شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – إنذار؟ توصيف؟ تحذير؟
اختلفت التفسيرات في ما أدلى به عاموس هوكشتاين موفد الرئيس الأميركي تجو بايدن الى فلسطين المحتلة ولبنان. وراوحت الآراء بين قائل إن الرجل حمل إنذاراً اسرائيلياً الى المسؤولين اللبنانيين من «الآتي الأعظم»، وقائلٍ بل هو حمل توصيفاً للوضع (بالغ) الخطورة، وثالث رأى إنه «تحذير أميركي» مقرون بضرورة أن يعي المسؤولون اللبنانيون أن عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم لأن ثمة حدوداً للقدرة الأميركية على الضغط وممارسة النفوذ على نتانياهو ومساعديه من فريق الحرب والجنون الذي يتحكم بالقيادة الصهيونية. إلّا أن الجميع يتقاطعون عند التوصيف بأن ما يجري على حدودنا الجنوبية ويتجاوزها بميزان «شبه مضبوط»، حتى الآن، هو قابل للانفجار الكبير. النقطة الأكثر وضوحاً في مهمة هوكشتاين كانت التركيز على دور الجيش اللبناني الذي خصّ موفَد البيت الأبيض قائدَه العماد جوزاف عون بالزيارة الأولى مع وعود «جدية» ليس باستمرار المساعدات الأميركية إنما، كذلك، بتعزيزها لأن واشنطن لا ترى استقراراً في الجنوب إلّا بانتشار «فاعل» للعسكر اللبناني في منطقة الشريط الحدودي بمؤازرة قوات حفظ السلام الدولية مع تعهد أميركي بتعديل مهام هذه القوات في المستقبل، بعد بحث الأمر مع سائر أعضاء مجلس الأمن الدولي. وأكّدت مصادر وثيقة الإطلاع على أن موضوع الملف الرئاسي لم يرد على الإطلاق في محادثات اليرزة. ولكن المنطقة المنزوعة السلاح هي ما يرفضه حزب الله، إلا إذا أقيم مثلها في داخل الحدود الفلسطينية المقابلة وشملها حضور القوات الدولية فيها، وهذا ما يرفضه المسؤولون الصهاينة حتى إشعار آخر. وفيما كان عاموس يتنقل بين اليرزة وبيروت كانت الجبهة الجنوبية تشتعل والعدو يصعّد عدوانه والحزب يحقق المزيد من الضربات الموجعة التي بدأت تقترب من مشارف الشعار الأثير: «ما بعد، ما بعد، ما بعد حيفا»، وأيضاً يزداد الضغط في الكيان العبري على «بيبي» وجنرالاته بحسم الموقف بالتوصل الى وقف إطلاق النار أو بالحسم… مع تدارك شبه إجماعي أن الحسم بالقوة دونه محاذير كبيرة لنتائج غير مضمونة. فهل جاءت زيارة هوكشتاين من دون أي نتيجة؟ الجواب سيتبين في الأيام القليلة المقبلة، مع أخذ بعض العِبَر من كلام هذا الكبير بين الموفَدين الأميركيين الى المنطقة، وبالذات الى لبنان وفلسطين المحتلة. أبرزها، في تقديرنا، قوله إن ما يُدار من حرب في الجنوب هو «بين إسرائيل وحزب الله»، وليس بين الأولى ولبنان. وهذا كلام لا يمكن وروده بالمصادفة، إنما هو مدروس بدقة وعناية، لاسيما أنه لم يكن مرتجَلاً، إنما كان مكتوباً حبراً على ورق. وهذا له مدلولاته من دون أدنى شك. ومن تلك الملاحظات والعِبَر أن يصف عاموس اللقاء مع رئيس المجلس بأنه إيجابي ومفيد. ويبقى أن ثمة استنتاجاً لا يمكن، وربما لا يجوز عبوره من دون التوقف عنده، وهو أن موفَد بايدن كان قد أعلن قبل أيام قليلة أنه أرجأ زيارتَه المنطقةَ الى ما بعد وقف إطلاق النار وإعلان الهدنة في غزة. ولكن الهدنة سقطت بعد فشل المساعي المعروفة، وازداد الضغط على نتانياهو مع تفكك «كابينت الحرب» من حوله. وهو يعرف سلبيات حرب يشنها على لبنان مع عدم قدرته على التراجع عن التزامه بها… فهل جاءنا هوكشتاين لينقذ السفاح نتانياهو من مأزقه، أو (على الأقل) ليخفف عنه فينعشه بجرعة أوكسيجين يأتيه بها، هذه المرة، من عندنا؟!.