عصرُ الفسَاد .. بين إغتصَابِ الأرضِ والعرض

51

بقلم د. باسم عساف

إنَّ موجات الإنحراف والإفساد والضلال، تتزايد يوماً بعد يوم، وتتَّجِه نحو المجالس التشريعية والمجالس الحكومية، للقونَنة والتكريس في الدساتير، وأيضاً في المنظمات الدولية والكثير من البعثات التبشيرية و تحت قوالب وشعاراتٍ إنسانيةٍ، على أنهم يحملون الخير للناس، والإنقاذ للمجتمعات، والنهضة في المشاريع، والتنمية للبشرية على أرفع المستويات  الإنسانية، وهي تزايد على كل الدعوات، التي تدعو إلى تنظيم القوانين المدنية وطرح شعارات العلمانية،  لتوحيد الشعوب، تحت رأسٍ واحدٍ في الحكم والسلطة، حيث تهدف إلى  الهيمنة على العالم، وضمن مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة).

إن ما كان يمارَس بصورةٍ سرِّيةٍ، مع الخجل من هذه الأعمال المنحرفة، والشاذَّة عن كل الأعراف وكل الدساتير والقوانين، فقد باتت ممارسة الفساد على كل الصُّعد، مدعاة تَعَجُّب زهوَة العمل، وتأييدٍ لشجاعة مقترفيها، وجرأتهم بإعلانها أو بفعلتها، دون خجلٍ ولا تسَتُّر عل ما إقترفوه، من إنحرافٍ وشواذٍ عن طبيعة الإنسان في الخَلقِ والخُلُق، وفي إحترام الآخرين بمعتقداتهم وعاداتهم، وفي إتباع حرِّياتهم والسير على قوانينهم وأنظمتهم المعتمدة.

الفساد والإفساد، يسير جنباً إلى جنبٍ مع الأنانية والمصالح الشخصيَّة، التي تُفضَّل لديهم على المصالح العامة، حيثُ تفيد الجميع في الحقوق والواجبات، وهو الأمر الذي تنتظم فيه المجتمعات، وبالتالي الدول والأمم، وكلُّ ما عدا ذلك يُعتبر إنحرافاً عن الطريق الصحيح، للوصول إلى هدف العدالة والمساواة، والسير على النظام والقوانين، التي تحمي الجميع بقواعد التسليم بالحريات الشخصية، التي تقف عند حدود حرية الآخرين، وذلك بإتِّباع الإستقامة والصدق في العمل والتعامل، دون المساس بحقوق الآخرين، أو التعدي عليها، دون أي مُسوَّغٍ قانوني أو أخلاقي.

إن ما يجري على الأمور الشخصية من إنحرافاتٍ، وإستخدام الطرق الملتوية في التعامل مع الآخرين، والتعدي على حقوقهم بالإستلاب أو الإغتصاب، أو إستخدام القوة للوصول إلى المآرب والمصالح الخاصة، يجري ذلك أيضاً على الأمور العامة من تعدياتٍ وتجاوزاتٍ وإغتصابٍ للحقوق، بالعديد من القضايا والمسائل، التي يعود أصلها وريعها للآخرن  من مجموعاتٍ ومجتمعاتٍ، أو عشائر وعائلاتٍ، أو دولٍ وأممٍ، خاصَّةً بما تحويه من منتوجاتٍ ومقوماتٍ طبيعيةٍ أو صناعيةٍ أو موادٍ أوليةٍ تحت الأرض أو فوقها.

من هنا تأتي المطامع الدولية أو الفئوية، المبنيَّة عل المصالح الخاصة، ومن الذي يقود هذه المطامع، خاصَّةً إذا كانت لديه سلوكيات الإنحراف، والتعدِّي على القوانين المحليَّة والدوليَّة، وكل الأعراف التي مرَّت بالتاريخ القديم، أوالحديث الذي كثرت فيه الإنحرافات والتعديات، بالطمع والتعدي على المزيد من الغنائم المصلحية الخاصة فردياً لنزواتٍ معيَّنة، أو جَماعياً لمطامع ماديَّةٍ أو ساديَّةٍ تشبعُ الغرائز والغرور.

كم كانت هناك بالتاريخ، حروبٌ وأحداثٌ وغزواتٌ بين الأقوام والعشائر والقبائل، لأجل إثبات القُوَّة، ولأجل المزيدِ من الغنائم، أو لأسباب التفاخر بالسطوة والتسلط، وإخضاع الآخرين لهيمنة الأقوى، وبسط حكمهم على أوسع نطاق جغرافي، وأشمل نطاقٍ بشري ، حتى تتحقق عند الأقوى معتقداته المنحرفة إلى العظمة والعنجهية، ولو بفرض الهيمنة بالإغتصاب والتعدي على حقوق الآخرين بالممتلكات أو المعتقدات، أكان ذلك بالأرض أو العرض.

إن ما يشهده التاريخ الحديث، وخاصةً عصرنا الحالي، حيث بات الفساد على كل الصُّعد، من دون أن يسَمِّيه الكثير من الناس أو الدول، على أنه إنحرافٌ عن خطِّ العقد الإجتماعي في الدول والمجتمعات، أو ممارسةِ الشَّواذ والنشاز عن الشرائع والأعراف، التي إستقرَّت عليها الشعوب مدى عهود وعقود من الزمن.

وعليه فقد تسارعت الأمور مع عصر السرعة، في الكثير من الوقائع، وبفعل المستجدات بالوسائل والأساليب، مع التطور الكبير في إستخدام الأجهزة والمخترعات الحديثة، التي باتت تعتمد على المادة والآلة، حيث يُستعاض بها عن البشر والناس، وهم يطلقون عليها تسمية (الذكاء الإصطناعي) لتأخذ مكان الإنسان بالأعمال المجرَّدة من أية حقوقٍ وأحاسيسَ وعواطفَ وأخلاقياتٍ، لتتحول مجتمعاتنا ودولنا إلى روبوتات موجَّهة مادِّياً دون أي أحاسيسَ إنسانيةٍ، مع حذف دور الرجل والمرأة في هذه الحياة.

الكثير ممن فقد أحاسيسه وعواطفه وشعوره الإنساني ودوره البشري، بات يعيش كالروبوت بتوجيهٍ إنحرافّي من المفسدين، الذين يرسمون خارطة طريقه، ليكون في خدمتهم بالوصول إلى غايتهم، وهذه الغاية تستخدِم كل الوسائل وكافة الطرق، دون إحتسابٍ حقوق وحريات ومصالح الآخرين، لأن المصلحة الخاصَّة مُميَّزةً عندهم، فتكون هي الأَولى بالتنفيذ ولو بالقوة والإغتصاب.

هذا ما نشهده على الصعيد الإقتصادي، والتعديات على مصادر الطاقة والإنتاج المادي والصناعي والمالي، وجميعه يستوجب إستخدام السلاح وكل عوامل القوة للإستيلاء على مصادرها، والإطمئنان إلى إمتلاكها وإستخدامها بطمأنينه، كما الأمور الشخصية في الوصول إلى النزوات الشيطانية بإستخدام الجسد والجنس للوصول إلى الشهوات المزاجية، عبر إستخدام القوة والإغتصاب، خاصةً مع الضعفاء من القاصرين والقاصرات، وحتى النساء والرجال الضعفاء، حيث المهمّة الإنحرافية تنتهي بالوصول إلى الغاية المطلوبة.

السؤآل الأكبر : من الذي يفسد في الأرض؟

ومن هو المستفيد من هذا الإفساد ولماذا؟

وماذا تكون نتائج هذا الإنحراف عن الشرائع والقوانين والأعراف.

وإلى أين يتجه العالم في ظل أجواء الإنحراف والفساد.

وهل الحياة البشرية وجدت لتجسيد الحقوق والعدالة، أم الإفساد والإنحراف.

إن حقوق الإنسان التي وجدت مع الخلق والوجود البشري، وإن المساواة التي وجدت مع تشكيل المجتمعات، وإن العدالة التي وجدت مع قيام الدول  والكيانات السياسية والدولية، هي الأساس في التكوين البشري، ومن خلالها يؤدي الإنسان دوره للعيش الكريم، وليمضي في الحياة الحرة الكريمة.

وإن كلَّ ما عدا ذلك يُعدُّ إنحرافاً عن الخط الصحيح لهذه الحياة، ولا يقوم بهذا الدور في الإنحراف، إلا المفسدون الفاسدون، الذين يسلكون درب الشياطين، التي تتحكم ببني البشر، وهذا يشكل الإستثناء من القاعدة في الحياة البشرية، فكيف بها اليوم تتزايد وتتكاثر الإنحرافات، ومن يشجِّعها ليعمَّ الفساد، حيث تتحقق معهم قاعدة : الغاية تبرر الوسيلة، لذا كان إغتصابهم للأرض كما حدث في فلسطين، ولأتباعهم في منطقة الشرق الأوسط، والعديد من المستعمرات، لفرض الهيمنة، وكما في الدعوات للتغيير وللإنحراف والسادية والمثليَّة في الدساتير والمعاهدات الدوليّة، حتى يسهل عليهم السيطرة، وحكم العالم السائب والمنحرف عن القاعدة، ويسهُل عليهم الإغتصاب، أكان بالأرضِ أو العرض.

د. باسم عساف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.