شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – المشهد الرائع لشعب متجذر في أرضه

24

ننحني بإجلال واحترام وتقدير أمام قافلة الشهداء الجدد وعشرات الجرحى  الذين رووا، أمس، أرض الجنوب بدمائهم الطاهرة وقد سقطوا في أشرف موقع للشهادة: على أبواب بلداتهم وقراهم في محاولتهم العودة إليها وتفقد ما بقي منها بعد الدمار الهائل الذي خلّفه الاحتلال الصهيوني البغيض الذي لا يزال يتمركز على تخوم تلك البلدات الحدودية الشاهدة (مع غزة) على إحدى أشنع جرائم العصر بربريةً ووحشيةً، والشاهدة بالذات على عالم أقل ما يُقال فيه إنه مشارِك في الجريمة بالتواطؤ وبتشجيع العدوان وحتى بالصمت.

قد يُقال الكثير، وربّما عن حسن نية، عمّا جرى أمس بأنه لم تكن ضرورة ملحّة لا سيما أن العدو أعلن أن الأوامر أُصدِرت الى قوّات الاحتلال بإطلاق النار على المدنيين الذين سيعودون الى مناطقهم لتفقد ممتلكاتهم والبحث بين الأنقاض عن ذكريات غاليات، وبالتالي فالعودة محفوفة بالمخاطر وكان مفترَضاً إرجاؤها الى ما بعد إجلاء العدو الخ… وجوابنا على هذا القول إن مَن يعدُّ جمر التهجير الحارق ليس كمَن يحمله. فالعودة السريعة أكثر من ضرورية أيّاً كانت تداعياتها مؤلمة.

ونعرف أكيداً أن العالم المشارك في الجريمة «يتفهم» (بلسان كبيره) الرئيس الأميركي دونالد ترامب «ضرورات إرجاء الإسرائيلي انسحابه الكامل من لبنان»، وفي المقابل نعرف ولكننا لا نتفهم كيف أن هذا العالم يقبل بمنع الأهالي من عودتهم لتفقد بيوتهم، ونكرر: أو ما بقي منها. ولا نتفهم كيف لم يردع، هذا العالمُ المتواطئ، الاحتلالَ من قتل العائدين الأبرياء.

ويجب التوقف عند الأطفال والسيدات وكبار السن الذين كانوا بين العائدين، وقد غلبت عليهم عودة عائلات بأكملها. إنه مشهد يدعو الى الاعتزاز والفخار بشعبنا الجنوبي الذي يثبت، دائماً وأبداً ، أنه متجذّر في هذه الأرض المقدّسة، يتشبّث بها ولن يتخلّى عنها أيّاً تكن الصعوبات، ومهما تبلغ التضحيات من الأثمان الباهظة.

وبعد، أمام قوافل أهلنا العائدين الى الجنوب، أمس، حضرتني بضعة أبيات من قصيدة عصماء للشاعر الكبير وديع عقل، المعروف بـ «شاعر الثريا» أردت إسقاطَها على أرض الجنوب. أنشد الوديع يقول:

«واخلعْ نعالَكَ قبل دوسِ ترابهِ/ فترابُ لبنانٍ رُفاتُ أجدادهِ

وطنٌ فُتِنْتُ به ولو عبثَ الردى/ بأسودهِ وقضى على أشبالهِ

لو خيّروني الجِنانَ لأنكرتْ/ نفسي عليَّ رضايَ باستبدالهِ».

والتحية والحب الى الجنوب وأهله.

khalilelkhoury@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.