فورين أفيرز: “حماس” لن تُهزم في غزة

47

إيمان شمص

«أساس ميديا»

لماذا استراتيجية إسرائيل الفاشلة تجعل عدوّها أقوى؟ ولماذا بعد تسعة أشهر من العمليات القتالية الجوّية والبرّية في غزة لا تزال إسرائيل بعيدة عن هزيمة الجماعة “الإرهابية”. بل على العكس من ذلك، ووفقاً للوقائع، أصبحت حماس اليوم أقوى ممّا كانت عليه في السابع من أكتوبر.

تساؤلات طرحها أستاذ العلوم السياسية ومدير مشروع شيكاغو للأمن والتهديدات في جامعة شيكاغو روبرت أ. بيب، وخلص بعد تفنيدها إلى الاستنتاج أنّ “حركة حماس تنتصر”.

كتب بيب في مجلّة “فورين أفيرز” منذ هجوم حماس المروّع في أكتوبر الماضي، أنّ إسرائيل غزت شمال وجنوب غزة بحوالي 40 ألف جندي مقاتل، وهجّرت %80 من السكّان قسراً، وقتلت أكثر من 37 ألف شخص، وأسقطت ما لا يقلّ عن 70 ألف طن من القنابل على القطاع.. وعلى الرغم من أنّ العديد من المراقبين شدّدوا على عدم أخلاقية سلوك إسرائيل، إلا أنّ القادة الإسرائيليين أكّدوا دائماً أنّ هدف هزيمة حماس وإضعاف قدرتها على شنّ هجمات جديدة ضدّ المدنيين الإسرائيليين يجب أن تكون له الأسبقية على أيّ قلق بشأن حياة الفلسطينيين، ويجب قبول معاقبة شعب غزة باعتباره ضرورياً لتدمير قوّة حماس.

لكن بفضل الهجوم الإسرائيلي، فإنّ قوّة حماس آخذة في النموّ فعليّاً، وفقاً لبيب، وتحوّلت إلى قوّة حرب عصابات عنيدة وقاتلة في غزة، مع العمليات المميتة التي استؤنفت في المناطق الشمالية والتي كان من المفترض أن تقوم إسرائيل بتنظيفها قبل بضعة أشهر فقط. وفي رأيه أنّ “الخلل الرئيسي في استراتيجية إسرائيل ليس فشل التكتيكات أو فرض قيود على القوة العسكرية بل في سوء فهم فادح لمصادر قوّة حماس وعدم إدراك أنّ المذبحة والدمار اللذين أطلقتهما في غزة لم يؤدّيا إلا إلى زيادة قوّة عدوّها”.

مغالطة التّعداد

انتقد بيب تركيز الحكومات والمحلّلين اهتمامهم لعدّة أشهر على عدد مقاتلي حماس الذين قتلتهم قوات الدفاع الإسرائيلية، كما لو كان هذا الإحصاء هو المقياس الأكثر أهمّية لنجاح الحملة الإسرائيلية ضدّ الجماعة. وإذ اعتبر أنّه على الرغم من أنّ العديد من مقاتلي حماس قد قُتلوا، حيث تقول إسرائيل إنّ 14,000 من مقاتلي حماس الذين يقدّر عددهم بـ 30 إلى 40 ألف مقاتل قبل الحرب قد ماتوا الآن، بينما تصرّ حماس على أنّها فقدت فقط ما بين 6 إلى 8 آلاف مقاتل، وتشير مصادر استخبارية أميركية إلى أنّ العدد الحقيقي لقتلى حماس يبلغ نحو 10 آلاف، رأى بيب أنّ حماس لا تزال تسيطر بحكم الأمر الواقع على مساحات واسعة من غزة، وتتمتّع بدعم هائل من سكّان القطاع، وهو ما يسمح لمسلّحيها بالاستيلاء على الإمدادات الإنسانية والعودة بسهولة إلى المناطق التي “طهّرتها” القوات الإسرائيلية سابقاً.

ووفقاً لتقويم إسرائيلي أُجري أخيراً، أصبح لدى حماس عدد من المقاتلين في المناطق الشمالية من غزة، التي استولى عليها جيش الدفاع الإسرائيلي. يفوق عدد المقاتلين في رفح في الجنوب، وتشنّ الآن حرب عصابات تنطوي على نصب كمائن وقنابل بدائية الصنع. ولا يزال بإمكانها ضرب إسرائيل. ومن المرجّح أنّ لدى حماس نحو 15 ألف مقاتل مستعدّين للقتال، ولا يزال أكثر من 80% من شبكة الأنفاق تحت الأرض التابعة للتنظيم صالحة للاستخدام في التخطيط وتخزين الأسلحة والتهرّب من المراقبة والهجمات الإسرائيلية. ولا تزال معظم القيادات العليا لحماس في غزة على حالها. “باختصار لقد أفسح الهجوم الإسرائيلي السريع في الخريف المجال لحرب استنزاف طاحنة من شأنها أن تترك لحماس القدرة على مهاجمة المدنيين الإسرائيليين حتى لو واصل جيش الدفاع الإسرائيلي حملته في جنوب غزة”.

مصادر قوّة حماس

في رأي بيب أنّه “لا تأتي قوّة جماعة مسلّحة مثل حماس من العوامل المادّية النموذجية التي يستخدمها المحلّلون للحكم على قوّة الدول، بما في ذلك حجم اقتصاداتها والتطوّر التكنولوجي لجيوشها والدعم الخارجي الذي تتلقّاه وقوّة أنظمتها التعليمية، بل إنّ مصدر القوّة الأكثر أهميّة لحماس وغيرها من الجماعات المصنّفة “إرهابية” أو “متمرّدة” هو قدرتها على التجنيد، وجذب أجيال جديدة من المقاتلين الذين يقودون الحملات القاتلة من أجل القضية. تستند هذه القدرة على التوظيف في النهاية إلى عامل واحد: اتّساع وكثافة الدعم الذي تتلقّاه المجموعة من مجتمعها”.

الأهمّ من ذلك، في رأيه، أنّ دعم المجتمع ضروري لتعزيز عبادة الاستشهاد الذي يضفي الشرعية على الأعمال الإرهابية ويشجّع المجنّدين الجدد. ولا يُستغرب بالتالي أن تبذل الجماعات الإرهابية جهوداً كبيرة لكسب ودّ المجتمعات المحلّية. فمن خلال الاندماج في المؤسّسات الاجتماعية، مثل المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية والتجمّعات الدينية، تصبح هذه الجماعات جزءاً من نسيج المجتمعات، وأكثر قدرة على كسب المزيد من المجنّدين ودعم غير المقاتلين. فالحزب مثلاً حظي بدعم شعبي متزايد بين الشيعة خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان من عام 1982 إلى عام 1999، وتطوّر من جماعة إرهابية سرّية صغيرة إلى حزب سياسي رئيسي يضمّ جناحاً مسلّحاً من حوالي 40 ألف مقاتل اليوم.

دعم حماس يتضاعف

لتقويم القوّة الحقيقية للحركة، يجب على المحلّلين، في رأي بيب، النظر في الأبعاد المختلفة لدعمها بين الفلسطينيين. وتشمل هذه الأبعاد شعبيّتها مقارنة بمنافسيها السياسيين، ومدى قبول الفلسطينيين بالعنف الذي تمارسه ضدّ المدنيين الإسرائيليين، وعدد الفلسطينيين الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم في الغزو الإسرائيلي المستمرّ لغزّة. توفّر هذه العوامل، أكثر من العوامل المادّية، أفضل مقياس لقدرة حماس على شنّ حملة إرهابية طويلة الأمد في المستقبل. وأشار في هذا السياق إلى أهمّية استطلاعات الرأي الفلسطيني في تقويم مدى الدعم المجتمعي لحماس، موضحاً أنّ خمسة استطلاعات أجراها بين حزيران 2023 وحزيران 2024 المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة، وهو منظّمة استطلاعية تأسّست عام 1993 بعد اتفاقيات أوسلو وتتعاون مع المؤسّسات الإسرائيلية، بيّنت:

– أنّ حماس تتمتّع اليوم بدعم بين الفلسطينيين أكبر من ذلك الذي كانت تتلقّاه قبل 7 أكتوبر، خاصة مقارنة بمنافسيها، وأنّ عدد الذين يدعمون حركة حماس تضاعف خلال هذه الفترة 40 في المئة مقارنة بـ 20 في المئة لحركة فتح.

– أنّ القصف الإسرائيلي والغزو البرّي لغزّة لم يؤدّيا إلى تراجع التأييد الفلسطيني للهجمات ضدّ المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل، ولا إلى تراجع التأييد لهجوم 7 أكتوبر. وفي آذار 2024، اعتقد 73% من الفلسطينيين أنّ حماس كانت على حقّ في شنّ هجوم 7 أكتوبر.

– أنّ دعم الفلسطينيين في الضفة الغربية للهجمات المسلّحة ضدّ المدنيين الإسرائيليين ازداد، وهو ما يدلّ على أنّ حماس حقّقت مكاسب واسعة النطاق في المجتمع الفلسطيني منذ 7 أكتوبر.

– أبلغ 60% من الفلسطينيين في غزة عن مقتل أحد أفراد أسرهم في الحرب الحالية، في حين أفاد أكثر من ثلاثة أرباعهم عن مقتل أو إصابة أحد أفراد الأسرة، لكن ليس لذلك أيّ تأثير رادع كبير بين الفلسطينيين ولا يقلّل من دعمهم للهجمات المسلّحة ضدّ المدنيين الإسرائيليين أو دعمهم لحماس.

– قبل 7 أكتوبر، كانت حماس قد وصلت إلى مرحلة الثبات كقوّة سياسية، بل وكانت في تراجع. وكانت المجموعة تخشى أن يتمّ تهميش قضيّتها ومحنة الفلسطينيين على نطاق أوسع  من خلال اتفاقيات أبراهام، وبعد السابع من أكتوبر ارتفع الدعم الفلسطيني لحماس على حساب أمن إسرائيل.

قوّة الحملة الإعلاميّة

لفت بيب إلى أنّ حماس تتمتّع بـ “لحظة احتشاد”، مشيراً إلى أهمّية ودور الحملة الإعلامية التعبوية المتطوّرة التي تشنّها الحركة، والتي تبني تفسيراً إيجابياً للأحداث وتنسج الروايات التي تساعد الجماعة على كسب المزيد من المؤيّدين، موضحاً أنّ فريق تحليل الدعاية العربية، وهو مجموعة متخصّصة من اللغويين العرب المتخصّصين في جمع وتحليل الدعاية العسكرية باللغة العربية في مشروع جامعة شيكاغو حول الأمن والتهديدات، قام بدراسة الدعاية العربية التي تنتجها حماس وجناحها العسكري، كتائب القسّام، وتمّ توزيعها على قناة التلغرام الرسمية للكتائب في أعقاب 7 أكتوبر، وتدور هذه الوثائق حول ثلاثة مواضيع: ليس أمام الشعب الفلسطيني خيار سوى القتال لأنّ إسرائيل تصرّ على ارتكاب فظائع لا توصف ضدّ جميع الفلسطينيين، حتى لو لم يشاركوا في العمليات العسكرية. بقيادة حماس، يمكن للفلسطينيين هزيمة إسرائيل في ساحة المعركة. المقاتلون الذين يموتون في المعركة سيحصلون على الشرف والمجد.

وفقاً لبيب، تتوافق دعاية حماس منذ 7 أكتوبر بشكل كامل مع النتائج التي توصّلت إليها استطلاعات الرأي العام للمواقف الفلسطينية. ويشير التوافق الوثيق بين جوهر دعاية حماس والدعم المتزايد لحماس بشكل خاصّ وللنضال المسلّح ضدّ إسرائيل بشكل عامّ في استطلاعات الرأي العامّ إلى أنّ حماس تحفّز هذا الدعم أو أنّ دعايتها تعكس الأسباب الرئيسية لهذا الدعم. وفي كلتا الحالتين، تستفيد حماس من الحرب لتزداد قوّة من خلال الروابط المتزايدة الاتّساع بين المجتمع وبينها.

خلص إلى القول إنّه “بعد تسعة أشهر من الحرب المرهقة، حان الوقت للاعتراف بالحقيقة الصارخة: لا يوجد حلّ عسكري فقط لهزيمة حماس. المجموعة هي أكثر من بعض المقاتلين الحاليين وأكثر من مجرّد فكرة. هي حركة سياسية واجتماعية جوهرها العنف، ولن تختفي في أيّ وقت قريب. والاستراتيجية الإسرائيلية المتمثّلة في العمليات العسكرية المكثّفة لن تؤدّي إلا إلى تعزيز الروابط بين حماس والمجتمع المحلّي.

حماس لم تُهزم ولا هي على وشك الهزيمة، وقضيّتها أصبحت أكثر شعبية وجاذبية وأقوى ممّا كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.

إيمان شمص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.