة دون غيره؟
باختصار اغتيال هنية سببه أنّه كان العنصر الضاغط على كتائب القسام من أجل أن تتحلّى بالمرونة السياسية لتقبل اتفاقات الهدنة والتسويات وتبادل الأسرى.
باختصار، اغتيال هنية هو عند نتنياهو اغتيال أيّ تسوية حالية وتعطيل وتأجيل أيّ حلّ سياسي في غزة.
تؤكّد المصادر المطّلعة أنّ اغتيال هنية في طهران كان مخطّطاً له لأوّل مرّة في مراسم جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي، وتمّ تأجيلها لأسباب تقديرية، وهي أنّ الرجل كان محاطاً دائماً بأعداد كبيرة من الزوّار.
ماذا يعني ذلك كلّه؟
عادة يلجأ السياسي إلى الدبلوماسية والمفاوضات السياسية لتجنّب وصول أيّ صراع إلى المواجهة العسكرية المؤدّية إلى حروب محدودة أو شاملة.
في حالة نتنياهو يتعمّد الرجل دائماً انتشال كلّ فرصة، أو قتل وتصعيب وتعقيد أيّ اتفاق سياسي… من أجل استدعاء القتال بدلاً من التسوية.
نتنياهو يقتل حتى يمدّد القتال ويخترع شروطاً جديدة كي ينسف التفاوض.
والآن يريد تحويل هذا المنهج من حالة التكتيك المؤقّت إلى الاستراتيجية المستقرّة!
تلك هي المسألة.
وهذا هو “قانون نتنياهو”!
عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.