في ذكرى المولد النّبويّ: النّبيّ في عيون “مفكّري” الغرب

20

محمد السماك

اساس ميديا

في ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، ومع اتّساع رقعة الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام والرهاب منه)، ماذا يقول كبار فلاسفة الغرب وعلماؤه عن رسول الله (عليه السلام)؟

الفيلسوف والمؤرّخ البريطاني جون ويليام دريبر (1811- 1882) يقول في كتابه “تاريخ التطوّر الفكري في أوروبا”: “في عام 569 ولد في مكّة في الجزيرة العربية الإنسان الوحيد بين جميع البشر الذي كان له أكبر الأثر على الجنس البشري. إنّه محمّد”.

والأديب الفرنسي ألكسندر دوما (الأب) صاحب رواية “الكونت دي مونت كريستو” وصف النبيّ محمّد بأنّه “معجزة الشرق لما في دينه من معالم وفي أخلاقه من سموّ وفي صفاته من محامد”.

في كتابه الشهير “العقد الاجتماعي” (طبع لأوّل مرّة عام 1762) قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وكأنّه يردّ على الافتراءات التي توجّه اليوم إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام: “من الناس من يتعلّم قليلاً من العربية، ثمّ يقرأ القرآن ولا يفهمه، ولو أنّه سمع محمّداً يمليه بتلك اللغة الفصحى الرقيقة، وذاك الصوت المقنع، المؤثّر في شغاف القلوب، ورآه يؤكّد أحكامه بقوّة البيان، لخرّ ساجداً على الأرض وناداه: أيّها النبيّ، رسول الله، خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار، أو مواقع التهلكة والأخطار، فنحن في سبيلك، نودّ الموت أو الانتصار”.

كارل يوهان: القرآن كلام الله

قبل روسو قال الفيلسوف رينيه ديكارت (1596-1650) صاحب نظرية “أنا أفكّر إذن أنا موجود”، في كتابه الشهير “مقالة في المنهج”: “نحن والمسلمون في هذه الحياة. ولكنّهم يعملون بالرسالتين العيسويّة والمحمديّة، ونحن لا نعمل بالثانية. ولو أنصفنا لكنّا معهم جنباً إلى جنب، لأنّ رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كلّ زمان، وصاحب شريعتهم محمد، الذي عجزَ العرب عن مجاراة قرآنه وفصاحته. بل لم يأتِ التاريخ برجل هو أفصح منه لساناً، وأبلغ منه منطقاً، وأعظم منه خُلقاً. وذلك دليل على ما يتمتّع به نبيّ المسلمين من الصفات الحميدة، التي أهّلته لأن يكون نبيّاً في آخر حلقات الأنبياء، ولأن يعتنق دينه مئات الملايين من البشر”.

على منوال روسو وديكارت، يقول المستشرق السويدي كارل يوهان تورنبرغ (1807-1877): “هذا النبيّ افتتح برسالته عصراً للعلم والنور والمعرفة، حريّ أن تُدوَّنَ أقواله وأفعاله بطريقة علمية. فالمفكّر لورد هدلي يقف مندهشاً أمام معاملة النبي للأسرى من المشركين في معركة بدر الكبرى، ملاحظاً فيها ذروة الأخلاق السمحة، والمعاملة الطيّبة الكريمة، ثمّ يتساءل: أفلا يدلّ هذا على أنّ محمّداً لم يكن متّصفاً بالقسوة، ولا متعطّشاً للدماء، كما يزعم خصومه؟ بل كان دائماً يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع. وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها، وجاءه وفد مسيحيّي نجران اليمني بقيادة البطريرك، فلم يحاول قطّ أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه في الدين، بل أمّنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألّا يتعرّض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية”.

يضيف: “لا أجد صعوبة في قبول أنّ القرآن كلام الله، فإنّ أوصاف الجنين في القرآن لا يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، والاستنتاج الوحيد المعقول هو أنّ هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله”.

لامارتين: “مؤسّس العبادة بلا أنصاب وأزلام”

كذلك كتب الأديب الفرنسي الشهير لامارتين عن النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم. فقال هذا المفكّر الكبير في كتابه عن تاريخ تركيا: “إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سموّ الغاية والنتائج المذهلة، على الرغم من قلّة الوسيلة، فمن يجرؤ أن يقارن أيّاً من عظماء التاريخ بالنبيّ محمّد (صلّى الله عليه وسلّم) في عبقريّته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة، وسنّوا القوانين، وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلّا أمجاداً بالية لم تلبث أن تحطّمت بين ظهرانيهم. ولكنّ هذا الرجل لم يقُد الجيوش ويسنّ التشريعات ويُقِم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروّض الحكّام فقط، وإنّما قاد الملايين من الناس، فيما كان يُعدّ ثلث العالم حينئذٍ، بل إنّه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة. كان طموح النبي موجّهاً إلى هدف واحد وهو الإيمان بوحدانية الله. هذا هو محمّد، الخطيب، النبيّ، المشرّع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسّس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقّة بلا أنصاب ولا أزلام”.

نظَم الشاعر الفرنسي العظيم فيكتور هيغو قصيدة عن النبيّ محمّد عليه الصلاة والسلام، مدحه فيها بحرارة وبمحبّة صادقتين. كما أنّ الفيلسوف يوهان غوته (1749- 1832) قال عنه: “يجب النظر إلى النبي محمد على أنّه نبي لله وليس شاعراً. ويجب النظر إلى القرآن الذي جاء به على أنّه قانون إلهي وليس كتاباً من عنده. وذلك في كتابه “محمد في مكّة”.

وتحدّث المؤرّخ والأديب البريطاني الشهير مونتغمري عن حياة رسول الله، فقال: “الطريقة التي تحمّل فيها الجور والاضطهاد بسبب عقيدته، والأخلاق السامية التي تحلّى بها المؤمنون الذين اتّخذوه قائداً لهم، كلّ ذلك يؤكّد استقامته ونزاهته. لا يوجد في تاريخ الأمم وجه مقدّر ومحترم في الغرب أكثر من النبيّ الرسول محمد”.

لقد لخّص بصدق الشاعر والفيلسوف الألماني يوهان غوته (1749- 1832) هذه الصورة عندما قال: “إذا كان الإسلام يعني التسليم لله.. فعلى الإسلام نحيا.. وعليه نموت”.

مهما يكن من أمر، فلا تطاول الجهلة والمفترين على رسول الله يقلّل من قدره، ولا إشادة العلماء به تزيده قدراً. ويكفيه، عليه الصلاة والسلام، أنّ الله سبحانه وتعالى ربّ الناس جميعاً، وصفه بأنّه على خلق عظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.