رئيس أميركا المقبل: لا يمكن العيش معه أو بدونه!

31

بقلم عماد الدين أديب
«أساس ميديا»
الشيء المؤلم هو أنّ العالم العربي ينظر إلى مسار الانتخابات الأميركية على أنّه المعبر الوحيد الممكن لقراءة فنجانه السياسيّ.
ننظر، نحن العرب، إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية على أنّها انتخابات محلّية عربية، وأنّها هي التي ستقرّر الحرب والسلام، التقدّم أو التخلّف، التنمية أو الازدهار، الحرّية أو الاستبداد لحاضر ومستقبل العرب.
ننظر إلى الرئيس الأميركي المقبل على أنّه رئيس مجلس إدارة العالم بما فيه العالم العربي الذي سوف يحدّد الحاضر والمستقبل لمدّة أربع سنوات مقبلة.
في هذا الأسبوع كانت هناك 3 انتخابات مهمّة في العالم العربي:
– أوّلاً: انتخابات برلمانية في الأردن.
– ثانياً: انتخابات على مقعد الرئاسة في الجزائر.
– ثالثاً: سبقتهما انتخابات على مقعد الرئاسة في تونس.
على الرغم من أهمّية تأثير هذه الانتخابات على الحاضر والمستقبل القريب لهذه الدول إلّا أنّ الاهتمام بها تضاءل جداً أمام المناظرة الأولى بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، مع أنّ الانتخابات الأميركية سوف تحسم نهائياً في تشرين الثاني المقبل، وليس الآن.
من المذهل ألّا نعطي اعتباراً كبيراً لأن يكون ثلث النواب من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أو أن يفوز الرئيس التونسي بعدما تمّ استبعاد أهمّ منافسيه من السباق الرئاسي، أو أن يفوز الرئيس الجزائري بنسبة ساحقة تتعدّى 90% بعد تجربة زادت فيها البطالة وارتفع التضخّم وضاقت مساحات التغيير السياسي.
أزمة النظر إلى واشنطن على أنّها “قبلة” القرار السياسي في العالم هي إشكالية في منهج تفكير العقل السياسي العربي.
خلل “ماما أميركا”
إنّ منهج “ماما أميركا” المسؤولة عن تقرير كلّ شيء وأيّ شيء في أحوالنا من الغذاء إلى الثقافة إلى السلاح إلى أسعار العملة حتى الدواء والأمصال والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي… هو خلل عظيم في أيّ قرار سيادي عربي يتعلّق بحاضر ومستقبل العالم العربي.
ربط القرار العربي بالسوق الأميركي أو الدولار الأميركي وقطع غيار المصنع الأميركي والدواء الأميركي والتكنولوجيا الأميركية والفيلم الأميركي هو آخر صيحة في تركيب الطوق في رقابنا!
قد يقول قائل إنّ هناك عناصر موضوعية تجعل وتبرّر هذا الدور المتعاظم التأثير لواشنطن علينا مثل:
1- الولايات المتحدة هي صاحبة أكبر اقتصاد في العالم.
2- هي مالكة لأهمّ عناصر التكنولوجيا الحالية والمقبلة في العالم منذ الستّينيات حتى نهاية القرن الحالي.
3- إنّ 80% من الحائزين جائزة نوبل في كلّ أنواع العلوم الحديثة هم من الأميركيين.
4- إنّ أكثر من 55% من مكوّن الكتلة النقدية الحالية من المعاملات في العالم هو أميركي.
5- إنّ أكبر منتج للنفط اليوم وكلّ أشكال الطاقة البديلة أميركي.
6- إنّ صناعات مثل الطائرات المدنية والسيّارات والقطارات والسفن والصواريخ ومركبات الفضاء أميركية الصنع.
7- إنّ الجيش الوحيد في العالم حتى الآن الذي صنع واستخدم القنبلة النووية وامتلك أقوى سلاح تدميري هو الجيش الأميركي.
8- إنّ أكبر دولة تسيطر على نظام الاتصالات بالأقمار الصناعية في العالم كلّه هي الولايات المتحدة.
9- إنّ أكثر وسائل الإعلام والترفيه وأكبر استديوهات إنتاج الأفلام والدراما والكرتون والموسيقى وأكثرها تأثيراً على الجيل الصاعد في العالم أميركية.
هذا جزء من كلّ وقطرة في بحر تأثير وفاعلية وأسباب سطوة واشنطن على القرار الدولي في العالم.
انتظارات لبنان وسوريا واليمن وليبيا…
لكن هل هذا مع أهمّيته القصوى وواقعية تأثيره الشديد على حياتنا يعني الانبطاح والرضوخ الكامل لكلّ ما يأمر به سيّد البيت الأبيض، سواء كان أبيض أو أسود، رجلاً أو امرأة، ديمقراطياً أو جمهورياً، معتدلاً أو متشدّداً؟
في الوقت ذاته توجد دول تعيش حالة انتظار ما لا يجيء، أي انتظار انتخابات أو خيارات مستجدّة، لكن مؤجّلة مؤقّتة وكأنّه تأجيل لانهائي ومؤقّت أبديّ.
لبنان مثلاً يعيش حالة فراغ رئاسي ماراتونيّة تفوّق فيها على أيّ دولة عصرية عاشت بلا رئيس أكثر من كونها محكومة برئيس منتخب لا يحكم.
مثال ثانٍ سوريا التي تنتظر إصلاحات دستورية في ظلّ وعد علني بإصلاح كامل في حكم تساهم فيه كلّ التيارات والأطياف السياسية.
في ليبيا مثلاً دولة شرق ودولة غرب، وفي الغرب ثلاث سلطات متنافسة. وفي الاقتصاد من ينتج النفط في الشمال ومن يسيطر على إيراداته في البنك المركزي في الغرب.
مثلاً في اليمن هناك ميليشيا الحوثي التي لا يعترف بحكمها لصنعاء والمحيط سوى إيران. وهناك نظام رسمي في الجنوب. وهناك ضرائب وأموال وانتخابات مستحقّة في الحديدة لم تتمّ ولا يبدو أنّها سوف تحدث.
في الصومال دولتان. وفي فلسطين سلطة القطاع وسلطة الضفة. وكلاهما يعيش تحت السلطة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي وبطش ووحشية جيش الدفاع.
في السودان إدارتان وإرادتان وجيشان يمثّلان حالة مرضيّة انتقامية للقتل والتدمير على حساب الأبرياء من المدنيين. وهو ما أدّى إلى نزوح قرابة 25% من السكان إلى خارج البلاد ولجوء الربع الأخير إلى الدول المجاورة.
الإحباط السياسيّ في الخليج
المذهل أنّ كلّ هذه القضايا المحلّية التي صُنعت محلّياً فكراً وتخطيطاً وتنفيذاً تدّعي أنّها تنتظر حصاد نتائج معركة انتخابات الرئاسة الأميركية التي يمكن أن تحسم الحلول المنتظرة لهذه الأزمات والصراعات المؤلمة.
في لبنان ينتظرون هبوط المبعوث الأميركي آموس هوكستين بخطّة تسوية وإنقاذ لإيقاف إطلاق النار.
في ليبيا ينتظرون التدخّل الأميركي لإيقاف خطر إنتاج النفط في الشرق وحلّ مشكلة محافظ المصرف المركزي في الغرب.
في سوريا ينتظرون الرئيس الأميركي الجديد ليحدّد موقفه من روسيا في ملفّ نفوذ موسكو ووجودها المسيطر في سوريا.
في فلسطين يعيش بنيامين نتنياهو على حلم فوز دونالد ترامب حتى يكون طوق النجاة له ولمستقبله السياسي.
في رام الله التحرّك ولو ببطء نحو شعار الدولتين.
في الخليج إحباط سياسي من السلوك الأميركي تجاه المنطقة، على أساس أنّ المقارنة بين ترامب وهاريس هي مقارنة ومفاضلة بين سيّئ وأكثر سوءاً، لكن مع الاتفاق على أنّ من سيحكم منهما من المؤكد أنّه:
1- سيدعم إسرائيل بلا حدود.
2- لن يسعى إلى مواجهة إيران.
معضلة التعامل الحالي مع واشنطن هي أنّك تدرك كعربي أنّ الولايات المتحدة تخشى إسرائيل أكثر منك، وتخشى إيران أكثر منك. ولكنّك كعربي لا تستطيع “الفعل” بدون أو رغماً عن رغبات واشنطن!
عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.