فريدمان يبكي وإعلاميون يصرخون: بايدن إرحل
إيمان شمص
«أساس ميديا»
بعد المناظرة الأولى بين مرشّحي الرئاسة الأميركية، الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، ومع بدء العدّ التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية، المقرّرة في الخامس من تشرين الثاني عام 2024، تكرّرت دعوات مؤسّسات إعلامية عريقة تطالب بايدن بالتنحّي، وأهمّها من هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز وكبير محلّليها توماس فريدمان وصحيفة واشنطن بوست وكبير محلّليها ديفيد إغناتيوس، غير أنّ أحد مؤسّسي صحيفة بوليتيكو ورئيس تحريرها الحالي جون هاريس الذي وصف في مقال له المشهد الإعلامي الأميركي في أعقاب هذه المناظرة يعتقد أنّ “بايدن يهتمّ بآراء الناس لكنّ هذا لا يعني أنّه سيتبع نصيحتهم، بل بالعكس كلّما تمّ دفعه إلى أقصى الحدود كان أكثر تصميماً على تحدّي المتشكّكين، كجزء من منافسته على مدى حياته مع النخب”.
“بوليتيكو”: شعور التّحدّي
كتب رئيس تحرير “بوليتيكو”: “كان أحد الموضوعات الدائمة في الحياة العامة للرئيس جوزف بايدن هو التناقض الشديد تجاه مؤسّسات النخبة في الحياة الأميركية والمهنيين الذين يشغلونها من ذوي المؤهّلات الجيّدة والتحدّث الجيّد والأجور الجيّدة. في هذه الأوساط استياء من الطالب المتوسّط والمتلعثم الذي نشأ في سكرانتون وبلدة ديلاوير الصغيرة ولم يحظَ بالمزايا الاقتصادية والتعليمية لمعظم الأشخاص الذين سيلتقي بهم قريباً على الساحة السياسية الوطنية. هناك جوع لتهليل هؤلاء الأشخاص أنفسهم. وفقاً لمستشاريه، خلال المداولات الداخلية، يبدو بايدن منتبهاً جداً لآراء المساعدين السياسيين والخبراء والمعلّقين الحاصلين على درجات جامعية والمعلّقين من المؤسّسات الإخبارية المرموقة تاريخياً. لكنّ هناك أيضاً شعوراً بالتحدّي عن جدارة. إذا كان الآخرون سريعين جداً وهو بطيء جداً، فكيف يكون هو الرجل الذي وصل إلى مجلس الشيوخ في سنّ الثلاثين، وأصبح رئيساً بعد نصف قرن؟
يضيف هاريس: قالت صحيفة نيويورك تايمز في صفحتها الافتتاحية إنّه يجب أن ينسحب من منصبه من أجل مصلحة البلاد. وقالت افتتاحية صحيفة واشنطن بوست إنّه يجب عليه على الأقلّ إلغاء خططه لعطلة نهاية الأسبوع للتفكير في الأمر. قال العديد من المعلّقين البارزين، بما في ذلك، كما لاحظ أحدهم، أغلبية الذكور البيض الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، إنّه لم يكن من دواعي سرورهم أن يقولوا ذلك، لكنّهم استنتجوا بأسى أنّ الوقت قد حان لرحيل جو. ومن بين هذه الأصوات الاقتصادي الحائز جائزة نوبل بول كروغمان، وتوم فريدمان، ونيكولاس كريستوف، وجوناثان ألتر، وديفيد إغناتيوس، وعضو الكونغرس السابق جو سكاربورو، مقدّم برنامج “مورنينغ جو” على قناة “إم إس إن بي سي”. وقال الجميع إنّ فرصة خسارة بايدن أمام ترامب مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن المخاطرة بها.
في رأي هاريس أنّ بايدن يهتمّ بآراء هؤلاء، لكنّ هذا لا يعني أنّه سيأخذ بنصيحتهم. على العكس من ذلك، من المحتمل أنّه كلّما تمّ الضغط عليه بقوّة أكبر، خاصة من الصوت الخطابي والمستبدّ لهيئة تحرير نيويورك تايمز، زاد تصميمه على تحدّي المتشكّكين، كجزء من منافسته المستمرّة مدى الحياة مع النخب. وإذا كان هناك من احتمال ضئيل بأنّ هذه الأصوات لا تجذب انتباهه، فمن الأرجح أنّها ستؤذي مشاعره. وكما كتب زملاؤه، فإنّ بايدن هو مشاهد منتظم لبرنامج “Morning Joe” وغالباً ما يستشهد بما سمعه.
وفي هذه الحالة، من المرجّح أن يستشهد بزوجة سكاربورو التي قالت إنّها لا تزال تريد بايدن مرشّحاً. وفريدمان في صحيفة تايمز الذي يعتبر الرئيس “صديقاً” منذ أن كانا معاً في رحلة رسمية بعد أحداث 11 أيلول، قال إنّه “بكى” عندما شاهد أداء بايدن المتردّد خلال مناظرة “سي إن إن”. بينما قال إغناتيوس، في “واشنطن بوست”، إنّ المناظرة مجرّد مصادقة على ما أصبح “واضحاً منذ عام تقريباً من أنّ الرئيس بايدن لا ينبغي أن يترشّح لولاية ثانية، وأنّ ترشّحه جاء فقط من منطلق مزيج من الاقتناع الأخلاقي، والثقة الشخصية، والأنانية”.
“نيويورك تايمز”: مع انسحاب بايدن وإيجاد بديل
في افتتاحية هيئة التحرير لصحيفة “نيويورك تايمز” التي تعرّف عن نفسها بأنّها “مجموعة من صحافيّي الرأي الذين تعتمد آراؤهم على الخبرة والبحث والنقاش وبعض القيم الراسخة، وهي منفصلة عن غرفة الأخبار”، وصفت الهيئة أداء بايدن بـ”المتخبّط”. ففي المناظرة كان الرئيس بحاجة إلى إقناع الرأي العام الأميركي بأنّه على مستوى المطالب الهائلة للمنصب الذي يسعى إلى شغله لفترة ولاية أخرى. ومع ذلك، لا يمكن أن نتوقّع من الناخبين تجاهل ما كان من السهل رؤيته: بايدن ليس الرجل الذي كان عليه قبل أربع سنوات. بل هو ظهر كظلّ لموظّف حكومي عظيم، فكافح لشرح ما سيحقّقه في فترة ولاية ثانية وللردّ على استفزازات ترامب وأكاذيبه وإخفاقاته وخططه المخيفة. لقد ناضل أكثر من مرّة للوصول إلى نهاية الجملة.
توماس فريدمان يبكي!
في مقال بعنوان “جو بايدن رجل طيّب ورئيس جيّد. ولكن يجب عليه أن يغادر السباق”، دعا فريدمان بايدن إلى “حفظ كرامته” ومغادرة المسرح السياسي بعد انتهاء ولايته الحالية. وقال إنّ المناظرة جعلته يبكي، وإنّه لا يتذكّر لحظة أكثر حزناً في سياسات الحملة الرئاسية الأميركية من تلك المناظرة.
اعتبر فريدمان أنّ “بايدن رجل ورئيس جيّد، لكن ليس من حقّه الترشّح للرئاسة مرّة أخرى”. لكنّه وصف ترامب بـ”الرجل الخبيث والرئيس التافه، لم يتعلّم شيئاً. إنّه آلة أكاذيب، وإنّه رجل مهووس بمظالمه، ولا علاقة له بما تحتاج إليه الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين”. ورأى أنّه “لمنح أميركا أكبر فرصة ممكنة لردع تهديد عودة ترامب في تشرين الثاني، يتعيّن على بايدن أن يعلن أنّه لن يرشّح نفسه لإعادة انتخابه، ويطلق سراح جميع مندوبيه للمشاركة في المؤتمر الوطني الديمقراطي ليتجمّعوا بسرعة حول مرشّح يحظى بالإجماع… قادر على توحيد ليس الحزب فحسب، بل البلاد أيضاً، من خلال تقديم شيء لم يفعله أيّ من الرجلين على مسرح أتلانتا ليلة الخميس: وصف مقنع للوضع الذي وصل إليه العالم الآن، رؤية مقنعة لما يمكن لأميركا وما يجب عليها أن تفعله لمواصلة قيادتها أخلاقياً واقتصادياً ودبلوماسياً”.
أضاف فريدمان: إذا كان هناك وقت يحتاج فيه العالم إلى أميركا في أفضل حالاتها، ويقودها أفضل من لديها، فهو الآن لأنّ المخاطر والفرص العظيمة تلوح لنا الآن. وكان يمكن أن يكون بايدن الأصغر سنّاً هو ذلك القائد، لكنّ الزمن قد لحق به وكان ذلك واضحاً بشكل مؤلم ولا مفرّ منه يوم الخميس. وإذا اختتم رئاسته الآن بالاعتراف بأنّه بسبب عمره لا يرقى إلى فترة ولاية ثانية، فإنّ ولايته الأولى والوحيدة سنتذكّرها باعتبارها من بين أفضل الرئاسات في تاريخنا. لقد أنقذنا من فترات ترامب المتعاقبة، ولهذا السبب وحده يستحقّ وسام الحرّية الرئاسي. ولقد كنت على استعداد لمنح بايدن فائدة الشكّ حتى الآن، لأنّه خلال الأوقات التي تعاملت معه وجهاً لوجه، وجدته على مستوى الوظيفة. ومن الواضح أنّه لم يعُد كذلك. فإذا كان هذا أفضل أداء يمكن أن يطلبوه منه، فعليه أن يحفظ كرامته ويغادر المسرح في نهاية هذه الولاية. أميركا والعالم بحاجة إلى الأفضل.
ديفيد إغناتيوس: للولاء تكلفة باهظة
وفقاً لديفيد إغناتيوس الذي يعترف بأنّه كان مؤيّداً قويّاً لمعظم سياسات بايدن الخارجية والداخلية، فإنّ “الولاء أمر مثير للإعجاب، إلا عندما يضرّ بالأشخاص الذين نحبّهم”. واعتبر أنّ “الدائرة الداخلية لمساعدي بايدن حمائية، وهذا خطأ. بايدن رجل عنيد وسريع الغضب في بعض الأحيان. لقد حافظ على بيت أبيض منضبط بشكل ملحوظ، مع القليل من التسريبات والحدّ الأدنى من الغيبة. ولكنّ الولاء والانضباط يمكن أن يأتيا بتكلفة. وإنّه لأمر مؤلم بشكل خاص في قصّة بايدن أنّه كان في معظم النواحي رئيساً جيّداً للغاية. فالاقتصاد قويّ، والولايات المتحدة تعمل بسلاسة مع مجموعة متزايدة التقارب من الحلفاء في أوروبا وآسيا، ونادراً ما كانت هيمنتنا الماليّة والعسكرية والاستخبارية العالمية أكثر وضوحاً. لقد كان بايدن فعّالاً على الرغم من علامات التوتّر الواضحة. لقد ظلّ أيضاً رجلاً محترماً.. لكنّه إذا كان يتمتّع بالقوّة والحكمة فعليه التنحّي ليكون أمام الديمقراطيين شهران لاختيار مرشّح آخر. سيكون السباق مفتوحاً على مصراعيه وصاخباً، لكنّ ذلك سيكون منشطاً للبلاد”.
بالنسبة لإغناتيوس، “لم يفُت الأوان بعد لفعل الشيء الصحيح. ليلة الخميس كان هناك شيء شكسبيريّ في وجه بايدن الهزيل والمسكون على المسرح وهو يحدّق كما لو كان يرى في ضوء خافت، ويكافح من أجل الكلمات حتى مع بقاء نبل هدفه. كان لتلك الليلة شعور بالنهاية. لكنّ النهاية هي أيضاً بداية جديدة. وهذا ما يستطيع بايدن، بحكمة عمره، أن يقدّمه للبلاد”.
إيمان شمص