رسائل ملكيّة سعوديّة في قلب طهران
بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
زيارة ملكيّة رفيعة المستوى قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لطهران، فما هي أهدافها؟ وما هي الرسائل السياسية المباشرة التي حملتها هذه الزيارة في شكلها وفي توقيتها وفي مضامينها العميقة؟
قابلت السعودية “اتّفاق فيينا” بين إيران ومجموعة الـ 5+1 لعام 2015 بكثير من التحفّظ. لم تتشاور واشنطن مع الرياض حين كانت القناة الخلفيّة ناشطة بينها وبين طهران عبر مسقط في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولم يأخذ الاتّفاق السباعيّ مصالح وهواجس المنطقة العربية بالاعتبار. نما جفاء بين الرياض وشخص أوباما عبّر عنه الأخير في المواقف التي أطلقها داخل ما سُمّي “عقيدة أوباما“، المستقاة من مقابلات معه جمعها الصحافي الأميركي جيفري غولدبيرغ ونشرها في مجلّة The Atlantic في نيسان 2016.
تعلن السعودية أنّها غير معنيّة بـ “عُدّة الشغل” التي تخرجها إسرائيل تارة، والولايات المتّحدة تارة أخرى، مهدِّدة بحرب ضدّ إيران تشعل كلّ المنطقة على نحو لا تُتَوقّع نهاياتها. والرياض غير معنيّة بالسقوف المتحرّكة التي تتباين ارتفاعاتها بين يوم وآخر في واشنطن، والمواكبة لحرفة التفاوض في المراوحة بين هدف ضبط برنامج إيران النووي أو تفكيكه. والرياض لا تبني سياساتها استناداً إلى تعويل على تغيّر في المشهد السياسي أو موازين القوى في المنطقة، وفق ما سيفرضه اتّفاق ما أو صدام ما.
إجادة ودقّة
لم يكن صدفة أن يأتي توقيت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لطهران بين جلستَي مسقط وروما. أرادت المملكة تظهير موقف تاريخي وصادم لطهران وواشنطن. بدت الرياض في توقيت الزيارة وشكلها ومضمونها تدلي بدلو واضح المعاني لواشنطن وطهران. تقصّدت المملكة أن تكون مواقف الزيارة على مستوى ملكيّ، فالوزير السعودي هو نجل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وشقيق وليّ عهده الأمير محمد. بمعنى آخر، يتلو أعلى مستوى قياديّ بعد الملك ووليّ عهده من طهران رسائل الرياض بشأن الورشة القائمة بين واشنطن وطهران.
زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران التي وُصفت بالتاريخية هي الثانية تاريخيّاً منذ عام 1979، بعد زيارة أولى للراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز لطهران مطلع أيّار 1999 استمرّت 4 أيّام. وتأتي زيارة الأمير خالد بعد أكثر من شهر على زيارة قام بها لواشنطن في شباط الماضي، وهو ما يعني أنّه على دراية بالأجواء الأميركية ومقاربة إدارة ترامب لملفّ إيران، وهذا يمكّنه من إجادة نقل الرسائل السياسية بدقّة، سواء إلى طهران أو إلى واشنطن.
تعاملت إيران مع حدث الزيارة بالصفة التاريخية والملكَيّة التي أرادتها الرياض. تتالت لقاءات الأمير مع المسؤولين الإيرانيين الكبار، بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي، ورئيس الجمهورية مسعود بزشكيان. تحدّث الضيف السعودي عن آفاق التعاون المقبل بين البلدين وتطويره، أي الرهان على المستقبل. وسمع من المرشد والرئيس كلاماً مرحّباً ودوداً واعداً. كان بزشكيان قد اتّصل بوليّ العهد السعودي في 4 نيسان، بما أوحى أنّ لقرار الزيارة علاقة بمضمون وتطلّعات ذلك الاتّصال.
في رسالة السعودية تمسّكٌ باتّفاق مع إيران أُبرم في بكين في 10 آذار 2023. وعلى الرغم من الأنواء التي ضربت المنطقة منذ بدء حرب “طوفان الأقصى” في تشرين الأوّل 2023، التزمت الرياض وطهران بنود الاتّفاق وروحيّته، ولم يصدر عن طهران ولا عن أذرعها في المنطقة أيّ موقف يسيء إلى مواقف الرياض، لا بل إنّ إيران حضرت جميع القمم الإسلامية الطارئة التي عُقدت في المملكة دعماً لغزّة والغزّيين، ودفاعاً عن حقوق الفلسطينيين ومستقبلهم.
مرونة ورشاقة
بمهمّة ملكيّة عالية المستوى، حمل الأمير خالد رسائل أمل لإيران لا تقبل لغة التهديد الصادرة من إسرائيل، والتي يهوّل بها الرئيس الأميركي نفسه. وكما لم تنخرط الرياض ودول المنطقة في سلسلة الضربات التي استهدفت جماعة الحوثي في اليمن من إدارة جو بايدن إلى إدارة خلفه، فإنّها غير معنيّة بتقديم أيّ غطاء أو بيئة حاضنة، سواء في القول أو في العمل، لخطاب عسكريتاريّ يهدّد إيران ويهدّد المنطقة برمّتها ويقوّض استقرارها.
تُبلغ الرياض طهران (وواشنطن أيضاً) أنّ السعودية لا تعوّل على أيّ تغيّر في موازين القوى ولا تعمل على اختلالها. في فحوى الزيارة قبل جلسة روما وقبل انتظار ما ستسفر عنه سلاسل المفاوضات، إعلان تموضع سعوديّ يُفترض أن ينضم إلى أوراق طهران على طاولات التفاوض. باستطاعة إيران أن تخوض مفاوضات، مرتاحة إلى خلوّ المنطقة من بيئة خلفيّة معادية أو متوتّرة. ولئن تمثّل الزيارة المنطق الذي يسود العقل الاستراتيجي في السعودية، لكنّها أيضاً تمثّل، بما تمتلكه المملكة من مكانة وموقع في المنطقة والعالم، روحيّة عربية وإجماعاً يذهب بهذا الاتّجاه.
تعاطت النخب الإيرانية مع الزيارة السعودية بارتياح شديد. في بعض التحليلات من اعتبر أنّ ما توفّره السعودية من إيجابية في موقف المنطقة لا يقوّي أوراق طهران فقط، بل يدفعها نحو المرونة والرشاقة في تقديم التنازلات لإنتاج تسوية مفيدة لإيران وللمنطقة برمّتها. وفي السعودية من أشار إلى أنّ الرياض أرادت لموقفها أن يكون واضحاً قبل أسابيع من الزيارة المزمع أن يجريها الرئيس الأميركي للمملكة ودول أخرى في المنطقة. وأرادت أن تبلغ المفاوض الأميركي بالبيئة والقواعد الإقليمية التي تواكب مبدأ التفاوض مع إيران وجلساته.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.