سلامٌ لِمَن يحب السلام

1

بقلم فوزي عساكر

«رئيس تحرير مجلة العالمية»

الشعوب العقائدية، تقتلُها العقيدة، ولا تُحقق السلام، وتورث عقيدتَها لأجيالٍ وأجيال، فتصبح أرحامُ الأمهات مصانعَ، تُنجبُ سلفًا مَن قُدِّرَ له أن يَموت من أجل عقيدة، ولا يجرؤ على خلق عقيدة تَصلحُ له فيعيش بسلام.

والـمؤسف أنّ الشعوب والدول التي نكفّرها، وإيـمانًا بعقيدتنا نُحلّل لها الـموت، هي الدول والشعوب التي تستقبلنا وتقدّم لنا كلَّ مقوّمات العيش بسلام.

لبنان، هذا الوطن الصغير، قلبُ الله على الأرض، لا يهمّ أحدًا من الدول، أكانت الدول العقائدية التي تستخدمه ساحةً لتصفية حساباتها، أَم الدول الديـمقراطية التي تعتبره خاصرةَ إسرائيل الرخوة، ومن أجل إسرائيل تسارعُ لإحلال السلام فيه، كي لا يكون موطنًا أو مَمرّاً للإرهاب، وزعزعة أمن إسرائيل. فإسرائيل هي الأساس بالنسبة الى الدول الديـمقراطية. ولكن، إنْ شاءت الإرادة الدولية إحلال السلام في لبنان، ولو كان من أجل إسرائيل، علينا أن نستفيد من فرصة إحلال السلام.

نَحن ننسبُ الإنْجازات الكبرى إلى الحركة السياسية الداخلية، إمّا لأننا لا ندرك من الـمعرفة شيئًا، وإمّا لأننا نريد أن نقطف ثِمار الحركة السياسية الخارجية، لزيادة رصيدنا في الداخل، رافعين شعار «السيادة».

نحن دولة، لا علاقة لها بالسيادة، لا من قريب ولا من بعيد. فكل فريق سياسيّ، مرجعيّتُهُ في الخارج، وننتظر السفراء لنسألهم أيَّ مسؤولٍ في أيّ موقع يريدون! هل هذه هي سيادة؟! فريقٌ ينتظر السلاح من الخارج ليدمّر الأمان في الداخل ومع الخارج؛ وفريق ينتظر حقائب الـمال ليعزّز موقعه في الـمناصب القيادية… ومع كل سلاح أو حقيبة، جهازٌ هاتفيّ، يُستعمَل لتلقّي الرسائل والتمنيات وحتى… الأوامر!

بعد أن انتهى مخاض الولادة العسير، وأرسلت لنا السماء رئيس جمهورية نظيفًا، قد يستطيع إدارة الـمرحلة الصعبة وبناء دولة ـ إنْ لم يعرقل الشياطينُ مسيرتَهُ ـ إعتقدنا أننا اخترنا رئيس حكومة بإرادة وطنية من دون تدخُّل خارجي على الإطلاق. ولكنّ الـمعتَقَدَ لا يكفي لبرهنة الحقيقة، كما أنّ إعلان الحرب على النوايا قد دمّرَ البلد برجاله ورجالاته ونسائه وأطفاله وبيوته ومدنه وكل مقومات العيش فيه.

رئيس الحكومة جاء من رئاسة أعلى محكمة دولية، كان فيها يُحاكم نتنياهو وغالانت بشراسة، فهل يتخلّى عن منصب رفيع وقضايا آمَنَ بها العرب جميعُهم، ليؤلّف حكومةً من بقايا عُدّة الفاسدين الذين حكموا البلد أربعين سنة فأحرقوه؟! طبعًا لا… ولو اعتقدَ هو ومَن اختاروه أنّهم اختاروا رئيس حكومة بإرادة وطنية داخلية.

الولايات الـمتحدة الأميركية لا يناسبها أن يكون رئيس الـمحكمة الدولية على عداء مع إسرائيل، الإبنة الـمدلّلة لأميركا. لذلك، وطبعًا كعادة السياسة اللبنانية التي تُدارُ برسائل السفراء، أوعزَ السفراء الدوليون للعديد من النواب ـ بحجّة التشجيع والنصح للمصلحة الوطنية ـ أن يُسَمّوا رئيس الـمحكمة الدولية لرئاسة حكومة لبنان. ولكن ليس من أجل لبنان، إنّما لإبعاده عن رئاسة الـمحكمة الدولية، كي لا يطال إسرائيل، حتى ولو على الورق!

فصدّق النواب اللبنانيون أنّ يد العون الخارجية جاءت لإنعاش قضيّتهم، فهرولوا لتسمية رئيس الحكومة، واحتفلوا بالنصر.

أنا لا ألوم نواب الأمة إنْ كانوا يدرون أو لا يدرون، بأنّ الإرادة الدولية أزاحت رئيس الـمحكمة الدولية من وجه إسرائيل، ووضعته على طاولة الشطرنْج اللبنانية. فبالتأكيد، لقد تَمَّ التقاطع الدولي والداخلي على اسم رئيس الحكومة، الذي له منّا كل الاحترام.

الـمهمّ، أنّ بعض اللبنانيين، ما زالوا يفصّلون مقاس الدولة على قياس مصالحهم وجشعهم ووقاحتهم، ومستعدّون للتضحية بكلّ الدعم الدولي والعربي من أجل التمسّك بِمصطلحاتٍ بالية، جعلوا منها دستورًا قزمًا، لا يطال قمّة الشرف الوطني، ولو احترق الوطن من جديد.

فيا حضرة الرئيس الأميركي الـمجنون، ما دمتَ تنوي امتلاك العالم، من كندا إلى غرينلاند إلى قناة باناما وخليج الـمكسيك، كم يكلّفكَ ضمّ لبنان إلى حظيرتك، ودولرة عملته، وأنْكلة لغته (اللغة الإنكليزية)، واستبدال جواز سفره بجواز سفر الولايات الـمتحدة الأميركية، فيصبح ذات سيادة حقيقية، لأنّ سادتَهُ عملاء ويفاخرون بانتماءاتِهم غربًا وشرقًا على حساب أمن وسلام الشعب، فيما هم بانتماءاتهم مجرّد عملاء، ولن يكونوا أسيادًا فيما قراراتُهم في الخارج.

الجميع ينادي بالسلام… إسرائيل والعرب والفلسطينيون واللبنانيون وأوروبا وأميركا، ولكن، كيف يحلّ السلام على أوطان الـمقابر والشهداء، فيما يدوسها القاتل، ويوقّع له رئيس العالم براءة ذمّة لامتلاك أرضٍ ليست في الوثائق العقارية لرئيس العالم. قد تستطيع إسرائيل احتلال العالم، ولكن لن تَحصل على السلام، فيما مستوطناتُها تُبنى على مقابر الشهداء! على إسرائيل وأميركا أن ينهيا هذه الحرب الأبدية بإنصاف الشعوب، بحلّ الدولتين، وإلاّ ستنتهي القضية الفلسطينية بالشتات بين لبنان ومصر والأردن وسوريا، مع استمرار الـمقاومة التي ستُقلق إسرائيل إلى الأبد!

عزيزي ترامب، الرئيس الـمجنون، وحدك القادر على إحلال السلام، فأنا لا أؤمن بالديـمقراطية، إنّما بأن يحكم العالم حاكم واحد «ديكتاتور عادل»، يقطع يد السارق، ويدقّ عنق القاتل، ويقدّم فرصة العمل والأمان لِمَن أراد الحياة بسلام.

وأنتم أيّها الأسياد، كفّوا عن عقيدة السيادة، فأنتم تأتَمرون بأمر السفارات…

وأنتم يا أصحاب العقيدة، كفّوا عن إصدار جوازات سفر إلى القبور، مفاخرين بالإرتقاء شهداء…

نحن نستحقّ أن نعيش بسلام، ولم نولد لنموت. فألـمانيا بحربَين عالـميتَين دمّرت أوروبا، ورجعت اليوم إلى حضن أوروبا، ولكن بعد أن مات الـملايين. هل نَحن بحاجة لموت الـملايين من أجل أن نصحو ونعود للحياة؟ ولكن أوروبا كلها قبلت ألـمانيا في أحضانِها.

وغَدًا، بالسياسة أم بالقوة، سيحلّ السلام، فماذا ستقولون للشهداء الذين ماتوا هم بحربٍ، أمّا نحن فقُدِّرَ لنا أن نحيا بالتسويات؟!

إتّقوا الله جميعًا، وسلامٌ لِمَن يحبّ السلام!

فوزي عساكر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.