عند الفوز: ترامب لمصلحة الأنظمة وهاريس لمصلحة الشّعوب!

28

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

أيّهما أفضل لمصلحة العرب: ترامب أم هاريس؟

سؤال مباشر يبدو بسيطاً لكنّه صعب الإجابة، كثير التفاصيل، فيه تعقيدات واحتمالات لانهائية.

نحن اليوم أمام 3 عناصر نسعى إلى فهمها وتفكيكها:

1- عنصر المرشّح.

2- عنصر الحزب.

3- عنصر الدولة.

نحن أمام ثوابت الحزب ومصالح الدولة لكن بأداء من المرشّح الفائز. تعالوا نحاول معاً فهم ما يدور.

عرفت الولايات المتحدة الأميركية أهمّية الانتخابات الرئاسية منذ عام 1789 حين فاز جورج واشنطن بمنصب الرئيس وكان ينافسه 12 منافساً. كانت فلسفة الآباء المؤسّسين للنظام السياسي الأميركي أن يكون الرئيس الأميركي ذا قوّة لكن محدّدة ومراقَبة من نفوذ المجلس التشريعي (شيوخاً ونوّاباً).

كانت فكرة السلطة متأثّرة بالعرف السياسي للمحتلّ البريطاني، وبأفكار الإصلاح للثورة الفرنسية (حرّية، إخاء، مساواة)، وأيضاً تأثّرت بعد ذلك بأفكار العقد الاجتماعي لمونتسكيو القائمة على أنّ هناك 3 سلطات (تنفيذية وتشريعية وقضائية)، ثمّ أصبحت المحكمة الدستورية العليا هي الفيصل الأعلى والنهائي في أيّ اختصام أو نزاع بين السلطات. في انتخابات 1804، 1812، 1816 كان يتمّ تعديل أو تنقيح إجرائيّ لضمان نزاهتها وعدالتها.

الانتخابات والتّوتّرات

تعرّضت مسيرة هذه الانتخابات لحالات غير تقليدية من التوتّرات والأزمات، مثل محاولات الاغتيال أو نجاح الاغتيال، أو وفاة الرئيس أثناء السلطة، أو نجاح رئيس في الفترة الرئاسية الأولى، ثمّ نهايته أو فشله في الثانية. وكانت أشهر الحالات خلوّ منصب الرئيس عند اغتيال جون كينيدي واستقالة ريتشارد نيكسون احتجاجاً مع ترحيب أو رفض ل.ب جونسون ترشيح نفسه بعد إتمامه فترة رئاسة كينيدي وعدم نجاح جيمي کارتر وجورج بوش الأب في الرئاسة الثانية أو تعرّض بيل كلينتون لمحاكمة الكونغرس عبر لجنة تحقيق خاصة (لجنة ستار). كلّ ذلك يدلّ على محورية وأهمّية البعد التاريخي لمنصب الرئيس الأميركي في الحياة السياسية.

مع الرئيس يتحدّد توجّه المصالح الخارجية، وأداء البورصة، وقوّة الدولار، ومنسوب التوتّر أو الاستقرار العنصري، أو سياسة الهجرة وشكل الضمان الاجتماعي واستقرار الأسعار وجودة الخدمات وأسعار الطاقة ونسبة تلوّث البيئة.

الرئيس قادر على إعلان حالة الحرب، وقادر بحكم الدستور على الضغط على زرّ الحرب النووية وإصدار أحكام عفو عامّ عن الغير وعن نفسه. كلّ ذلك تاريخ، لكن تمّ استدعاؤه بقوّة هذه الأيام في حالة تنافس بايدن – ترامب، وذلك لغرابة وندرة وتعقيد الحالة.

نحن أمام رئيس كان نائباً للرئيس، أتمّ فترته الأولى ووصل إلى الحكم بعدها فاز على آخر لم يتمّ فترته الأولى.

الرئيس بايدن خسر جولة الرأي العام في المناظرة أمام الرئيس السابق ترامب، وهو ما دفع أقطاب الحزب الديمقراطي للمطالبة بانسحابه.

في الوقت الذي بدت فيه الرئاسة على بعد أمتار من ترامب بعد المناظرة، انسحب بايدن ورشّح نائبته كامالا هاريس.

فى الساعات الأولى (أوّل خمس ساعات حصلت على 46 مليون دولار، وعند أوّل يوم 124 مليوناً، وحقّقت أكبر دعم غير مسبوق من صغار المتبرّعين في مدى زمني محدود.

فتح كبار المتبرّعين خزائنهم التي كانت محجوبة علی بایدن لهاريس.

في الوقت ذاته زادت شعبية ترامب عقب محاولة اغتياله الفاشله في بنسلفانيا، وعقب اختياره السناتور الشابّ جي دي فانس (39 سنة) ليكون نائباً له.

نتنياهو عقّد الأمور

ممّا يزيد من تعقيد الأمور زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لواشنطن لإلقاء خطاب خاصّ في جلسة خاصّة لمجلس الشيوخ والنواب. كانت تلك هي المرّة الرابعة التي يلقي فيها نتنياهو خطاباً في جلسة خاصة متفوّقاً بذلك على ونستون تشرشل الذي حظي بهذا التكريم ثلاث مرّات!

النائب الديمقراطي اليهودي الليبرالي بيرني ساندرز طالب النواب والشيوخ بمقاطعة هذه الجلسة وطلب من كلّ من قرّر الحضور أن يفكّر في المعاناة الإنسانية لأطفال غزة.

النائبة إليزابيت وارين طالبت بمقاطعة الجلسة بسبب جرائم الحرب التي ارتُكبت في حقّ المدنيين.

81 نائباً و9 أعضاء من الشيوخ قاطعوا الجلسة.

هاريس تنتفض

هذا السلوك وهذا الموقف أعطيا ضوءاً أحمر لمرشّحة الرئاسة هاريس التي تنتمي إلى التيار اليساري في الحزب الديمقراطي الذي أظهر اعتراضاً واضحاً على سياسة التدليل اللانهائي لإسرائيل التي اتّبعها بايدن الذي وصف نفسه بأنّه صهيوني قديم مؤيّد لإسرائيل.

اعتذرت هاريس عن الحضور على الرغم من أهمّية حضورها البروتوكولية كما نصّ النظام على أن يكون نائب الرئيس حاضراً على منصّة الجلسة المشتركة.

عقب اللقاء مع ترامب خرجت هاريس بشخصها في بیان صریح لوسائل الإعلام تؤكّد فيه:

1- ضرورة إنجاز اتّفاق الهدنة.

2- حتمية إيقاف إطلاق النار.

3- ضرورة تبادل الرهائن.

4- مراعاة كلّ المطالب الإنسانية للفلسطينيين.

مع تأكيد ضرورة عقد تسوية تقوم على حلّ الدولتين.

لم يفُت هاريس أن تختم بيانها القويّ “بأنّني لن أصمت حول هذا الموضوع”.

البيان في مضمونه كان رسالة واضحة لقاعدة الشباب اليساري فى الحزب الديمقراطي والنواب الذين استفزّهم الدعم غير المشروط الذي قام به بايدن لإسرائيل منذ 7 أكتوبر.

هل السيّدة هاريس مؤيّدة للحقّ الفلسطيني؟

نستطيع أن نقول إنّها امتداد لمدرسة جيمي كارتر (مهندس كامب ديفيد) وبيل كلينتون الذي حاول تطوير جهود السلام (أوسلو، اتفاق غزة – أريحا – الخليل).

يمكن القول إنّ المرأة التي وضعها القدر والظرف التاريخي النادر والمعقّد تحاول في حيّز زمني لا يزيد على 105 أيام من معركة التصويت أن تحقّق لنفسها وحزبها أكبر قدر من الدعم والتصويت فىي ولايات حرجة مثل ميتشيغن وبنسلفانيا وكاليفورنيا.

لذلك يمكن فهم وتفسير موقف هاريس بأنّه موقف انتخابي بالدرجة الأولى.

فى الوقت ذاته تسرّب بشكل متعمّد فيديو من لقاء ترامب ونتنياهو، قال فيه ترامب إنّه يتعهّد بأن يحسم كلّ شيء في الشرق الأوسط في مدّة قصيرة وبسهولة، وإنّه إذا فاز فسوف يحقّق السلام. وأمّا إذا خسر فإنّ المنطقة سوف تشهد عنفاً يصل بها إلى الحرب العالمية الثالثة على حدّ وصفه.

يعتمد ترامب في سياسته الخارجية على سياسة الربح والخسارة والمكاسب البراغماتية إلى حدّ الانتهازية السياسية التي لا تعرف أيّ خجل وليس على المواقف المبدئية.

في الوقت ذاته تعمد هاريس كتلميذة مخلصة لمدرسة الحقوق والقانون ودورها في العمل كنائب لمدعي عام سابق يحارب الفساد وتدعم الحقوق المدنية وحقوق الزواج المثليّ، والتكافل الاجتماعي والرعاية الصحّية التي تقترب من الرعاية الاجتماعية لدول شمال أوروبا ذات الصبغة الاشتراكية الاجتماعية.

يجعل كلّ ذلك من ترامب الانتهازي البراغماتي النقيض الكامل لهاريس المبدئية اليساريّة.

ترامب يعتمد في سياسته الخاصة على فنّ الصفقات الخاصة التي ورثها من تجربته كرجل أعمال وقام لينظّر لها في كتابه “فنّ الصفقة”.

في الشرق الأوسط كان زوج ابنته جاريد كوشنير مبعوثه لتمرير الصفقات السياسية ذات المردود الاقتصادي والماليّ.

فى حالة هاريس ينتظر أن لا تبني مواقعها في السياسة الخارجية على أساس براغماتي بالدرجة الأولى بل على قاعدة صلبة من معيار كيف تحترم الدول حقوق الإنسان؟

إذاً ما هي الفوارق أو الاختلافات بین المرشّحَين ترامب وكامالا هاريس؟

حاولت في هذا الجدول المقارن أن أبسّط المسألة:

المعركة أميركية بامتياز، وستكون لها تداعياتها الخارجية على استقرار أو سخونة الحرب الروسية، وعلى صعود الصين ومستقبل تايوان والعلاقة مع إيران وكوريا الشمالية والشرق الأوسط وإسرائيل وتركيا. من هنا تسعى القوى العالمية إلى الرهان والتمنّي على الرئيس والحزب الفائزين.

بالنسبة لنا نحن العرب فإنّ المسألة معقّدة للغاية لأنّ المصلحة هنا هي مصلحتان، مصلحة الأنظمة ومصلحة الشعوب.

من مصلحة الأنظمة أن يفوز ترامب لأنّه مهندس فنّ الصفقة، والصفقة معه معروفة الثمن.

أمّا مصلحة الشعوب فإنّها مع إدارة تضغط للإصلاح وحماية حقوق الإنسان، وتلك معضلة كبرى!!

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.