ذئب منفرد أم استخبارات متنكّرة؟
بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
في كلّ مرّة يقوم فيها فرد أو مجموعات تدور في فلك الجماعات الإسلامية المتطرّفة بعمليات إرهابية يتمّ الحديث عن رسائل وذئاب منفردة، خصوصاً حين تفشل الأجهزة الأمنيّة بتوقّع أو معرفة من يقف وراء هذه العمليّات. وفي بعض الأحيان تسارع الأجهزة الأمنيّة إلى وصف الاعتداء بأنّه عمل منفرد تجنّباً للإعلان عن الجهة التي قامت بالتجنيد وتمويل العمليات ربّما لأنّها لا ترغب بتوجيه اتّهامات تفادياً لأزمة دبلوماسية أو تجنّباً لتصعيد سياسي أو عسكري.
إعلان يستبق التّحقيق
الاعتداء على السفارة الأميركية في عوكر لم يأتِ بعيداً عن هذا النمط. الأجهزة الأمنيّة التي لا تزال تحقّق سارعت إلى الإعلان أنّ من نفّذ العملية كان يعمل بمفرده ولم يأتمر بأحد ولا ينتمي إلى مجموعة أو تنظيم إرهابي فيما انطلقت التحليلات حول التوقيت والرسالة الموجّهة. صور الفيديوهات التي انتشرت للمسلّح تشير إلى أنّه كان تلقّى تدريباً عسكرياً، ويأتي من خلفيّة اجتماعية وجغرافية أنتجت في السابق مسلّحين لديهم توجّهات جهادية شاركوا في اعتداءات ومعارك المنظّمات الإرهابية التي انتشرت في المنطقة ولها تاريخ من العمليات العنفيّة والإرهابية.
الذئب المنفرد هو مصطلح يشير إلى شخص يقوم بتنفيذ أعمال إرهابية أو عنف سياسي بشكل منفرد ودون الانتماء إلى منظمة أو جماعة معيّنة. هؤلاء الأفراد يعملون بشكل مستقلّ، ويقومون بتخطيط وتنفيذ العمليات بمفردهم. عادةً ما تكون لديهم دوافع شخصية أو أيديولوجية قويّة تدفعهم للقيام بأعمالهم دون الحاجة إلى دعم أو توجيه من مجموعة أكبر. “والأهمّ عدم صدور أيّ إشارة أو سلوك من قبل الفرد توحي بأنّه يمكن أن يقدم على عملية عنف أو إرهاب. المتعارف عليه لدى خبراء الإرهاب أنّ الأعمال الإرهابية، التي لا يتمّ إعلان المسؤولية عمّن يقف خلفها، تعني في معظم الأحيان أنّه “إرهاب دولة”. أمّا المنظّمات فتسارع إلى الإعلان عن مسؤوليّتها لأنّها تسعى إلى تحقيق مطالب محدّدة.
انتشار القوات الأميركية والغربية في الخليج خلال عملية تحرير الكويت أثار الحركات الإسلامية وشكّل بداية تنظيم القاعدة وموجة الإرهاب وظاهرة الإرهاب في التسعينيات التي ضربت أهدافاً أميركية في الولايات المتحدة، إفريقيا والعالم العربي وصولاً إلى اعتداءات 11 أيلول 2001. كما أنّ اجتياح واحتلال العراق أسّسا لمرحلة إرهاب الزرقاوي والبغدادي وقيام داعش وما رافق ذلك من حروب واعتداءات إرهابية في المنطقة والعالم.
إسرائيل تغيب عن أجندة الإرهاب
كان هناك تساؤل حاول المحلّلون الإجابة عنه يتعلّق بسبب تجنّب المنظّمات الإرهابية التي تدور في فلك الجهادية السلفية ضرب مصالح إسرائيل واستغلال المأساة الفلسطينية لتجنيد وتجييش مناصريها، وتركيزها على الغرب والدول العربية الحليفة لواشنطن. لكنّ الإعلان أنّ المسلّح الذي قام بالاعتداء على السفارة الأميركية قام بذلك دعماً لغزة يوحي بأنّنا مقبلون على موجة جديدة من أعمال العنف في العالم ثأراً لما حصل في غزة. الحركات الإسلامية الجهادية قد تكون لها أيديولوجيات وأهداف واضحة إلا أنّها تعاني دائماً من اختراقات أمنيّة في صفوفها من قبل الأجهزة الأمنيّة التابعة للدول القريبة والمعنيّة بقضاياها، وحيث لها امتدادات أيديولوجية وشعبية.
الاستخبارات الباكستانية، الإيرانية، التركية والسورية وعدد آخر من الأجهزة العالمية والإقليمية استطاعت في السابق اختراق هذه المجموعات ليس فقط من أجل جمع المعلومات ومراقبتها، إنّما للقيام بأعمال إرهابية لمصلحة هذه الأجهزة دون ترك بصمات، وبالتالي يتمّ تمرير رسائل وتحذيرات دون تحمّل المسؤولية والعواقب. في هذه الحالات يبدأ الحديث عن ذئاب منفردة ورسائل.
ظاهرة الذئاب المنفردة ليست جديدة. تاريخياً اغتيال الرئيس كينيدي ومحاولة اغتيال البابا يوحنّا بولس الثاني تمّ الإعلان أنّ منفّذَيهما عملا بشكل منفرد، إلا أنّ النظريّات حتى الآن لا تزال تتحدّث عن أدوار لأجهزة استخبارات تدور في فلك الاتحاد السوفيتي. حجم ما حصل في غزة يجعل المنطقة خصبة لموجة جديدة واسعة من أعمال العنف خارج الحدود ومناطق المواجهة المباشرة، ومن المؤكّد أنّ الدول المحيطة التي تتناقض مصالحها وأهدافها ستجد في موجة جديدة كهذه فرصة لتمرير رسائلها وتصفية حسابات وحماية أنظمتها.
موفق حرب