دريان في رسالة رمضان: الإصلاح هو مقدمة الإعمار

6

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة شهر رمضان المبارك وتطرق فيها الى الشؤون العامة فقال: لقد مرت على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، وسائر البلاد العربية، رمضانات عدة، كانت فيها الظروف ظروف بلاء وشدائد، وكان علينا اللجوء فيها إلى الصبر. لقد دامت محنة سوريا قرابة العقدين، ومحنة فلسطين عقودا وعقودا ولما تزل، ولا تسل عن لبنان، وقد تذكرنا قبل أيام، الذكرى العشرين لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، الذي كانت شهادته رمزا قاسيا لمرحلة من مراحل معاناة الوطن والدولة والنظام. إن أولى مظاهر التغيير وظواهره، زوال الجهات التي اغتالت الرئيس الحريري ومئات اللبنانيين، وعشرات الألوف من السوريين، هي غمة انكشفت مرة واحدة عن سوريا ولبنان.

ليس استطرادا ولا خروجا على السياق، عندما نذكر يوم التأسيس في المملكة العربية السعودية، الذي احتفلت به المملكة، واحتفلنا به قبل أيام، وهي الذكرى الثلاثمائة، ثلاثة قرون على قيام الدولة الوطنية العربية والإسلامية، فلا ميليشيات، ولا انقسام ولا شرذمة ولا ظلم، وإنما هو أمن وسعة ومجد، بحيث لم يملك الأميركان والروس مكانا للاجتماع، إلا في رحاب المملكة ذات الدور العالمي لها، وللعرب والمسلمين، في سائر أنحاء المعمورة. إننا نأمل في مطلع رمضان لهذا العام، أن نرى ونشهد في رمضان المقبل، قيام دولة فلسطين، بفضل صبر شعبها وكفاحه، وإجماع العرب والمسلمين، على تجديد تجربة الدولة الوطنية الحرة والسيدة، في سائر الديار العربية، التي عانت وما تزال، من الاحتلالات والديكتاتوريات، وخراب الإرهاب والاستعباد.

أيها اللبنانيون:

يتجدد الأمل في كل مكان والحمد لله، وها نحن نشهد بعد سنوات الأزمات والحروب، وتعطل مقتضيات الأمن والدستور، ومحن العيش، نعمة انتخاب رئيس جديد للبلاد، رئيس واعد، وإنجاز تشكيل الحكومة، وبشرى بأن تنتهي أزمنة الحيرة بين الدولة واللادولة، وبين الهدن والحروب، وبين الاستقرار والاضطراب. نعم، كان لا بد من بداية جديدة، وقد تراكمت التوترات والإعاقات، حتى كاد الناس ييأسون، لولا رحمة الله والأمل فيها. لا مخرج بعد الليل الطويل، إلا بانبثاق الفجر الساطع، الذي يضع الفرق بين الليل والنهار. نحن نعرف أن الصعوبات كبيرة وكثيرة. لكن وعد الانفراج والإنقاذ في انتخاب الرئيس، وخطاب القسم، يحمل معه عشرات السبل التي تنفتح للبلاد والعباد، من خلال السلام بالجنوب، وأمل استعادة الدولة سلطتها على أرضها، والعودة للعرب، وللعلاقات الطبيعية مع العالم.

واليوم، بعد أن نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي، هي في مرحلة متابعة واختبار، لتثبت للرأي العام اللبناني والعربي، وحتى الدولي، أن الدولة اللبنانية هي وحدها صاحبة القرارات على أراضيها، وهي وحدها في صياغتها للعلاقات بينها وبين الأشقاء العرب، وبقية الأصدقاء، وفي هذه المناسبة، ندعو إلى الالتزام، والحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، التي نص عليها الدستور اللبناني في فقرته التاسعة، لأن الأوطان لا تبنى بالأفكار المستوردة والغريبة عن قيمنا التي نعتز بها، وإنما بثقافة الشعب وتنوعه الديني، والأمة التي ينتمي إليها الوطن، وأي تغيير أو تعديل، من دون الأخذ بعين الاعتبار، خصوصية رسالة لبنان، ودوره الحضاري، في العيش المشترك بين أتباع الشرائع، التي أنزلها الله، كي لا ينعكس سلبا على المسيرة الوطنية، التي نأمل جميعا أنها مسيرة خير وسلام، وإنماء وازدهار للشعب اللبناني بكل فئاته.

إن محنة لبنان الكبرى، اضطراره كل عقد أو عقدين لإعادة الإعمار. ولدينا عشرات ألوف المواطنين، الذين فقدوا أعزاءهم أو منازلهم وقراهم، لا إعمار بدون إصلاح، ليس بسبب مشكلة الموارد فقط، بل ولأن الإصلاح هو ضمانة استتباب الإعمار والعمران وبقائه، فقد رأينا كيف أقبل الفساد خلال عقدين، على تدمير إعمار الرئيس الحريري وعمرانه. فالإصلاح هو مقدمة الإعمار وقرينه، وبخاصة، إذا لاحظنا الأولويات في خطاب القسم لفخامة الرئيس.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.