رسالة من أسير إسرائيلي الى أبطال طوفان الأقصى

5

كتب عوني الكعكي:

صحيح أن العالم ينظر الى موضوع عملية طوفان الأقصى بنظرتين مختلفتين.. إذ ترى بعض الأنظمة أنها ورّطت الشعب الفلسطيني بمآسٍ كثيرة ومصائب جمّة، وتحديداً بعد الخسائر البشرية التي دفعها الشعب الفلسطيني البطل ولا يزال، إذ تخطى عدد القتلى الخمسين ألفاً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وأكثر من 100 ألف جريح أيضاً معظمهم من الأطفال والنساء والرجال… هذا عدا التدمير الذي ارتكبه الجيش الإسرائيلي العدو، حيث أصبحت 90 % من مباني وبيوت غزة مسوّاة بالأرض، الى جانب المستشفيات التي بلغ عدد المدمّر منها أكثر من 23 مستشفى غير دور العبادة من الكنائس التاريخية الى المساجد التاريخية، خصوصاً أن مدينة غزة هي من أقدم المدن تاريخياً بعد القدس وبيت لحم والناصرة وحيفا ويافا.. هذا من ناحية.

أما الناحية الثانية الإيجابية، فيكفي أن نظرة العالم تغيّرت بعد تلك العملية، وأيدت معظم شعوب العالم القضية الفلسطينية بعد أن كانت القضية في مرحلة النسيان.

اما بالنسبة للتظاهرات التي حصلت في جميع الجامعات الأميركية والغربية تأييداً للشعب الفلسطيني، فما كانت لتحصل لولا أن جميع تلفزيونات العالم بثت أخبارها وشاهد الناس بأعينهم الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها جيش العدو الإسرائيلي، وهذا تطور خطير.. إذ فضح صورة «الرياء» والكذب والخداع الذي يسير به اليهود ويقولون بأنهم شعب مظلوم يتعرض للإبادة من قبل الفلسطينيين.

وهنا لا بدّ من الإطلاع على ما قاله أحد المخطوفين الذين كانوا في قبضة حركة حماس وأفرج عنه… وبعد الإفراج، تكلم وهو بعيد عن حركة حماس. تكلم بصراحة بعد عودته الى داخل الكيان الإسرائيلي… فما قصة هذا الإنسان الذي صحا ضميره، فتكلم لغة الحق.

فقد أدلى الأسير الإسرائيلي إلكسندر توربانوف، الذي أطلق سراحه قبل مدة بتصريح صدم الكيان الصهيوني قال فيه:

“لقد حُفِر لطفكم في ضميري الى الابد، خلال 498 يوماً عشتها بينكم. وعلى الرغم من العدوان والجرائم التي تحملتموها، تعلمت المعنى الحقيقي للرجولة والبطولة النقية واحترام الإنسانية والقِيَم. كنتم الأحرار المحاصرين، بينما كنت الأسير، وكنتم حماة حياتي، اعتنيتم بي كما يعتني الأب الرحيم بأطفاله، حافظتم على صحتي وكرامتي ونعمتي. وعلى الرغم من أنني كنت بين أيدي رجال يقاتلون من أجل أرضهم وحقوقهم المسلوبة، وأن حكومة بلدي كانت ترتكب أبشع إبادة جماعية ضد شعب محاصر… إلاّ أنكم لم تسمحوا للجوع أو الإذلال أن يمسّني.

لم أعرف معنى الرجولة الحقيقية إلاّ حين رأيتها في عيونكم، ولم أدرك قيمة التضحية إلاّ حين عشت بينكم. رأيتكم تبتسمون في وجه الموت، تقاومون عدداً مسلحاً بأدوات الدمار، ولا شيء لديه غير أجسادكم العارية.

فمهما بلغت البلاغة والتعبير فلن أجد كلمات تعبّر عن قيمكم الحقيقية، ولا تعبّر عن دهشتي وإعجابي بأخلاقكم النبيلة.

فهل دينكم يعلمكم حقاً معامل الأسرى بهذه الطريقة؟ ما أعظم هذا الإيمان الذي يرفعكم الى مستوى تنهار أمامه كل قوانين حقوق الإنسان التي وضعها الإنسان وتنهار أمامه كل بروتوكولات الحرب.

حتى في أصعب اللحظات، أظهرتم العدل والرحمة ليس من خلال الشعارات الفارغة، بل من خلال واقع التجربة، فأنتم لا تتنازلون عن مبادئكم حتى في أحلك الظروف.

صدقوني، إن عدت إليكم… فلن يكون ذلك إلاّ مجاهداً في صفوفكم، لأني تعلمت الحقيقة من شعبكم، وأدركت أنكم لستم أصحاب الأرض فقط، بل أنتم أصحاب مبادئ لقضية عادلة”.

إنها كلمات نابعة من أعماق إنسان، عكس حقيقة المعاملة التي تلقاها من مختطفيه.

أليست هذه الحكاية… خير دليل على بطولات وإخلاص وإيمان “من قام بعملية طوفان الأقصى”.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.