شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – الانسحاب الجزئي أفضل حتى إشعار آخر

36

لأوّل مرة نجد أنفسنا غير مسرورين بإنسحاب العدو من أراضينا المحتلة، إذ إن ثمّة غصّةً في الحلق، وضيقاً في الصدر، وألماً في النفس من وضعٍ عامٍّ ليس فيه ما يدعو الى الفرح والاعتزاز.

ومن دون أي قصدٍ أو تخطيط يجد المرء نفسه يقارن بين ذلك الخامس والعشرين الأغرّ من شهر أيار (العام 2020)، يوم وجد العدوّ الإسرائيلي نفسه يغادر المناطق التي كان يحتلها في وطننا وهو يجر أذيال الخيبة، ذليلاً مهزوماً، فيما الزهو بالانتصار يُقرأ في ملامح الوجوه كلّها، من الأقاصي الى الأقاصي على امتداد رقعة العشرة آلاف وأربعمائة وخمسة وعشرين ألف كيلومتر مربّع. أمّا اليوم فنحدّق في الوجوه ولكن عبثاً… فهيهات أن ترتسم أمارة واحدة من أمائر الفرح والنشوة والاعتزاز على وجه أي إنسان في هذا الوطن المنكوب.

يومذاك حققت المقاومة إنجازاً تاريخياً استثنائياً، لعل أكثر ما فيه من الروعة والعزة والكرامة أنه تم من دون أن يحصل العدو ولو على مجرّد قصاصة ورق واحدة… بينما، اليوم، أخذ العدو منّا «شكّاً على بياض»، في الاتفاق المشؤوم.

المهم، نحن هنا: انسحب جيش العدو الإسرائيلي بعدما طغى وتجبّر وارتكب من المجازر والدمار وتسوية المنازل بالأرض ما سيبقى شاهداً على بربرية الكيان الصهيوني ووحشيته الى آماد طويلة. وبما أن هذا العدو يقيم تحالفاً يبلغ حدود التماهي الحقيقي مع الولايات المتحدة الأميركية، فلم يبقَ سوى القبول بهذا الواقع والانطلاق نحو خطة حكيمة للتوصل الى حلٍّ ما بهدفٍ استراتيجيٍ واضحٍ لا حياد عنه وهو عدم تأبيد الاحتلال المستمر في النقط الخمس. فهذه المواقع الخمسة هي أرض لبنانية لا يمكن التخلّي عنها أيّاً كانت أو ستكون الصعوبات والعراقيل.

وعليه فإننا لا نرى بدّاً من أن تتولى السلطة اللبنانية (بدءاً من هذه اللحظة) مفاوضات حثيثة مع الجانب الأميركي الذي في يده مفتاح الحلول. نعرف، سلفاً، أن واشنطن لن تُقدِم على أي خطوة إلّا بما يخدم الكيان العبري، ولكننا نعرف جيّداً، في المقابل، أن المسؤولين اللبنانيين ليسوا بعيدين عن الرعاية الأميركية، وأنهم قد يكونون على حظوةٍ لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، فليبادروا…

وتبقى الحقيقة الصارخة أن لا بديل عن الدولة في حماية البلاد والعباد.

khalilelkhoury@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.