شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – «أنتم لا تستحقون لبنان»

54

يقول الديبلوماسي الأوروبي الغربي الذي يعشق لبنان، وهو لا يزال مؤمناً به وبمستقبله: ليأذن لي شعب لبنان أن أخاطبه بصراحة، سيعتبرها البعض بأنها وقاحة، إن بلدكم يستحق طاقماً سياسياً أفضل بكثير من هذه «الجماعة السياسية» كما يسميها بطريرك الموارنة. وربما أذهب أبعد لأقول إن بلدكم، الذي أعرفه جيّداً، لم يعرف في تاريخه قياداتِ سيئةً على مثال هؤلاء الذين يتولون شؤونكم، لأنهم «مثال استثنائي» للفساد والاثرة والطمع والجشع واستباحة كل محظور في سبيل ملء الجيوب وإشباع الشبق الى المال والسلطة. والأنكى من هذا كلّه الاستمرار في هذا المسار المخزي لدرجة أنهم لا يتوقفون عند أي اعتبار أو مبدأ أو قيمة.

ومضى الديبلوماسي الأوروبي الغربي يقول: ليعذرني الشعب اللبناني الذي يبدو أنه لا يعرف تاريخه، حتى الحديث منه، بأن أقول إنه يتنكر له، بوعي أو من دون وعي، فأدعوه الى أن يسترجع في ذاكرته أو من وقائع ما تناهى إليه كيف أن الذين بنوا دولة الاستقلال ماتوا فقراء من رؤساء وزعماء وقيادات… فيما كان الشعب ينعم بالبحبوحة والازدهار والرفاء والريادة على المنطقة كلها في مجالات التطور والتقدم، بينما في مرحلة ما بعد الحرب، وحتى اليوم، فتحول التعاطي في مواقع ومناصب السلطة، والسياسة عموماً، الى مزاريب تسيل منها الثروات الطائلة الخرافية مع ما يرافقها من روائح الفساد والارتكابات مع الانبطاح أمام الأجنبي… أما أنت أيها الشعب اللبناني المسكين فغارق في الفقر والتعاسة، والقهر ونصفك على الأقل تحت خط الفقر.

وقال: لقد عرفت لبنان عن قرب وأحببته بالتوازي مع حبي لبلدي، وعرفت فيه نخبة من السياسيين الكبار، والبرلمانيين اللامعين، والقضاة الذين يشرّفون القضاء في العالم كله، والديبلوماسيين الذين لا تزال منابر الأمم المتحدة وسائر المنابر والمؤتمرات الإقليمية والدولية تشهد لهم.

وتوجه بكلامه إليَّ مباشرة ليسألني: هل ما زلتَ تطالبني بأن أخفف من ثورتي على قياداتكم التي أنهت لبنان وانتهت به الى ذيل البلدان؟ هل يمكن القبول، بل مجرّد التصور، أن جنى أعمار الناس ذاب، بل طار الى جيوبٍ معروفة، ولم يصدر عن القضاء حراك واحد (ولا أقول عن السلطات الرسمية والقيادات فهذه معظمها مشبوه)، وحتى إذا حدث ذلك جوبه بالقمع من القضاء ذاته؟ وهل مَن يصدق أن مرفأ بيروت يتعرض ومعه العاصمة الى كارثة شبه نووية ومع ذلك لا يتقدم التحقيق خطوة واحدة؟! وتريدني يا صديقي ألّا أثور؟

… وبعد طول استفاضة ختم قائلاً: يؤلمني أن أقول إنكم لا تستحقون لبنان.

khalilelkhoury@elshark.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.