شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – يتساقطون كأوراق الخريف
المشهد في قاعة كاتدرائية مار جرجس المارونية، أول أمس، تجاوز شكليات الواجب الاجتماعي، ليذهب الى مدلولات مهمة عن أحوال لبنان.
توافدنا الى القاعة الرحبة، فسيحة الأرجاء، للعزاء بالمرحوم الشيخ سليم بطرس الخوري، متعاطفين مع الأسرة الكريمة لاسيما الشيخ خليل (رفيقنا العزيز في تأسيس جامعة آل خوري في لبنان والعالم)، وابن شقيقته الصديق الشيخ بيار الضاهر. ووجدنا أنفسنا بين حشد كبير من المعزين حتى ليصح القول إن لبنان كله كان هناك. فالفقيد كان ركناً سياسياً صامتاً بعيداً عن الأضواء، وقد تعالى فوق المناصب والإغراءات السياسية التي كانت تسعى إليه، وهو نجل الرجل الذي حمل اقتصاد لبنان على منكَبَيه عقوداً طويلة من الزمن اللبناني الجميل. فالشيخ بطرس الخوري لم يكن مجرد رجل أعمال ناجح وحسب، بل كان مجموعة رجال متفوقين في رجل واحد. وحوّل بلدة كرمسدة المتواضعة الى محجة للكبار، منطلقاً من العفوية والصدق والأمانة وصفاء الوطنية.
وتقديراً لمزاياه تدفق المعزون، سياسيين واقتصاديين ومصرفيين، من ألوان الطيف اللبناني كلها، مسيحيين ومسلمين ودروزاً، خصوصاً الوجوه البيروتية من قطاعَي العاصمة… مع الإشارة الى البورجوازية، أو مَن تبقى منها، شرقاً وغرباً. إضافة الى النواب والوزراء، حاليين وسابقين وأسبقين، ومرشحي رئاسة، والإداريين وكبار القيادات العسكرية والأمنية(…).
هذا المشهد يدل على تأصل الوفاء في وجدان اللبنانيين الذين قرفوا من هذا الزمن اللبناني التافه وقد أغرقتهم القيادات السياسية الهجينة في مستنقعات الإفقار والإذلال والقهر والهجرة والبهدلة…
وبعد، يرحل الشيخ سليم ليعود الى ربه فينضم الى مَن سبقه من قوافل لبنان الازدهار والبحبوحة ورغد العيش والريادة في الإقليم والعالم… لبنان الذي عرفناه وعشقناه بحلوه ومرّه، وليس هذا اللبنان المسخ الذي أوصَلنا إليه رعاع زمن الردة والتردد إلّا حيث الفساد والإجرام واللصوصية والارتكابات.
ألا، ليتقبّل الله الشيخ سليم بطرس الخوري بواسع رحمته، وليقِ لبنان.