رسالة تركيّة إلى سوريا الجديدة: هذه هي الأولويات (1)
بقلم د.سمير صالحة
«اساس ميديا»
ما دمنا تبنّينا منذ البداية حراك السوريين في الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم التي أراد نظام الأسد سلبها منهم، فمن حقّنا أن نفرح معهم ونقول رأينا في المطلوب والمتوقّع عند بناء سوريا الجديدة. ولهذا يراقب المجتمع الدولي أداء السلطة الجديدة، لتطبيق ما قيل نظريّاً، وترجمته عمليّاً على الأرض، بدعم شعبي وسياسي واسع.
يقول أبو محمد الجولاني لـ”مجموعة الأزمات الدولية” إنّه ستتمّ إدارة حلب من قبل هيئة انتقالية، مشيراً إلى أنّ “هيئة تحرير الشام” تفكّر في حلّ نفسها لتمكين ترسيخ البنى المدنية والعسكرية في سوريا. لكنّنا لا نعرف ما إذا كان الجولاني سيبقى على ما قال بعد تحرير دمشق وإزاحة بشار الأسد.
لن تكون هناك أيّ مفاجأة إذا ما قرّرت “هيئة تحرير الشام” حلّ نفسها أو البحث عن اسم جديد يواكبه الكثير من التغيير في بنية وفكر وطروحات الهيئة، كما ألمح الجولاني نفسه قبل أيام.
جاء الردّ السريع والمبكر عبر مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض قال إنّ “هيئة تحرير الشام” قامت بأشياء صحيحة، ولذلك “نحن ندرس احتمال إزالة اسمها من قائمة الإرهاب للتعامل معها بشكل أعمق”.
ترحيب دوليّ مبدئيّ
هناك ترحيب على مستوى المجتمع الدولي بالخطوات الإيجابية التي اتّخذتها قوى فصائل المعارضة السورية في ما يتعلّق بحماية المدنيين، واستمرارية عمل مؤسّسات الدولة، وتقديم الخدمات العامّة خلال المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إنّ الشعب السوري ليس في وضع يسمح له بإعادة البناء بمفرده، وإنّ الجهات الفاعلة الدولية والقوى الإقليمية يجب أن تتصرّف بحكمة وأن تحافظ على سلامة الأراضي السورية.
ما يقال حتى الآن يعني نجاح قوى المعارضة (سابقاً) في امتحانها الأوّل على مستوى الداخل، ويعكس استعداد الكثير من العواصم والمنظّمات الدولية للعمل مع قيادات هذه المرحلة، تمهيداً لوصول السلطة السياسية الجديدة التي ستقود سوريا.
الكرة باتت في ملعب السّوريّين
الكرة الآن في ملعب السوريين، لكنّ الجميع يدرك أنّ الشعب السوري ليس في وضع يسمح له بإعادة البناء بمفرده، وأنّ الجهات الفاعلة الدولية والقوى الإقليمية يجب أن تتصرف بحكمة وأن تحافظ على سلامة الأراضي السورية، كما يقول فيدان.
إذا كان الفخّ الأميركي – الإسرائيلي الذي وقعت فيه تركيا، كما يقول علي أكبر ولايتي مستشار المرشد، هو ما جرى في الخامس من الشهر الحالي، فليتنا وقعنا فيه قبل عقد. رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مشكور أيضاً على عدم وقوفه مكتوف الأيدي أمام الأحداث الخطيرة، فهو أصغى لتحذيرات مقتدى الصدر من التدخّل في تطوّرات المشهد السوري بطلب إيراني.
مع هروب بشار الأسد إلى روسيا، بدأت حقبة سياسية جديدة في تاريخ سوريا تعلن نهاية حكم حزب البعث الذي تفرّد بالسلطة على مدى 6 عقود كاملة، وتفتح الطريق أمام فرصة لا تعوّض للسوريين لإعادة بناء دولتهم واسترداد ما سلبه نظام دموي قمعي منهم.
التحدّيات كبيرة، وهناك الكثير ممّا ينبغي فعله. الانتصار على الأسد شيء، والخروج من مخلّفات نظامه وتركته السياسية والدستورية والاجتماعية والاقتصادية شيء آخر.
ضرورة ترتيب الأولويّات
سنوات صعبة تنتظر السوريين في الداخل والخارج، وهم يستعدّون لإعادة بناء دولتهم بصبر وحكمة وواقعية. ترتيب الأولويّات التي تنتظر للانطلاق ورسم خارطة الطريق في التعامل مع الملفّات مهمّان هنا. فمن الذي سيتولّى المهمّة؟ وكيف سيتمّ اختياره؟ وما هي القدرات والمؤهّلات التي يملكها والخبرات التي ستمكّنه من ذلك؟
أمام من سيتولّى حكم سوريا معضلات جمّة على المستويات الداخلية والخارجية. فمن الوجود الروسيّ في قواعد عسكرية متوسّطية، إلى النفوذ الإيراني الاقتصادي، ثمّ الوجود العسكري التركي والأميركي، إلى جانب مسألة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشروعها السياسي في شرق الفرات.
امتحان الخطط والبرامج والتّعديلات الدّستوريّة
مهمّة إزالة رواسب النظام السابق لن تكون سهلة، ولن تكفي لوحدها. لكنّ ما ينتظر الحكم الجديد وما سيميّز الثورة هو امتحان الخطط والبرامج والمشاريع والتعديلات السياسية والدستورية والاجتماعية التي ينتظرها الشعب السوري.
من المعروف أنّ قوى الثورة السورية في الداخل والخارج قد أعدّت لهذه المرحلة الانتقالية، في إطار خطط وبرامج ومشاريع تحدّثت عنها طوال سنوات. المنتظر الآن تطبيق ما قيل نظريّاً، وترجمته عمليّاً على الأرض بدعم شعبي وسياسي واسع:
– تسريع انتقال مؤسّسات الخارج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية المنتشرة في المنطقة والعواصم الغربية إلى الداخل، للتعامل المباشر مع الواقع القائم على الأرض، في طليعة متطلّبات الانطلاقة الجديدة. وهذا ما سيحدث.
يتبع غداً
د.سمير صالحة