زلزال غير وجه المنطقة (2)
كتب عوني الكعكي:
ذكرت في الحلقة الأولى في عدد أمس أهم ما ركزت عليه خلال المقابلة التي أجراها معي رئيس تحرير مجلة “العالمية” الزميل فوزي عساكر مشدداً على أهمية الزلزال الاول المتمثل بسقوط النظام السوري لآل الأسد بعد حكم دام من 1970 وحتى عام 2024. وبيّـن ان هناك الكثير من الأسرار التي لم تكتشف بعد… والتي كانت سبباً في انهيار نظام بشار خلال هذه المدة القصيرة. وها أنا أعود اليوم في الحلقة الثانية، مستكملاً ما بدأته من كشف أهم الأحداث التي طرأت على المنطقة.
كما أقحم حزب الله نفسه في حرب غزة. قد نفهم دخوله الحرب في الأيام الأولى، ولكن بعد إحدى عشرة زيارة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان، أعطى إحدى عشرة فرصة للحزب لوقف الحرب على إسرائيل، ولم يقبل الحزب بوقف الحرب. مع أنّ العرض كان بإيقاف الحرب على لبنان، وإعادة إسرائيل النقاط الحدودية البرية الثلاث عشرة، وإعادة النظر بالاتّفاق البحري لمصلحة لبنان. رفضَ حزب الله كل تلك الفرص حتى حصل تدمير لبنان.
مهما تكابَرنا وقلنا إنّه تَمّ حشد أكثر من مليون نسمة في يوم التشييع، لكنّ الواقع غير ذلك. فالمدينة الرياضية لا تتسع لأكثر من خمسين ألفًا، وقد يصل العدد مع المحتشدين في الشوارع حول الـمدينة الرياضية إلى مئتي ألف. ولكن ليس هنا بيت القصيد، إنّما الموضوع هو أنّ الشعب اللبناني تعبَ كثيرًا، وقالها رئيس الجمهورية: «الشعب اللبناني تعبَ من حروب الآخرين على أرضه».
لقد شبعنا حروبًا على مدى خمسين سنة، ومع حروب الآخرين نشارك كأدوات في خدمة جميع الأطراف ما عدا لبنان.
بعد إحدى عشرة فرصة أعطاها هوكشتاين لحزب الله، لوقف الحرب، هل تعتقد أنّ قرار وقف الحرب كان بيد حزب الله أم أنه كان مكلَّفًا من إيران، وبالتالي، القرار في إيران؟!
كانت حرب مساندة، وأنا أوافق السيد حسن بِمساندة القضية الفلسطينية، انطلاقًا من الشعار الذي بُنيت عليه الـمقاومة، وهو التحرير: تَحرير لبنان وتَحرير فلسطين وبالتحديد تَحرير القدس. ألم يشكّلوا «فيلق القدس» تَحقيقًا لِما نوديَ به منذ العام 1978 وهو تَحرير القدس؟ لذلك لم يكن بإمكان نصرالله أن تقام معركة تَحرير القدس وهو يقف متفرّجًا. أفهمُ أنا أنّ الـمساندة في البداية كانت مقبولة، قبل بدء زيارات الـموفد الأميركي هوكشتاين، ولكن الذي لا يُمكنني أن أفهمه، هو عدم تَجاوب الحزب حتى بعد إحدى عشرة زيارة تَحذيرية، علمًا أنّ الحرب غير متكافئة بين حزب الله وإسرائيل. والدليل أنها انتهت بخراب غزّة ولبنان. وإذا تظاهر الحزب أنه هجّرَ ثَمانين ألف يهودي من شمال إسرائيل، لكن يجب أن يعي أنه هجّرَ ثمانْمئة ألف لبناني من الجنوب والبقاع وبيروت، مع تهديم القرى بشكل كامل. ماذا ربح الحزب؟ إنها الفرصة الضائعة على لبنان وعلى الـمقاومة بالذات.
الكعكي: عودة الـمساعدات تستوجب عودة الدولة
ما كان موقف إيران لو اتّخذ حزب الله قرارًا بوقف الحرب من دون موافقتها؟ ألم تكن لتقطع عنه الرواتب والإمدادات؟
إيران يهمّها مصلحة إيران، وهي لا تُحبّ العرب. وأصلاً، هذا النظام الإيراني الحاكم، الذي أتى به كيسنجر بعد أن استقدمَ الخميني الـمختبئ في العراق هربًا من نظام الشاه، وتسليمه الحكم في إيران، بعد أن أعادوا تأهيله في باريس، ليضعوه في مواجهة شاه إيران لإسقاطه.
ما كان الغرض من إسقاط شاه إيران؟
طلب كيسنجر من الشاه أن يقوم بحرب ضد العراق فلم يوافق. والسبب أنه بعد حرب الـ 1973 رأى كيسنجر مع غولدَمائير أنّ إسرائيل لا تستطيع أن تعيش مع وجود ثلاثة جيوش كبيرة حولها: الجيش الـمصري والجيش العراقي والجيش السوري. فالجيش الـمصري يوم عبرَ قناة السويس باتّجاه إسرائيل، استرجع سيناء ووصل إلى رفح، وكاد يقضي على إسرائيل، لكنّ أميركا هددت الرئيس المصري أنور السادات بالقنبلة الذرية، فألقى السادات خطابًا في اليوم التالي، وصرّح فيه قائلاً: «أنا مش عايز أحارب أمريكا». وتوقّفَ عن الحرب وذهب إلى معاهدات السلام. فبنتيجة التهديد الأميركي أُعتِقَتْ إسرائيل من الجيش الـمصري.
أمّا بالنسبة لسوريا، فلو لم يكن الرئيس الأسد علويّاً، لكان دخل بالسلام مع إسرائيل، ولكن لم يقبل أن يسجّل أنّ العلويّين تنازلوا لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل.
وفيما كنّا يومها ضد السادات بالسلام مع إسرائيل، انا اليوم أعتقد أنّ هذا الرجل كان على حقّ. ولكن نَحن دائِمًا نرفض العروض التي تُقَدَّم اليوم، ونقبل بعد فوات الأوان ولو بعشرة بالـمئة مِمّا كنّا سنحصل عليه لو استفدنا من الوقت. أي أننا لو قبلنا في العام 1948 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، لكان للفلسطينيين اليوم دولة. ولكن اليوم لم يبقَ أكثر من %10 من فلسطين إذا حصل الفلسطينيون على شيء.
بالنتيجة، هذا النظام الإيراني أتت به أميركا لينفّذ رغباتها وليس لأجل الشعب الإيراني، ولا لمصلحة النظام الإيراني، إنّما لتنفيذ الأوامر الأميركية والإسرائيلية. من هنا، يوم اقفلوا السفارة الإسرائيلية وفتحوا السفارة الفلسطينية، ضحكوا على شعوبنا، وأوهمونا بأنّهم حملوا العلم الفلسطيني ولكنّهم تاجروا بالقضية الفلسطينية. إيران ليس عندها قضية، فاستغلت القضية الفلسطينية لخلق قضية، وأوهمت الفلسطينيين أنها تدافع عن فلسطين وتَحمل راية فلسطين. إيران تقوم بِما هو مطلوب منها، وللأسف دفع اللبنانيون والفلسطينيون الثمن.
ماذا ستكون ردّة فعل مقاتلي حزب الله الذين يتقاضون معاشاتهم من إيران، إذا توقّف حزب الله عن تنفيذ رغبات إيران في الحرب، بعد أن وقّع الحزب على تنفيذ القرارات الدولية وانتهت الـمقاومة العسكرية ضد إسرائيل، وبالتالي انتهى الدور العسكري للحزب مع احتفاظه بالسلاح. ألا تتخوّف من ارتداد الحزب عسكريّاً على الداخل؟
ما تقوله مهمّ جدّاً، ولكن اليوم الوضع يختلف عمّا قبل الحرب الأخيرة. هناك واقع جديد، بوجود مناطق مدمَّرة. هناك 62 بلدة مدمّرة كليّاً في الجنوب، إضافةً إلى صور، النبطيّة، البقاع، بعلبك، الهرمل، الضاحية… الهمّ الكبير اليوم ليس أن يُحاربوا، إنّما كيفيّة إعادة الإعمار. الخسائر كبيرة بالحجر والبشر، ولا أحد قادر أن يعوّض على اخوتنا الشيعة.
أهلنا الشيعة منقسمون إلى قسمين: الأكثرية اقتنعت أنّها غير قادرة على الحرب بعد اليوم، والأقليّة لا تزال تعيش في أوهام الحرب. مع الوقت، الـمقتنعون بأن الحرب انتهت سيزيد عددهم، والمعتقدون أنهم ما زالوا قادرين أن يحاربوا سيقلّ عددهم.
كيف تفسّر كلمة أمين عام حزب الله نعيم قاسم في التشييع، حين قال: «سننتصر في النهاية»؟ هل هي نوع من الوهم أم لشدّ العصب؟
ماذا كنت تنتظر أن يقول للناس المجروحين وجرحهم كبير جدّاً؟ هم أهلنا وقد خسروا خسارة كبيرة على الصعيد البشري والـمالي على السواء.
من سيعيد إعمار لبنان في ظلّ هكذا خطاب؟
هذا الخطاب لا يعبّر عن رأي اللبنانيين، إنّما هو لفئة مجروحة من الناس، يحاول استنهاضها. هذا الخطاب لا يقدّم ولا يؤخّر. إنّما الأهمّ من ذلك هو استيعابنا لإخوتنا الشيعة في لبنان، فهم مجروحون. وقبل أن تستوعبهم الدول العربية لتعيد الإعمار، علينا نحن أن نستوعبهم. كلما عادت مؤسسات الدولة للسيطرة على البلد، كلّما يسهل العمل مع الدعم من الأخوة العرب، للحصول على الـمساعدات. عودة الـمساعدات تستوجب عودة الدولة بكل أجهزتها، وبالتالي عودة الثقة بالدولة.
هل تأمل إعادة بناء الدولة بوقت قريب؟
أهمّ من الوقت هي النيّة، ويبدو أنها موجودة. وأنا متفائل بوجود فخامة الرئيس جوزاف عون، وكنت من أوائل الذين راهنوا على الرئيس عون. إسمه يذكّرني بالرئيس فؤاد شهاب الذي قدّم للبنان أفضل حقبة في تاريخه. فلطالَما كنتُ أسأل الله أن يصل هذا الرئيس، علّه يحقق أحلام اللبنانيين ببناء الدولة، والحمد لله أنه وصل.
aounikaaki@elshark.com
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.