طهران والدّوحة… والتّفاوض مع واشنطن ثالثهما

22

بقلم حسن فحص

«أساس ميديا»

لا يمكن اعتبار أو وصف الزيارة، التي قام بها رئيس دولة قطر الأمير تميم بن حمد لإيران، بأنّها تهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين أو تفعيل الاتّفاقات الاقتصادية والتجارية. فهي تأتي في لحظة حسّاسة تمرّ بها إيران ومنطقة الشرق الأوسط نتيجة تسارع الأحداث والتطوّرات في الأشهر الثلاثة الاخيرة، وكانت على حساب المشروع الإقليمي الاستراتيجي لإيران بالدرجة الأولى.

الحرص الإيراني على العلاقة مع الدوحة وإبعادها عن أيّ تأثيرات سلبية برز بشكل واضح في الموقف الإيراني من التطوّرات السوريّة الأخيرة. فعلى الرغم من معرفة القيادة الإيرانية بالدور القطري الفاعل على الساحة السورية منذ بدء الانتفاضة الشعبية في آذار عام 2011، وصولاً إلى التحوّل الذي شهدته هذه الساحة في الثامن من كانون الأول 2024، وتسلّم أحمد الشرع الرئاسة، إلّا أنّ طهران وجّهت أصابع الاتّهام إلى الثلاثي الأميركي – الإسرائيلي – التركي بالتآمر على سوريا واستهداف النفوذ الإيراني.

سعت طهران بشكل واضح للفصل بين موقفها من الدور التركي في سوريا وبين موقفها من العلاقة مع دولة قطر وقيادتها. وقد كان ذلك واضحاً من خلال إبعاد قطر من دائرة هذه الاتّهامات أو الدور السلبي. وذلك في مؤشّر إلى سعي طهران لإبعاد هذه العلاقة عن أيّ أسباب للتوتّر أو الاختلال، نظراً لحساسيّة الدور الذي تلعبه قطر في العديد من الملفّات ذات الاهتمام المشترك أو التي تشكّل أولويّة للسلطة الإيرانية على المستويَين الدولي والإقليمي، بالإضافة إلى البعد الاقتصادي المرتبط بدور قطر المساعد في تخفيف حدّة الموقف الأميركي من العقوبات.

دمشق في قلب المحادثات

تأتي زيارة الأمير القطريّ لإيران بعد زيارة قام بها لسوريا، كانت الأولى لرئيس دولة عربية، واللقاء مع الرئيس السوري أحمد الشرع. كانت التطوّرات السوريّة أحد أهمّ محاور المباحثات التي أجراها الضيف القطري مع القيادة الإيرانية. وقد تفتح المباحثات الطريق أمام مسار جديد من العلاقة بين طهران ودمشق برعاية قطرية، خاصة أنّ المواقف التي تحدّث عنها الأمير تميم والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في مؤتمرهما الصحافي بعد خلوة ثنائية بينهما استمرّت لنحو ساعتين، أشارت بوضوح إلى ضرورة السعي لإنجاح تجربة السلطة السورية الجديدة.

من الواضح أنّ الدوحة ستلعب دوراً محوريّاً وأساسيّاً في ترطيب العلاقة بين طهران ودمشق الجديدة، والعمل على تطوير الإشارات التي صدرت عن كلا الطرفين لإعادة بناء علاقات على أسس جديدة، سواء في المواقف التي صدرت عن الرئيس الشرع الذي أبدى رغبة في إعادة بناء العلاقة مع إيران باعتبارها دولة إقليمية كبيرة، أو في الإشارات التي صدرت عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي خلال زيارته الدوحة في 30 كانون الثاني 2025، وتحدّث فيها عن استعداد طهران لإعادة ترميم علاقتها مع دمشق، من دون أن يتخلّى عن رؤيته لمستقبل سوريا في تشكيل سلطة بمشاركة جميع مكوّنات المجتمع السوري والحفاظ على وحدة الأراضي والسيادة السورية.

يبدي الجانب القطري حرصاً على تهدئة مخاوف النظام الإيراني من التطوّرات السياسية التي تشهدها المنطقة، ومنع الإقليم من الدخول في حالة من التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات، خاصة إمكان نشوب حرب بينه وبين الولايات المتحدة مباشرة أو بالواسطة عبر تل أبيب. هذا ما يجعل من الممكن وصف العلاقة بين طهران والدوحة بأنّها تأخذ طابعاً استراتيجيّاً في هذه المرحلة الإقليمية الدقيقة:

– سواء في ما يتعلّق بتطوّرات الساحة اللبنانية، التي تلعب فيها قطر دوراً فاعلاً من خلال عضويّتها في الخماسية الدولية. وقد برز ذلك في الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية القطري لساعات لبيروت بعد أربعة أيام من زيارة نظيره الإيراني للدوحة (4 شباط).

– أو في ما يتعلّق بمسار التسوية على الساحة الفلسطينية وضمان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وتسهيل الانتقال إلى العملية السياسية وإعادة تشكيل السلطة التي من المفترض أن تتولّى إدارة الحكم في غزة.

توسيع دائرة التّعاون الإقليميّ

كلّ ذلك، مع إدراك طهران لضرورة توسيع دائرة التعاون مع محيطها الإقليمي لمواجهة ما يمكن أن يحصل من تطوّرات لن تكون خارج تأثيراتها السلبية بمعظمها. وهذا ما يدفعها لرفع وتيرة التنسيق مع العواصم العربية، وتحديداً مع عواصم دول الجوار الخليجي، وفي مقدَّمها العاصمة السعودية الرياض. وذلك من أجل بناء مظلّة إقليمية تقوم على التفاهم والتعاون والتنسيق وتعميق العلاقات.

من هنا يمكن فهم اللقاء الذي جمع عراقتشي في أثناء زيارته للدوحة مع قيادة حركة حماس قبل أن تنتقل هذه القيادة إلى طهران وتجتمع مع المرشد الأعلى، الذي استخدم اللقاء لتوجيه رسائل مباشرة إلى الإدارة الأميركية والقيادة الإسرائيلية، بعدم تخلّي النظام عن أوراقه الإقليمية وتمسّكه بموقفه الداعم لحماس في ممارسة دورها السياسي في مستقبل فلسطين، ثمّ عزّزه بلقاء مع قيادة حركة الجهاد الإسلامي عشيّة الزيارة القطرية.

ترطيب التّواصل بين طهران وواشنطن

مساحة التعاون والتنسيق، التي تدخل في المجال الاستراتيجي بين طهران والدوحة، لا تقتصر على الساحات السورية واللبنانية والفلسطينية، بل تتّسع لتشمل الدور الذي قد تلعبه الدوحة في إعادة ترطيب قنوات التواصل غير المباشر بين طهران وواشنطن.

تبرز أهميّة الدور القطري في هذه المرحلة، التي تشهد تصعيداً متوقّعاً في المواقف بين هذين الطرفين، في ما يسهم في توفيره من مظلّة إقليمية ذات محورية عربية خليجية تحاول طهران إقامتها لتساعدها في الصمود أمام الضغوط الأميركية المرتقبة، خاصة في الجانب الاقتصادي. من هنا جاء كلام المرشد مع الضيف القطري حول الودائع الإيرانية البالغة نحو 6 مليارات دولار، والتي كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية ثمناً لصفقة تبادل أسرى مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

على الرغم من الموقف التصعيدي الذي اتّخذه المرشد في الأسبوعين الأخيرين من المفاوضات مع الولايات المتحدة، والذي جاء بعد أقلّ من أسبوع من بروز ضوء أخضر خافت لمسؤولي الحكومة بإمكان التفاوض، وعلى الرغم من إشارته أمام ضيفه القطري إلى “عدم وجود فرق أو اختلاف بين الرؤساء الأميركيين في عدائهم لإيران” ، إلّا أنّ المرشد ومنظومة السلطة تركا الباب موارباً أمام العودة إلى طاولة التفاوض، ووضعا شرطاً واضحاً في تعليق الرئيس الأميركي دونالد ترامب العمل بالمذكّرة التنفيذية التي أصدرها وتنصّ على عقوبات.

هنا تأتي أهمّية الدور القطري الذي سبق أن أعلن استعداده للعب دور الوسيط في تسهيل هذه المفاوضات التي تجنِّب المنطقة أزمة جديدة، قد تكون أكثر سلبية من كلّ الأحداث والتطوّرات التي شهدتها في العام الماضي.

تكشف إشارة المرشد إلى تشابه الرؤساء الأميركيين في موقفهم من النظام الإيراني، عن مستوى الرسالة التي حملها الضيف القطري حول وجود رغبة بالعودة إلى طاولة التفاوض. في المقابل، أراد المرشد إيصال رسالة واضحة إلى واشنطن بأنّه ما زال يملك الكثير من الأوراق التي تفرضه قوّة إقليمية، وأنّه قادر على استخدامها في حال التعرّض لأيّ اعتداء أو عدوان، سواء من قبل واشنطن مباشرة أو من قبل تل أبيب.

مفتاح العقوبات الدّوليّة عند أوروبا

لا بدّ أن ينطلق أيّ تفاهم أو تفاوض من الاعتراف بما تملكه إيران من قدرات دفاعية، وما وصلت إليه من تقدّم نووي قابل للتفاوض حول حجمه وليس تفكيكه، خاصة في ظلّ الصعوبة التي قد يواجهها ترامب في إعادة تفعيل العقوبات الدولية في مجلس الأمن. وذلك في ظلّ الإحباط الأوروبي الذي يملك مفتاح تفعيل قرارات مجلس الأمن، نتيجة استبعاده عن المفاوضات حول الأزمة الأوكرانية، والخوف من أن تكون الصفقة بين واشنطن وموسكو على حساب المصالح الاستراتيجية لأوروبا، وإمكان التوصّل إلى تفاهم بين طهران والعواصم الأوروبية لمواجهة المدّ الترامبيّ.

حسن فحص

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.